حبال الربط :
لا تقل أهمية حبال الربط عن الأعمدة و الأوتاد ، فهي من اسمها تدل على وظيفتها و ضرورتها ، وقد ذكر الله عز وجل أهمية هذا الربط ، وباللفظ نفسه ، عندما قال ( واعتصموا بحبل الله ) ..
تربط أطراف الحبال ، من جهة بالأوتاد ، ومن جهة بالأعمدة ، وهي ما يبقي البيت في حالة شدها بشكل جيد ، منتصبا شامخا ثابتا ، و قد تم الاستعاضة عنها بالأبنية الحديثة ، بالجسور الساقطة أو أعصاب حديد البناء . وفي كلتا الحالتين فان سمك القضيب أو الحبل ، تخضع لدراسة أو مهارات متراكمة ، وكذلك الاتجاه الذي يوضع به وشكل العقدة أو طريقة الربط .
وفي حالتنا التي نحن بصددها ، فان وظيفة الحبل هنا أو عصب البناء ، هي لترجمة إرادة الأعمدة من خلال تواصلها مع الأوتاد . فان كانت وظيفة الأعمدة الأساسية هي النهوض بالبيت وفق مثل و قيم اجتماعية و عقائدية ، وهي بالأساس وظيفة دعائية بحتة كما أسلفنا ، فان مهمة الأوتاد هي الحفاظ على تلك المثل والقيم والعقائد قائمة ومنتصبة لتؤدي دورها . ودور الأوتاد في هذه الحالة سيكون إداري بحت و إجرائي .
لكن ما يعيق حركة السكان للبيت ، هو تشابك الحبال عندما يصر صاحب الإرادة الراهنة سواء كان فردا أو جماعة ، أن يتصل بكل وتد من الأوتاد ، دون ربطها بعمود مخصص ، فتكون عندها حركة السكان تتعرض للإعاقة (الشركلة) بحبال البيت الكثيرة والمتشابكة .
و أحيانا أخرى تتوزع ولاءات الأوتاد وتتمزق حبال ربطها ، عندما تدخل عنعنات عشائرية أو طائفية أو حتى سياسية داخل تكوين الوتد نفسه ، فان ذلك سيضعف ربط الوتد بالحبل أو الحبال التي تربطه و تهتز أركان البيت لسوء الربط المحكم .
نحن لا ننكر الحالة الطبيعية لتعدد انتماءات القائمين بتشكيل الأوتاد ، فكلهم قد ينتمي لفصيل سياسي أو طائفة دينية أو مدينة أو مهنة ، وهذا الكلام ينسحب على كل المواطنين ، لكن أن تتيه قدرة من يشكلون جسم الوتد على ترتيب أولوية انتماءاتهم و ولاءهم ، فهنا السر في ضعف الحالة العربية ، فمن كان ضمن تشكيل وتد عليه أن يعطي أولوية ولاءه لهذا التشكيل في أداء وظيفته .. على افتراض أن باقي التشكيلات تقوم بوظائفها على نفس النحو . تماما كما هي المرابطة على الثغور ، فلا يشغل المرابط باله في أمور أسرته و بلدته وغيرها فمهمته بالمرابطة محددة وواضحة .
كما أن أوامر حركته في المرابطة ، لا تأتي من زعيم عشيرته أو مدينته أو فقيه طائفته ، بل تأتي من آمر وحدته العسكرية فقط ، وهذا ما يفرق الجيوش المحترفة عن الفزعات التي تقوم لنصرة أي قضية دون تنظيم !
__________________
ابن حوران
|