عرض مشاركة مفردة
  #76  
قديم 29-12-2005, 05:30 AM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

اذا هبت الرياح .. فمن تتبع الأوتاد ؟

نعلم وظيفة الأوتاد بتثبيت البيت جيدا ، ونعلم ان الجزء المخفي منها داخل الأرض هو الأكبر ، في حين أن الجزء الظاهر ، هو فقط لعمل عقدة الربط لحبل الشد بين قمة العمود و الوتد .

لكن ان شاء مهندس البيت أن يجعل الأوتاد تنتسب للأعمدة ، أكثر مما تنتسب للأرض ، فان آثار الرياح العاتية ، ستؤثر على البيت كله ، بما فيه أعمدته إذا ما اتفق على جعل الأوتاد تظهر فوق الأرض متشامخة، ومنتسبة للأعمدة أكثر ما تنتسب الى الأرض .

نعم ، ان هناك دواعي ضخمة لوجود علاقة بين الأعمدة و الأوتاد ، وهي علاقة تكامل أدوار ، لا علاقة تنافر ، لكن اذا كان كثيرا ما يتم الاستعاضة بعمود عن آخر ، والبيت قائم ، فإنه عندما ترى أن الأعمدة زائلة ، ستزول معها الأوتاد فان هناك خلل كبير ، يعيق من تواصل واستمرارية بناء البيت .

النقابات أوتاد ، الجمعيات التعاونية أوتاد ، منتديات الثقافة أوتاد ، الجمعيات الخيرية و المنظمات التي تعني بهدف دراسي أو تعني بتكريس مثل وقيم ، أيضا تعتبر من الأوتاد ، الأندية الرياضية وغرف التجارة وغرف الصناعة والبلديات ، كلها أوتاد .. إنهم في العالم يطلقون عليها منظمات المجتمع المدني ، وقد لا يروق هذا المصطلح المستورد لكثير من أبناء أمتنا .

لن نغوص كثيرا في تفصيل كل واحدة من تلك المنظمات ، فكل واحدة منها تعتبر موضوعا ، يمكن كتابة عدة كتب عنه .. وذلك سيجعلنا نبتعد عن محور حديثنا ، ونصعب من متابعته .. لكننا سنتحدث عن ظروف نشأة تلك المنظمات والكيفية الأكثر فائدة للتعامل معها ، باعتبارها منظمات ذات ضرورة و وظيفة في آن واحد ..

نشأة منظمات المجتمع المدني :

عندما أخذ الانسان يتدرج بتحضره شيئا فشبئا ، فان هناك جماعات اصطناعية أخذت تظهر من رحم الجماعات الطبيعية ، فصنف من أبناء المهنة يعتبرون جماعة اصطناعية داخل قبيلتهم أو قريتهم أو وطنهم .

ان لغة وصحبة وتعاون وتنافر ، ستحدث بين أفراد تلك الجماعات المصطنعة ، فعندما يسهبون بالكلام في مهنتهم فان من يستمع اليهم لا يكاد يفهم الكثير مما يتحدثون به ، فمفردات الرعاة غير مفردات النجارين غير مفردات الأطباء ، وآلام و أحلام كل صنف من هؤلاء ، تختلف عن آلام و أحلام غيره . واذا اشتكى مهندس من العقبات التي تواجه مهنته ، فان من يستمع اليه من غير أبناء مهنته ، لن يتفاعل معه بنفس الحرارة التي يتعامل بها زميله .

ان هذا الوضع صنع منذ الأزمان الغابرة ، مجتمعات غير مرئية ، لا فواصل بينها و بين المجتمع الكلي الطبيعي ، لكن كان هناك اعتراف بوجودها ، فان رجوع الأفراد أو تذكرهم لقائمة طويلة من الأسماء التي تتشابه في مهنتها ولون تلك المهنة .. وهو تحديد واضح للاعتراف بها .

لن نكون مغالين ، اذا قلنا أن العرب بجذور حضارتهم المتوغلة في القدم ، كانوا أول سكان الأرض ممن أشار في قوانينه وتشريعاته لمكونات المجتمع المدني .. فشرائع حمورابي دالة كبرى .. و إحالة بناء الأهرام لجماعات متخصصة هو كذلك دالة ، وتفنن الفينيقيين بعلوم البحر والسفن ، هو دالة ، ومزاود دول كمنهو وقتبان وتمثيل كل المهن بتلك المزاود هو سبق تنظيمي وإداري واضحين .

لذا لم نعجب عندما كان هذا الرشح للإمتداد الحضاري ، يصل الى الدولة العباسية عندما كان لكل مهنة شيخ ، يرجع له في فض المشكلات بين المهنيين المتخاصمين .. كما استنبط القرامطة فكرة هي أقرب للنقابات في عصرنا الحديث وقد أسهم القرامطة بخلطهم الهدف السياسي مع المهني ، في إلهام الحركة الماسونية في صياغة أدبياتها .

وعندما قامت الثورة الصناعية ، في أوروبا ، لم تنطلق الدعوة لإنشاء النقابات من فراغ ، بل وجدت تراثا عميقا كانت بصمات حضارتنا واضحة كل الوضوح فيه ، وما عملوه فقط هو مواضعة وتكييف لما كان يستجد عندهم ، من أمور .. ولما حاول العرب نقل تلك التجربة أو تطبيقها من جديد ، فقدوا القدرة على تتبع فقهها في الدور والغاية .
__________________
ابن حوران
الرد مع إقتباس