عرض مشاركة مفردة
  #77  
قديم 30-12-2005, 09:56 AM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

بين الموضوع و الادعاء والاستدعاء :

لا شك أن مؤسسات المجتمع المدني ، بمختلف أصنافها ، كانت ولا تزال تأتي كاستجابة شرطية ، لظرف ما ، تأثر به المتنادون في تشكيل مؤسستهم ، فعندما سحقت إنسانية عمال الخياطة في بريطانيا ، تشكلت أول نقابة في التاريخ الحديث عام 1747 م كاستجابة شرطية ، لدرء الأذى الذي تعرض لها عمال الخياطة هناك .

وعندما تتلوث منطقة بإشعاع نووي ، فان أهل المنطقة تتنادى لتشكيل تنظيم لها يتابع موضوع الخطر الذي يهدد المنطقة ، وهي استجابة شرطية عاقلة ، للتعبير بردة فعل متحضرة وملائمة ..

وان كان تشكيل المنظمات المدنية ، يأتي كوصفة طبية لمعالجة مرض ما ، فان تلك الوصفة ، قد لا تفيد مريض آخر في مكان آخر وبمرض آخر .

تماما كما أن نص الوصفة لا يمكن تناقلها ، فان أدبيات المؤسسات النقابية ، لا يمكن تناقلها كما هي بين سكان الأرض .. كما هي الحال بالنسبة للعرائض أو الاستدعاءات التي تقدم للدوائر ، فهي تختلف من مستدعي لآخر ومن دائرة لأخرى ، وان كان بالآونة الأخيرة ، ظهر كتاب الاستدعاء عند أبواب الدوائر الحكومية ، محتفظين بنماذج محددة ، متروك بها فراغات تعبأ حسب صاحب المشكلة . لكن تلك النماذج تختلف من دائرة لدائرة ، ومن كاتب الى آخر .. ومع ذلك ان تلك النماذج أصبحت أضعف من إعداد عريضة او استدعاء ، لكل مراجع .. ولكن كسل ( العرضحلجي) جعله يبدع في مثل هذا الابتكار .

لكن في جميع الأحوال فان ( العرضحلجي) أو كاتب الاستدعاءات ، يصبح لديه تخصص في صياغة العرائض .. ولا بد له مع ذلك من الاستماع لصاحب الشكوى لكي يتفنن هو بصياغتها ، ليقوم بالتأثير الوجداني على من تعنيه تلك العريضة ..

في حال تأسيس النقابات والجمعيات والهيئات العربية .. فقدت مسألة الموضوع والاستدعاء كثيرا من خصائصها .. فكاتب الاستدعاء كان من المثقفين الذين لا يرتبطون عضويا و صميميا مع من يستدعي من أجلهم ، فكانت صياغته باهتة في كثير من الأحيان ، ولا تعبر كثيرا عن واقع من تطوع للدفاع عنهم . بل صاغها على عاتقه ، كتقليد عالمي ، كوصفة طبية وقعت بيده فأعجب بها فأراد أن يهديها للعمال والفلاحين وغيرهم ، لكن بادعاء نسبها لنفسه .

المسألة الثانية ، فوق ان ليس هناك من كلفه في صياغة تلك العريضة ، وان كان هو قد قبض أجرتها على شكل مجد أو على شكل شهرة ، او من أجل هجرة موضعه من بين صفوف الكادحين ، ليخطو بتلك الوسيلة عن طريق إسكاته بتسليمه منصبا حكوميا او غيره . فوق ذلك كله فان من كتبت باسمه أو باسمهم العريضة ، أنهم لم يفهموا مفرداتها ، ولم يوقعوا عليها أو حتى يبصموا . وقد يكونوا لم يعلموا أصلا أن هناك من كتب مثل تلك العريضة .

في حالات نصوص العرائض ، يكون الشخص او الجهة المقدمة لها العريضة معروفة ، وتروس العريضة باسمها ، ويتبعها عنوان الشكوى او الطلب . فيقال مثلا السيد مدير الأحوال المدنية في ... أرجو التفضل بمنحي شهادة ميلاد او وفاة الخ .. لكن في حالة نصوص استدعاء تأسيس نقابة أو منظمة من منظمات المجتمع المدني .. فان العنوان يفهم فهما و لا يعلن عنه صراحة ..

فالجهة الأولى التي تبعث لها تلك العريضة ، التي تشبه الإنذار ، هي جماهير المهنة أو الجماعة التي يعنيها مضمون النص ، لكي ينبهها من مخاطر معينة ، تحيق بها ، فان لم تنتبه وتنتسب الى تلك المنظمة ، سيلحقها حيف من نوع معين وفي زمن معين .

أما الجهة الثانية ، فهي الدولة بكل مؤسساتها ، تعلمهم تلك الوثيقة ، بأن ينتبهوا فإن هناك مزاج خاص بالجماعة الفلانية ، آخذ بالتكون ، فلتراعي الدولة وهيئاتها المشرعة هذا المزاج ، ولتأخذ حذرها ، فلم تعد طريقها سالكة في تجاهل تلك الجماعة .

أما الجهة الثالثة ، فهي القوى الوطنية والمنظمات الأخرى ، التي تتهيأ لمناصرة هذا المولود الجديد ، والذي سيكون نصيرا جديدا لها في التعاون على الخروج مما فيه الأمة .
__________________
ابن حوران
الرد مع إقتباس