عرض مشاركة مفردة
  #7  
قديم 27-12-2005, 03:01 AM
maher maher غير متصل
رب اغفر لي و لوالدي
 
تاريخ التّسجيل: Sep 2004
الإقامة: tunisia
المشاركات: 2,978
إرسال رسالة عبر MSN إلى maher إرسال رسالة عبر بريد الياهو إلى maher
إفتراضي

المذهب الثاني: تحريم الزواج بالكتابية على المسلم في دار الإسلام.
واشتهر هذا المذهب عن الصحابي الجليل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما. قال السرخسي رحمه الله: "ولا بأس أن يتزوج المسلم الحرة من أهل الكتاب، لقوله تعالى: والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب الآية. وكان ابن عمر لا يُجَوِّز ذلك، ويقول: الكتابية مشركة". [المبسوط (4/210)]

وقال ابن حزم رحمه الله: "وروينا عن ابن عمر تحريم نساء أهل الكتاب جملة، – ثم ساق بسنده عن نافع – أن ابن عمر سئل عن نكاح اليهودية والنصرانية؟ فقال:
إن الله تعالى حرم المشركات على المؤمنين، ولا أعلم من الإشراك شيئا أكثر من أن تقول المرأة: ربها عيسى، وهو عبد من عباد الله عز وجل"
[المحلى (9/445)]
ونقل ابن جرير رحمه الله عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، ما يدل على عدم صحة نكاح المسلم الكتابية، فقال: "وقد نكح طلحة بن عبيد الله يهودية، ونكح حذيفة بن اليمان نصرانية، فغضب عمر غضبا شديدا، حتى هم بأن يسطوَ عليهما، فقالا: نحن نُطَلِّق يا أمير المؤمنين ولا تغضب، فقال: لئن حل طلاقهن لقد حل نكاحهن، ولكن أنتزعهن منكم صغرة قماء "! [يعني صغارا وذلة]

ثم رد ابن جرير رحمه الله ما نقل عن عمر من التفريق بين طلحة وحذيفة وامرأتيهما بالإجماع على خلافه، وذكر أنه قد نقل عن عمر خلاف ذلك بإسناد أصح [جامع البيان (2/376)]
كما ذكر ابن جرير رواية عن ابن عباس رضي الله عنهما، يفهم منها أنه يقول بالتحريم، فقال: "بل أنزلت هذه الآية – يعني آية البقرة – مرادا بها كل مشركة، من أي أصناف الشرك كانت، غير مخصوص منها مشركة دون مشركة، وثنية كانت أو مجوسية أو كتابية، ولا نسخ منها شيء. – ثم ذكر بسنده عن ابن عباس – يقول: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أصناف النساء، إلا ما كان من المؤمنات المهاجرات، وحرم كل ذات دين غير الإسلام، و قال الله تعالى: ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله  [نفس المرجع]

ومن الذين حرموا نكاح الكتابية الإمامية، كما نص على ذلك في متن الأزهار، فذكر من المحرمات في النكاح "المخالفة في الملة" وقد أطال الشوكاني رحمه الله في الرد عليهم بمخالفة كتاب الله في ذلك. [راجع السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار (2/252-254) وستأتي أدلة هذا المذهب ومناقشتها في الحلقة الآتية]
أدلة القائلين بتحريم زواج المسلم الكتابية:

استدل القائلون بهذا المذهب بأدلة:
الدليل الأول: من القرآن الكريم.
وفيه آيتان صريحتان في النهي عن زواج المسلم المشركات، والكتابيات مشركات، والنهي عن إمساك المسلمين نساءهم الكوافر، وقد كان هذا مسكوتا عنه في أول الإسلام.
الآية الأولى: آية البقرة، وهي قوله تعالى: ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم أولئك يدعون إلى النار والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه ويبين آياته للناس لعلهم يتذكرون [البقرة 221]
وجه الدلالة من الآية أن الله تعالى نهى عن نكاح كل امرأة مشركة، وجعل غاية النهي عن ذلك إيمانهن، والإيمان إذا أطلق في القرآن والسنة هو الإيمان الشرعي الذي نزل به القرآن والسنة، فكل مشركة داخلة في هذا العموم، والكتابيات مشركات، بدليل وصف الله تعالى أهل الكتاب بالشرك، كما في قوله تعالى: وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا سبحانه وتعالى عما يشركون [التوبة: 30، 31 وراجع كتاب أضواء البيان (1/204-205) لشيخنا العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله]

فقد وصف اليهود والنصارى بأنهم يشركون به تعالى. وعلى هذا القول تعتبر آية البقرة ناسخة لآية المائدة – على عكس ما ذهب إليه أهل المذهب الأول.
وقد ذكر ابن حيان قولا لابن عباس: "أن آية البقرة هذه عامة في الوثنيات والمجوسيات والكتابيات، وكل من على غير دين الإسلام، ونكاحهن حرام، والآية محكمة على هذا ناسخة لآية المائدة، و آية المائدة متقدمة في النزول على هذه الآية في سورة البقرة، وإن كانت متأخرة في التلاوة، ويؤيدها قول ابن عمر في الموطأ: ولا أعلم شركا أعظم من أن تقول المرأة: ربها عيسى …. " [التفسير الكبير (2/164) وراجع فتح الباري (9/416-417)]
ومعنى هذا أن سورة المائدة، وإن كانت من أخر سور القرآن نزولا، فلا يمنع ذلك من أن تكون بعض آياتها متقدمة على بعض آيات سور نزلت قبلها، ومنها سورة البقرة، إلا أنه يشكل على ذلك عمل عامة الصحابة والتابعين بعدهم بحكم آية المائدة، إذ لو كانت منسوخة لكان عمل عامة المسلمين على خلافها، وهذا بعيد.
ولهذا قال ابن حيان – بعد ذكره ما تقدم: "ويجوز نكاح الكتابيات، قاله جمهور الصحابة والتابعين: عمر وعثمان وجابر وطلحة وحذيفة، وعطاء وابن المسيب والحسن وطاووس وابن جبير والزهري، وبه قال الشافعي، وعامة أهل المدينة والكوفة. قيل أجمع علماء الأمصار على جواز تزويج الكتابيات، غير أن مالكا وابن حنبل كرها ذلك مع وجود المسلمات والقدرة على نكاحهن …"

وأجيب عن دعوى نسخ الآية بآية البقرة بأمرين:
الجواب الأول: عدم وجود دليل على تأخر آية البقرة على آية المائدة، ودعوى نسخ آية البقرة بأية المائدة أولى، لأن سورة المائدة متأخرة عن سورة البقرة باتفاق بين العلماء [راجع مجموع الفتاوى (32/178) وما بعدها، لابن تيمية رحمه الله]
وعلى فرض عدم تأخر آية المائدة على آية البقرة، فإن الأولى المصير إلى الأمر الثاني الآتي.
الأمر الثاني: أن الجمع بين النصين – إذا أمكن - أولى من إعمال أحدهما وإهمال الأخر، والجمع هنا ممكن، وهو ما ذهب إليه الجمهور من اعتبار آية البقرة عامة تشمل جميع المشركات، بما فيهن الكتابيات، وآية المائدة خاصة استثنت الكتابيات من النهي فبقين على الجواز.
الآية الثانية، وهي قوله تعالى: ولا تمسكوا بعصم الكوافر [الممتحنة 10] لفظها عام يتناول كل كافرة، فلا تحل كافرة بوجه من الوجوه، ولا عبرة بخصوص سبب نزولها في نساء المسلمين من مشركات مكة، بل العبرة بعموم لفظها.
وأجيب عنها بما أجيب به عن سورة البقرة، بأن الكتابيات مستثنيات بأية المائدة، ودل على ذلك عمل الصحابة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، والتابعين. [راجع الجامع لأحكام القرآن (18/65) للإمام القرطبي رحمه الله]