عرض مشاركة مفردة
  #5  
قديم 30-12-2005, 06:34 AM
يحى عياش يحى عياش غير متصل
Banned
 
تاريخ التّسجيل: Sep 2005
الإقامة: أرض الله
المشاركات: 592
إفتراضي

ولهذا لم يوجب الله على المسلمين طاعة أحد مطلقا غير طاعته وطاعة رسوله، وقيد طاعة أولي الأمر فيما كان طاعة لله ولرسوله، ولم يأمر الله عز وجل قط عباده بطاعة العلماء بل أمرهم بسؤالهم فقط عما لا يعلمون {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} من أجل معرفة العلم الذي هو قول الله ورسوله، لا من أجل تقليد العالم، إذ العلماء ليسوا معصومين عن الخطأ والهوى، ولهذا لم يجعل الله وصف العلم سببا في دخول الجنة بل قال تعالى ( فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين)(النساء 69)، إذ من العلماء من هم علماء سوء كعلماء بني إسرائيل، يحرفون الكلم عن مواضعه، ويأكلون أموال الناس بالباطل، ويصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا، كما وصفهم القرآن في آيات كثيرة، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن إتباع أمته سنن اليهود والنصارى حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلوه، ومن أظهر سنن أهل الكتاب تحريفهم الكلم عن مواضعه، واتخاذهم أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله بطاعتهم في تحليل ما حرم الله وتحريم ما أحل الله كما قال صلى الله عليه وسلم لعدي بن حاتم حين قال ما عبدناهم يارسول الله! فقال له (ألم يكن يحلون لكم الحرام ويحرمون الحلال فتطيعونهم) قال: بلى! قال صلى الله عليه وسلم : (فتلك عبادتهم).

والمقصود أنه لا طاعة للعلماء ولا للأمراء، بل الطاعة لله ولرسوله، فإن أمروا بما هو طاعة لله ورسوله كالجهاد، وتحكيم الشرع، وإقامة العدل، ودفع الظلم ...الخ وجبت طاعتهم لكونهم أمروا بما أمر الله ورسوله به، فإن أمروا بما هو معصية أو بما فيه شبهة حرمت طاعتهم ووجبت معصيتهم، بل طاعتهم حينئذ كفر وشرك بالله، ومن اتخاذهم أربابا من دون الله.

وقد أفتى شيخ الإسلام بوجوب قتال التتار، لما غزو الشام، وأخذ يحرض المسلمين على جهادهم، ويرد على من أفتى بحرمة قتالهم بدعوى أنهم دخلوا الإسلام، حتى قال شيخ الإسلام لمن معه إن رأيتموني في صفهم فاقتلوني! تأكيدا منه رحمه الله أن قتال التتار لا شبهة فيه البتة، وأن رجوعه عن رأيه فيما لو رجع لا يغير من حكم الله ورسوله شيئا في وجوب جهادهم، بل الواجب على المسلمين حينئذ لو رجع شيخ الإسلام عن فتواه ووقف في صف التتار أن يقاتلوه معهم ولا يغتروا به، إذ الحي لا تؤمن عليه الفتنة، ودين الله لا يعرف بالرجال، بل بالآيات البينات، فإذا دهم العدو أرض الإسلام فقد وجب بالإجماع دفعه، وصار الجهاد حينئذ فرض عين على أهل البلد التي دهمها العدو وفرض كفاية على من يليهم من المسلمين، فإن عجزوا عن دفعه صار فرض عين على من يليهم حتى يعم الحكم جميع المسلمين ـ كما بيناه وفصلناه في فتوى ببطلان اشتراط الراية والإمام للجهاد ـ ومثل هذا الحكم الذي هو فرض عين بالإجماع لا يكون محلا للاجتهاد، ولا يحتاج المسلمون في معرفته إلى العلماء، ولا يستطيع العلماء أن ينسخوا الحكم المجمع عليه، ويحرم على المسلمين طاعتهم في ذلك، وإنما هذا الأمر من المعلوم من الدين بالضرورة القطعية، فمن قدر عليه من أهل الحرب والنجدة والبأس قام به، ومن لم يستطع وجب عليه أن يعد العدة حتى يقدر عليه، وإنما يجتهد المسلمون في فروض الأعيان وفروض الكفاية في كيفية أدائها على الوجه المطلوب، وهذا يرجع فيه إلى أهل الخبرة والمعرفة والدراية في هذه الفروض لا إلى الفقهاء، فما كان من فروض الجهاد كان معرفة كيفية القيام به على الوجه المطلوب راجعا للعسكريين وأهل الحرب والمقاتلين، وإنما يجب الرجوع إلى الفقهاء لمعرفة حكم الله في النوازل التي لا يعرف حكمها من حيث الحل والحرمة والوجوب، أما القضايا التي أجمع عليها المسلمون، ويشترك في معرفتها العامة والخاصة، مما هو معلوم من الدين بالضرورة القطعية، فلا يجب على المسلمين الرجوع فيها إلى أحد لمعرفة حكمها، وكذا القضايا الخلافية التي اشتهرت فيها أقوال الأئمة وسلف الأمة، فمن أخذ بقول بعضهم بدليله طاعة لله ورسوله، لم يجب عليه الرجوع إلى الفقهاء المعاصرين، إذ سؤالهم واجب على من لا يعرف الحكم أما من عرفه بدليله فلا يجب عليه السؤال.

أما ما الذي يجب على المسلمين إذا عجزوا عن دفع عدوهم عجزا كليا بالقوة والقتال، واستقر الأمر للعدو الكافر في أرضهم، أولمن نصبه العدو الكافر من أوليائه وحزبه، فالواجب الصبر وإعداد العدة، إذ الخطاب الشرعي يظل متعلقا بحال القدرة،ولا يسقط عنهم فرض دفعه ومقاومته، بل يجب العمل بكل وسيلة أخرى غير القتال كالمقاومة السلمية، والعصيان المدني، والعمل السري، حتى تتحرر أرضهم،كما في الحديث (من لم يغزو ولم يحدث نفسه بالغزو مات ميتة جاهلية)، ويكون الحاكم في هذا الحال سلطانا وحاكما بحكم الأمر الواقع لا بحكم الشارع، وحال المسلمين معه كحالهم تحت سلطان الكافر ، فالخضوع لسلطانه ليس لكونه ولي أمر شرعي تجب موالاته ونصرته، بل هو ذو سلطان قهري يتقي المسلمون منه تقاة، حتى يفرج الله عنهم، فإن استطاعت طائفة منهم مقاومته فالواجب نصرتها، ومن لم يستطع نصرتها، فلا يقاتلها معه.

هذا والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
_____________________ التوقيع _____________________
ابو البراء الشامي