عرض مشاركة مفردة
  #2  
قديم 30-12-2005, 06:28 AM
يحى عياش يحى عياش غير متصل
Banned
 
تاريخ التّسجيل: Sep 2005
الإقامة: أرض الله
المشاركات: 592
إفتراضي

وقد أجمع المسلمون على أنه يشترط في الإمام الذي يجب له السمع والطاعة :الإسلام والعدالة، كما أجمعوا على وجوب طاعة الإمام العدل ـ وهو من تولى الأمر بالرضى والشورى ـ فيما كان من طاعة الله ورسوله كما إذا أمر بالجهاد، وإقامة الحدود، والفصل بين الناس ....الخ.

فإن طرأ عليه فسق أو ظلم يخرجه من حد العدالة، فقد اختلف السلف في وجوب طاعته، فمنهم من لا يرى إمامته أصلا، ولا يرى له طاعة، ويوجب الخروج عليه كالحسين بن علي، وعبدالله بن الزبير، وكل من خرج على الحجاج من علماء العراق كسعيد بن جبير، وحجتهم في ذلك قوله تعالى{ قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهد الظالمين}(البقرة) فقالوا الظالم لا يكون إماما أبدا.
ومنهم من لا يرى إمامته، ولا يرى طاعته، ولا يوجب الخروج عليه، ولا يمنع منه، كمالك بن أنس، وأبي حنيفة، وسفيان الثوري، وحجته قوله تعالى{ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار} فحرموا الركون والميل إليهم، وإن لم يوجبوا الخروج عليهم، ولم يحرموه أيضا، وقد سئل مالك عن القتال مع الأئمة لمن خرج عليهم، فقال إن كان الإمام كمثل عمر بن عبد العزيز فقاتل معه، أما إن كان مثل هؤلاء الظلمة فلا ، دع الله ينتقم من الظالم بمثله.

ومنهم من يرى إمامته، وطاعته في طاعة الله ورسوله فقط، ويرى الصبر، ويحرم الخروج عليه كأحمد، كما هو مفصل في كتب الفقه، وهؤلاء إنما راعوا المصالح الكلية التي قد تتعطل بالخروج عليه كوحدة الأمة، وإقامة أمر الجهاد، وحماية البيضة من العدو، وإقامة مصالح الناس ....الخ.

فإذا اختلف الناس على إمامين ـ كما حدث في عهد ابن الزبير ـ فهو زمن فتنة، ولم يروا البيعة لواحد منهما، ولا السمع والطاعة لهما، حتى يكون الناس جماعة على إمام واحد، وهو مذهب الإمام أحمد فقد سئل ـ كما في أحكام أبي يعلى ص 23 ـ عن حديث (من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية) فقال للسائل أتدري من ذاك؟ هو الذي يجمع المسلمون عليه كلهم يقول هذا الإمام.

أما إذا كفر الإمام، وارتد عن الإسلام، فقد أجمعوا على سقوط إمامته وطاعته، بل ووجوب الخروج عليه وخلعه، إذ المقصود من الإمامة أصلا إقامة الدين، وسياسة الأمة، وإقامة الجهاد في سبيل الله ، وتحكيم شرعه....الخ.

وقد نقل هذا الإجماع كثير من العلماء كالقاضي عياض ـ كما في شرح النووي على مسلم (12/229) ـ وعبارته ( أجمع العلماء على أنه لو طرأ عليه كفر أو تغيير للشرع أو بدعة ـ أي مكفرة ـ خرج عن حكم الولاية، وسقطت طاعته، ووجب على المسلمين القيام عليه وخلعه، ونصب إمام عادل إن أمكنهم ذلك، فإن لم يقع ذلك إلا لطائفة منهم وجب عليهم القيام بخلع الكافر). ، وكذا نقل الإجماع على ذلك الحافظ ابن حجر كما في الفتح (3/123).

فالقول بوجوب السمع والطاعة لمن جاء به العدو الكافر ونصبه في دار الإسلام يصطدم بالنصوص القطعية، والإجماع القطعي على وجوب الخروج على الإمام إذا طرأ عليه كفر، أو كان كافرا أصليا ، للحديث الصحيح (إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان) أي فنابذوا الأمراء حينئذ بالسيف.

والمقصود أن السمع والطاعة ـ المجمع عليها بين الأئمة وسلف الأمة ـ إنما تكون للإمام المسلم العدل، كما أنه مجمع على أنه لا سمع ولا طاعة للكافر، أو لمن طرأ عليه الكفر، ولا خلاف بين الأمة في ذلك، وأما الإمام الجائر أو الفاسق فقد اختلف الأئمة، وسلف الأمة في السمع والطاعة له اختلافا كبيرا، وهذا كله في الإمام الذي يصدق عليه أنه ولي أمر ليس فوقه من هو أعلى منه سلطة وسيادة، وهو من يطلق عليه في الفقه الإمام العام أو الإمام الأعظم وهو الخليفة، أما من يأتي به العدو الكافر الغازي وينصبه على المسلمين فإنه خارج عن محل الخلاف بلا خلاف، إذ الحاكم في واقع الأمر هو العدو الكافر الذي نصبه إماما، وهو ولي أمره، فمن أوجب له السمع والطاعة فإنما يوجبها للعدو الغازي، ويرى أنه يدخل في عموم الآية {وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} ومن يرى مثل الرأي الباطل، إنما يرد على الله ورسوله حكمهما، وينقض إجماع الأمة على أن السمع والطاعة لا تكون إلا للإمام المسلم وليس لكل إمام، إذ الكافر أو المنافق الذي يحارب الله ورسوله ويسعى في الأرض فسادا واجب على الأمة جهاده، لا طاعته أو السمع له، وقد قال الله{ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا} وإذا كان الله سبحانه لم يجعل للكافر على ابنته إذا أسلمت ولاية ولا سبيلا، فلا يعقد نكاحها، ولا يحل له ميراثها، ولا يتصرف في مالها، فكيف يكون له ذلك على الأمة كلها يتصرف في دمائها وأرضها وشئونها؟!! فهذا لا يقوله من يعلم عن الله كتابه، ولا من يفهم عن الشارع خطابه، ولا يصدر عمن يعرف الفقه، وأحكامه، ومقاصده، وهذا يدخل في القول على الله بلا علم وهو كالشرك به كما قال تعالى {قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون}(الأعراف 33).

2ـ أن العدو الكافر الذي نصب هذا الحاكم له أحول وهي:

الحال الأولى: أن يكون قد تدخل في تنصيب هذا الحاكم أو فرضه على بلد إسلامي دون أن يدهم أرضها، ودون أن يستحلها، أو يسفك دماء أهلها، فهذا الحاكم ليس ولي أمر على فرض إسلامه، بل هو مولى من جهة العدو الكافر الذي هو ولي أمره في حقيقة الحال، فالسمع والطاعة في واقع الأمر ليست له، بل للعدو الذي نصبه واختاره، ولا يتصور حدوث مثل ذلك إلا في بلد لم تعد الكلمة والشوكة فيها للمسلمين، وحينئذ يكون حكم الدار حكم دار الكفر، لا حكم دار الإسلام، على قول عامة أهل الفقه، إذ إن دار الإسلام عندهم جميعا هي التي تكون الشوكة والكلمة فيها للمسلمين، والحكم فيها للشريعة الإسلامية، فإن تخلف شرط الشوكة والكلمة، وصار الأمان فيها للكفار بشوكتهم وقوتهم لا بأمان المسلمين لهم، فليست بدار إسلام بلا خلاف، وهذا قول مالك كما في المدونة(2/22)، وقول الحنفية كما في بدائع الصنائع (7/130)، وقول الحنابلة كما في الإنصاف(4/121)، وقال الشوكاني في السيل الجرار على حدائق الأزهار في فقه الشيعة الزيدية (4/575) : (الاعتبار بظهور الكلمة فإن كانت الأوامر والنواهي في الدار لأهل الإسلام بحيث لا يستطيع من فيها من الكفار أن يتظاهر بكفره إلا بإذن له من أهل الإسلام، فهذه دار إسلام لأنها لم تظهر بقوة الكفار ولا بصولتهم، وإذا كان بالعكس فالدار بالعكس) أي تكون دار كفر لظهور شوكة الكفار وكلمتهم فيها.

وقال محمد بن الحسن الشيباني كما في شرح السير (5/2190) : (دار الشرك إنما تصير دار إسلام بإجراء حكم المسلمين فيها، وأهل الشرك إنما يصيرون أهل ذمة بإجراء حكم المسلمين عليهم) أي بتنفيذ أحكام الشريعة عليهم لكون الشوكة والكلمة للمسلمين.

وقد كانت الدور في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أقسام :

القسم الأول : دار الكفر والحرب، وهي مكة التي أوجب الله الهجرة منها مع كونها بيت الله الحرام، ومع وجود النبي صلى الله عليه وسلم وخيرة أصحابه فيها، وذلك أن الشوكة والكلمة والسلطان فيها للمشركين الذين يحاربون الله ورسوله والمؤمنين.

القسم الثاني: دار كفر وسلم، كالحبشة، وهي التي تكون الشوكة فيها للكفار، غير أن المؤمنين فيها يأمنون على أنفسهم، ودينهم، وأعراضهم، فالهجرة إليها جائزة، ومع أن النجاشي وهو ملك الحبشة قد أسلم سرا، وصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الغائب ـ كما ثبت في الصحيح ـ إلا إن الحبشة لم تصبح دار إسلام بذلك، إذ الشوكة فيها والكلمة للنصارى لا للمسلمين، ولم يؤثر في هذا الحكم كون الملك أسلم سرا.

القسم الثالث : دار إسلام، وهي المدينة النبوية التي وجبت الهجرة إليها، وإنما صارت دار إسلام لظهور شوكة المسلمين وظهور كلمتهم فيها، وإقامة شعائر الإسلام وشرائعه عليها.

وهذا حكم الدور ابتداء، أما الدار التي كانت دار إسلام ثم احتلها العدو الكافر، فإن بسط عليها سلطانه، ورضي بذلك أهلها، واستقر له بها الأمر، فهذه دار كفر كالأندلس، والهند في هذا العصر، وكالجمهوريات الإسلامية الروسية التي كانت تحت حكم الروس بالأمس، فلما تحررت من قبضتهم عاد لها حكم دار الإسلام.

وإن لم يستقر للعدو الكافر بها الأمر، ولم يرض أهلها به، بل دافعوه، واستمروا على حربه، وجهاده، ودفعه، فهي أرض جهاد، ورباط، وثغر من ثغور المسلمين.

ولا تظل دار إسلام بظهور العدو عليها، وإن كان أكثر أهلها مسلمين، إذ العبرة بالشوكة والظهور، والكلمة، وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن جزيرة ماردين ـ لما استولى عليها الروم النصارى وأخذوها من أيدي المسلمين ـ فقال عن حكم مثل هذه الأرض كما في الفتاوى (28/240) : (أما كونها دار حرب أو دار سلم فإنها مركبة فيها المعنيان، ليست بمنزلة دار السلم التي تجري عليها أحكام الإسلام لكون جندها مسلمين، ولا بمنزلة دار الحرب التي أهلها كفار، بل هي قسم ثالث يعامل المسلم فيها بما يستحقه، ويقاتل الخارج عن شريعة الإسلام بما يستحقه).

فلم يحكم لها بأنها دار إسلام وسلم مع كون أهلها مسلمين، لأنه لا تجري فيها أحكام الإسلام، التي تقام عادة في الأرض التي جندها مسلمون والشوكة والظهور والكلمة فيها للمسلمين، وكذلك لم يحكم لها بأنها دار حرب من كل وجه، لكون أهلها مسلمين، وجعلها قسما ثالثا فيها شبه من دار الإسلام فيما يخص أهلها المسلمين، كعصمة دمائهم وأموالهم، وفيها شبه بدار الحرب من جهة جواز غزوها وفتحها، وتقسيم أرضها، أو وقفها على المسلمين.

والمقصود أن شيخ الإسلام ـ وإن خالف أكثر الفقهاء في هذا الرأي ـ فقد وافقهم في أنها ليست دار إسلام، بل هي نوع آخر له حكم خاص.

الحال الثانية : أن يكون العدو الكافر قد نصب ذلك الحاكم في البلد الإسلامي، بعد أن دهمها، واحتل أرضها، وجعل من هذا الحاكم درءا يدرأ به، ويقاتل معه، ومن ورائه، فالحاكم والحال هذه محكوم بردته وكفره بالإجماع القطعي لقوله تعالى{يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم}

قال ابن حزم في المحلى (11/138) : (ومن يتولهم منكم فإنه منهم إنما هو على ظاهره بأنه كافر من جملة الكفار، وهذا حق لا يختلف فيه اثنان من المسلمين).

وقد نص القرطبي في تفسيره (6/217) على أن الآية دليل على ردة من يتولاهم، وأن المقصود بالمولاة هنا أي النصرة.

وقال ابن جرير الطبري في تفسيره عند تفسير قوله تعالى{لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ...} (ومعنى ذلك أي أنصارا توالونهم على دينهم، وتظاهرونهم على المسلمين، وتدلونهم على عوراتهم، فإنه من يفعل ذلك فليس من الله في شيء بارتداده عن دينه، ودخوله في الكفر ... إلا أن تتقوا منهم تقاة بأن تكونوا في سلطانهم، فتخافونهم على أنفسكم، فتظهرون لهم الولاية بألسنتكم، وتضمروا لهم العداوة، ولا تعينوهم على مسلم بفعل).

وقد نص شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب على أن نصرتهم ومظاهرتهم على المسلمين من نواقض الإسلام واستدل بالآية كما في الدرر السنية (10/92).

وقال الشيخ ابن باز في فتاواه (1/274) أجمع علماء الإسلام أن من ظاهر الكفار على المسلمين، وساعدهم بأي نوع من المساعدة فهو كافر مثلهم) واحتج بالآية.