عرض مشاركة مفردة
  #70  
قديم 18-12-2005, 05:22 AM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

هل لا زالت فرص العسكر في الحكم باقية ؟

اذا كانت الأجواء التي سادت مطلع القرن الماضي ، تسمح بصعود نجم العسكر وتسلمهم مقاليد الحكم في البلاد العربية وتفويض أنفسهم بالتصرف بأموال البلاد ورسم استراتيجياتها في كل المناحي ، مستغلين بذلك حالة عدم الإحساس بضرورة الدولة التي استمرت لقرون طويلة قبل صعود نجمهم ، وتواضع طلبات المواطنين الحياتية التي كانوا يقضونها بأنفسهم ، وجهل المواطنين بحقوقهم ، وعدم معرفتهم بأهمية حراكهم ، فان الوقت الحاضر اختلف تماما .

لقد تعاقب على الذاكرة الجماعية لأبناء الأمة العربية ، أشكال كثيرة من أصناف الحكم ، وكانت الصفة العامة للحكام لا تبتعد كثيرا عن صورة النعمان ابن المنذر الذي كان له يوم سعد ويوم نحس ، فحالة التسليم القدري لأهواء الحاكم بنحسه وسعده ، هي السائدة ، حتى تغلغلت في قصصهم و آدابهم و سلوكهم .

ولكن بعد أن تعرف المواطن على الصور التي يمكن أن تتحقق من حراكه اذا تحرك ، فلن يبقى أمامه مستحيلا ، لا يمكن الوصول اليه . وعندما يستعرض المواطن العربي عينات قوة أمته وانتصاراتها ، فانه يجدها حيث يسود العدل ويقل الفساد ، ويلتحم الشعب مع قياداته . وبعد أن تكررت إرهاصاته وجرح كرامته وابتعدت عنه أسباب الحياة الآمنة ، كان لا بد أن يتفحص الدارة الكهربائية لسيارته متتبعا إياها في كل وصلة .

حقا أن الجيوش لا يمكن الاستغناء عنها في الذود عن حدود البلاد وثرواتها ، وحقا انه لا فائدة من كنز الكنوز و جمع الثروات و تحقيق الازدهار اذا ما كان هناك من يتربص بالبلاد سوءا ، وهذا الأمر يبقى ماثلا طالما هناك حياة .

فالاهتمام بالجيش وتسليحه وتنقيته من الجواسيس والمفسدين ، لا يقل أهمية عن تشجيع العلم و تسجيل براءات الاختراع و تأمين العمل والسكن والصحة العامة للمواطنين . لكن دون التركيز على إناطة هذا الأمر للقيادات العسكرية ، التي تسقط وضعها الكامل على الحياة المدنية مما يفسد الحالتين معا ، العسكرية والمدنية .

ان تحقيق مسألة التوازن تلك يتأتى فقط عندما تتحقق شرعية كاملة للحكم ، ولن تبقى أي إشكالية حول تلك الشرعية ، فانها لوبقيت هناك إشكالية ، فانه كما يهمس بها المواطن فان الحكم يدركها ، مما يدفعه الى التوجه للمبالغة في كسب ود الجيش وما حوله من أجهزة أمن ومخابرات وغيرها ، مما يصنع أسس الفساد والتفرقة و إطلاق أيدي تلك الأجهزة لتكيف نشاطاتها ، من خلال التفويض الذي أعطي لها ، لعمل توازن بين مصالحها و مصالح من فوضها .

ان المواطنين ، يدركوا ذلك جيدا ، وان كانت تخونهم قدرتهم على التعبير ، التي تتحالف مع فرص إبقائهم ساكتين ، فانهم يتكيفوا مع تلك الظروف ، من خلال الهجرة من الوطن أو التزلف للحكم أو العيش مع احتقاناتهم لتنفجر بأي لحظة ، باتجاهات لن تكون محمودة في أغلب الأوقات ، لوجود من يتنبأ بتلك الانفجارات أو يعمل على توقيتها مستغلا إياها أسوأ استغلال .

ان سلسلة الانقلابات التي حدثت في كثير من الأقطار العربية ، ذهب ضحيتها قادة عسكريون ، لهم شأنهم ، كما ذهب ضحيتها ساسة و أناس قد يكون توفيرهم ، هو لصالح الوطن ، كما قد يكون ذهب بها أيضا أناس لا اعتبار لهم ، لكن كان يمكن اختصار كل تلك التضحيات لو تم تأسيس علاقة ، بين مراكز القوة في البلاد و جعل السيد سيدا في محيطه و اختصاصه ، ضمن سيادة عليا لهيبة الدولة ، ترسى دعائمها ، وتوزع الأدوار بها ، بالفطنة والتجربة والتطوير المستمر .
__________________
ابن حوران
الرد مع إقتباس