عرض مشاركة مفردة
  #8  
قديم 04-01-2006, 01:56 PM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

لو علم الحكام أهمية المؤسسات الشعبية لاعتنوا بها جيدا

تتغلغل الهواجس الأمنية نفوس الحكام و أعوانهم ، فيغالوا في إحتياطاتهم ، بأن يصبحوا يشككون في أي تجمع ، حتى لو كان مأتما ، فتجلس العيون بين الذقون ، وتوحد ربها مع الموحدين ، وتشغل بقية الحواس لقنص أي خبر من أي نوع لترفعه لمن هو أعلى منها ، وتفرح اذا كان الصيد ثمينا !

هذا في المآتم ، أما في غيرها ، فان أي تجمع لا يهتف بحياة رب البيت ، هو تجمع مشكوك فيه ، وغير مرغوب فيه أصلا ، ولا يعطى إذنا من الحاكم الإداري الا بعد أن يأذن من يأذن ، لإقامة مثل هذا التجمع .

ماذا يريد الحاكم ومن حوله من وراء كل ذلك ؟ أظن أن الكل يعرف أن هذا السلوك هو أشبه بسلوك الأمريكان ، تحت عنوان الهجوم الاستباقي ، حيث يستشعر الحاكم خطورة أي تجمع ، في حالة تركه يأخذ مدياته القصوى ، أي أنه سيكون له صوت مسموع ، ويكشف أشياء لا يحب الحاكم أن تكشف ، وهي كلها تصب في لا مصلحة الفساد والمفسدين .

لكن ، هل يستفيد الحاكم فيما لو ترك تلك المنظمات ان تنمو نموا طبيعيا ؟

من المؤكد أن فائدته ، أكبر بكثير من وأدها في بداية نموها ، فهي تضمن للحاكم عدة مزايا لا تتحقق في حالة غيابها :

1 ـ لن يكون الحاكم مضطرا ، لغض النظر عن المفسدين ، الذين يقبضون ثمن قمعهم لتلك المنظمات ، وحماية الحاكم من شرور قد يكون مبالغ فيها . وهذا يقلل من مبررات هجوم المعارضة على نظام الحكم .

2 ـ ان التنظيمات النقابية والمدنية الأخرى ، تدفع بتحسين مستوى الفكر الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والبيئي و الخيري و التعاوني ، مما ينتج عنه :
أ ـ تنمية المهن من خلال تقارب المهنيين ، فيتحسن أدائهم الاقتصادي .
ب ـ تجمع المهنيين عمالا وفنيين ، تحت عنوان معلوم ( مقر و جماعة ) مما يسهل المواطن في طلب خدماتهم دون عناء .. ويسهل من يريد تطوير مسألة أن يتجه لعنوان محدد .
ج ـ تغذية الفضاء الذهني للمشرعين ، عند وضع نصوص القوانين ، مما يسهل عملية إحاطة القانون بتفاصيل أكثر دقة ، وهذا يخدم موضوع القضاء والعدالة .
د ـ إيجاد عناوين لخبراء ، يغذون الدولة بالكوادر والخبرات الاستشارية اللازمة ، و يغذون البرلمانات بأسماء تم التعرف على خبراتها في مجالات عدة .
هـ ـ ضخ وجوه قادرة على تمثيل بلادها في التعاملات الخارجية ، مما يعطي الحكم شكلا من الرضا و قرارة النفس ، إضافة لما يعود عليه من فوائد مادية وأمنية مختلفة .

3 ـ تسهيل مهمة الحكم الأمنية ، فمن يريد أن يراقب خمسين مليونا ، من الأسهل عليه مراقبتهم ، في كراديس أو مجموعات ، و تكون مصنفة حسب المهنة أو الاهتمام ، أكثر مما يهيم على وجهه في البحث بينهم من خلال فوضى وعدم انتظام ضمن مجموعات ..

كما أن التعرف على طلبات هؤلاء المعنيين المتخصصين ، يسهل على الدولة دراسة تلك المطالب بشكل أفضل ، ويجعل من خطاب الدولة الإعلامي والسياسي يواكب تلك الطلبات .. فيضمن عندها توضيح وجهات النظر بحرية ، من طرفي الدولة و تلك المنظمات كشريكين مهمين في تسيير أمور البلاد .

إضافة الى ان مؤسسات الدولة الأمنية ، سترتفع وتيرة جاهزيتها ، من خلال تخصيص أقسام بها ، لا لكي ترعب وترهب تلك الجماعات المنظمة ، بل لتكون وظيفتها كعيون تحمي أمن الدولة ، وتنقل أماني تلك المنظمات أولا بأول .

4ـ إتاحة المجال للجمهور ، أن يطلع على خطابات متنوعة في البلاد ، ويمنع ظهور شهداء و مظاليم مجانا ، بل يتعرف على نوعية خطابهم من خلال ترك المجال لهم أن يفصحوا عما يريدون .. وهنا ستقوى رؤية المواطن في حالة الانتخابات لمن يمنح ثقته . وبعكسه فان تكميم الأفواه ، قد يؤدي الى عمل ماكنة المرآين والدجالين وقد يظلم الناس الحقيقيين ، الذين شملهم ، الضغط الشديد في التشديد عليهم من خلال منظماتهم .

ان الدولة التي تملك إعلاما ومالا ووظائف و أحيانا حزب حاكم ، وتخشى هؤلاء وتنظيماتهم ، هي بالضرورة دولة مليئة بثغرات ، لا بد ان تتوسع تلك الثغرات شيئا فشيئا ، حتى تصنع هوة بينها وبين الشعب . فان كانت هي تسير وفق نهج سليم و صحيح ولا تستطيع إحداث الاستقرار والرفاه و الأمان لمواطنيها ، فعليها إعادة النظر بتشكيلاتها المتحكمة بسير الحياة لدى شعبها وعليها ان تنتبه من المفاصل الفاعلة بها ..
__________________
ابن حوران
الرد مع إقتباس