لم يكن بالضرورة أن يحكم المسلمين من هو أكثرهم فقها بالدين :
عندما نناقش موضوع الدولة ، كبشر لا على التعيين ، فاننا ننظر لها من زاوية كونها مسألة تعني بتنظيم شؤون الناس الحياتية الدنيوية . وعندما نناقش الدولة من خلال كوننا ندين بدين الاسلام ، فاننا سنضع في نقاشنا عاملا جديدا ، وهو مدى تطابق القوانين والأوامر الصادرة عن الدولة ، مع شرع الله ، والنصوص الواردة في القرآن الكريم ، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والكيفية التي تعامل بها الصحابة رضوان الله عليهم ، في العهد الراشدي ، كونهم المرجعية ، التي لا يكثر حولها الاختلاف .
ولو تفحصنا ، تاريخ الدولة الاسلامية ، أو الدول التي ظهرت ، أثناء فترة الخلافة ، والتي كانت كل منها تذود عن ثغور المسلمين ، وتطلق إبداع المبدعين في مختلف مناحي الفنون والعلوم و الفقه والسنة .
لكن لو رأينا كيفية وصول الذين كانوا يحكمون أو يتزعموا تلك الدول ، لما رأينا أي أثر للدين في إيصالهم للحكم ، بل كانوا يصلون للحكم ، إثر صراعات قبلية أو عصبية أو سياسية في أغلب الأحيان .
ولو تفحصنا أزمنة تواجد علماء الدين والفقه الإسلامي ، وتزامنها مع حكام الدول الإسلامية ، لوجدنا أن ليس هناك توافق مستمر ومودة مستمرة بين الحاكم وهؤلاء العلماء ، بل نجدها أحيانا تصل الى حد العداء ، كما حدث لابن حنبل ، وغيره من العلماء ..
ونحن من زاوية نزهو ونفتخر بإنجازات خليفة أو حاكم إسلامي من فتوحات وإشاعة أجواء المعرفة ، ونذكر مناقبه كأحد القادة السياسيين الذين أسهموا بقوة بترسيخ دعائم الدولة الاسلامية وحضارتها ، وبنفس الوقت نزهو ونفتخر دينيا بإنجازات أحد العلماء أو الأئمة الذي كان يعاصر ذاك الخليفة أو الحاكم ، وقد تعرض لعدم إنصاف من ذلك الخليفة او الحاكم !
ولو ناقشنا الكيفية التي كانت تنتقل بها الخلافة أو الحكم من واحد لآخر ، لما استطعنا تكييف أمرها وفقا للشرع ، بل نسكت عن تلك الكيفية والتي كانت الخلافات حولها في حينها من الدرجة بمكان الى ان آلت اليه الدولة الى مجموعات كثيرة من الدول أو الدويلات .
ان عظمة الإنجازات التي حققتها تلك الدول ، و ان كانت تدفعنا لتناسي الكيفية التي كان يتم بها تناقل السلطة ، فاننا اليوم و نحن نناقش أمرنا ، لا بد من أن نعترف أن الدولة كانت تتكون على هامش رؤى سياسية ، وليس على هامش رؤى دينية ، وكان الخلاف السياسي قد يحدث بين أكثر المسلمين ورعا وتقوى ، حتى لو كانوا من المبشرين بالجنة .
__________________
ابن حوران
|