هذا الذي يحدث 12
هذا الذي يحدث
12
بعض الأصدقاء أشاروا عليه عندما لاحظوا أن الوحدة والإنطواء قد يكونا خطرا على مزاجه وطبيعته بالعودة للمساجد حيث كان يتلقن القرآن معهم .. لما يعلموه عنه أنه يتقبل نصيحة الناصح وتوجيه الصديق لإيمانه أن النصيحة مقبولة في كل زمان ومكان ... لكن شدة الصدمة التي وقعت في نفسه من نصيحته لأحد أقاربه والتأويل الذي تحولت إليه تلك النصيحة حيث قولبت إلى تهديد ووعيد .. كانت سدّا أمام نصائح الأصدقاء، رغم تظاهره بقبولها...فلقد تألب عليه القريب ومن هو على شاكلته بسبب نصيحة حق.....
إن الحزن الكبير الذي طال وقته لا يدري متى تصفو منه نفسه وتتضح رغباته في مواصلة الحياة على ما كانت عليه ... فالفشل بات جليا عنده... ثم ما الداعي إلى النجاح وما قيمته في حياة صارت تشوهها السلبيات وتطغى عليها ، حيث صارت الفضيلة شذوذا والرذيلة سلوكا يجب أن يتبع... الرذيلة هنا بمعناه العام أي السلبية....
أخوه كان إنسانا عظيما... فقد كان يجعله دائما مثله الأعلى وأباه الروحي.. كان يدفعه للقيام بالأدوار الرائدة سواء على مستوى الأسرة أو العائلة " العشيرة أو القبيلة".
كان يرى فيه الطبيب الماهر الذي يعالج الناس من أمراضهم المستعصية... والسياسي المخلص الذي يعمل لوطنه ليرفعه بثبات إلى جنة الأمن والسلام....والمحامي القدير الذي يدافع عن حرمات الآخرين ومظالمهم وحقوقهم....
يذكر حينما كانا صغيرين وهو يلاعبه أحيانا بطائرة من الورق فتشملهما الفرحة حينما يرسلها في الفضاء ويلحقاها وهي متجهة حيث قذفت ...ثم تنعطف وتسقط على الأرض ... فيخيب أمله دون تأثر واضح بسبب الإخفاق الذي حصل من سقوط الطائرة أو حينما كان يشكل من كرناف النخل سفينة ويودعها إلى غدير المياه قرب البيت الذي ولدا به وترعرعا بين جدرانه ، فتضل تتقدم حتى تجنح وتتوقف عن المسير... فيتركانها ويمضيان..
هكذا كانا يتنقلان من لعبة إلى أخرى... كفراشتين تحومان حول الأغصان والورود.... إلا أنه كان يتميز عليه بسماع القصص الشعبية القديمة ، وخاصة الطويلة منها ، الزاخرة بالعبر والحكم ومغامرات الأقدمين وأحداثها المثيرة... والتي كان حين يسمعها من أمه في الليل على شكل خرافة تسردها عليهما ليناما يحاول أن ينسج على منوالها أشياء وأشياء ليقصها في الصباح على زملاء الدراسة .... كان ولعه الذي لا يمله تقليد المهن وسماع القصص فضلا عن حيه الكبير للغة العربية التي كان متفوقا فيها على مستوى الفصل طوال سنوات دراسته... والتي عجز خلالها عن إختيار الإتجاه الذي يريد. فدرس ويا ليته ما درس حتى أنهي دراسته ، فالعلم والتعلم و الإتقان صارا في زمن الجهل كارثة ومصيبة . وإختار أن يكون مواكنا مخلصا ، جادا ، ملتزما ... فتحول إلى مواطن مدان ومتهم بعد عقود من الجد والإخلاص والعطاء اللامحدود حتى وصل إلى ما وصل إليه.....
إنه زمن البحث عن ضحايا .. فكان ضحية حذاق الزمن والمتحذلقين...شياطين الإنس الذين يقتلون الميت ويبكونه ويندبونه ويسيرون في جنازته....
|