عرض مشاركة مفردة
  #13  
قديم 18-01-2006, 06:59 AM
maher maher غير متصل
رب اغفر لي و لوالدي
 
تاريخ التّسجيل: Sep 2004
الإقامة: tunisia
المشاركات: 2,978
إرسال رسالة عبر MSN إلى maher إرسال رسالة عبر بريد الياهو إلى maher
إفتراضي

ثم تنصب كلاليب عظيمة القدر تعوق الناس عن العبور على حسب ما كانت تعيقهم الدنيا عن طاعة الله ومرضاته وعبوديته ، فناج مسلم ، ومخدوش مسلم ، ومقطع بتلك الكلاليب ، ومكردس في النار ، وقد طفئ نور المنافقين على الجسر أحوج ما كانوا إليه ، كما طفئ نور الإيمان من قلوبهم في الدنيا ، فيصرخون ويقولون للمؤمنين : " انظرونا نقتبس من نوركم " أي انتظرونا نأخذ من نور إيمانكم ما نجوز به الصراط ، فيقول لهم المؤمنون والملائكة : " ارجعوا وراءكم فالتمسوا نوراً " أي ارجعوا إلى الدنيا فخذوا من الإيمان نوراً تستطيعون به أن تجتازوا تلك الكلاليب التي وضعت على ظهر جهنم ، فيفصل بينهم بسور له باب ، ولا يتجاوز الصراط إلا المؤمنون ، فحينئذ يأمنون من دخول النار ، فيحبسون على قنطرة بين الجنة والنار ، فيقتص لبعضهم من بعض مما وقع بينهم من المظالم في الدنيا حتى يهذبوا وينقوا منها ثم يؤذن لهم بدخول الجنة .
فإذا استقر أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار ، أتي بالموت في صورة كبش أملح ، فيوقف بين الجنة والنار ، ثم يُقال : يا أهل الجنة ؟ فيطّلعون وجلين ، ثم يقال : يا أهل النار ؟ فيطُلعون مستبشرين ، فيقال : هل تعرفون هذا ؟ فيقولون : نعم ، وكلهم قد عرفه ، فيقال : هذا الموت ، فيذبح بين الجنة والنار ، ثم يقال : يا أهل الجنة خلود ولا موت ، ويا أهل النار خلود ولا موت .
فهذا آخر أحوال هذه النطفة التي هي مبدأ الإنسان ، وما بين هذا المبدأ وهذه الغاية أحوال وأطباق قدّر العزيز العليم تنقل الإنسان فيها , وركوبه لها طبقاً بعد طبق ، حتى يصل إلى غايته من السعادة أو الشقاوة . قال تعالى : " قتل الإنسان ما أكفره * من أي شيء خلقه * من نطفة خلقه فقدره * ثم السبيل يسره * ثم أماته فأقبره * ثم إذا شاء أنشره " [ عبس 17 – 22 ] .

فعلى المسلم أن يستعد للرحيل ويتزود له بالعمل الجليل ، فقد دنت الآجال وتبددت الآمال ، فلابد من الاجتهاد في الطاعات وزيادة القربات ، فالكل متهيئ للسفر من دار الانتقال إلى دار القرار ، فاستعدوا أيها المسلمون أمر التقوى في القول والعمل واحذروا حب الدنيا والتفاخر بحطامها واكتساب آثامها ، فهي الهالكة والحالقة التي تهلك صاحبها وتحلق دينه وتذيب عقيدته ، فمن وراء ذلك أهوال عظام ، ووحشة وظلمات جسام ، وهناك الهموم والغموم ، والكروب وتضايق الأنفس ، فاعملوا لذلك الزائر الأخير ، هادم اللذات ومفرق الجماعات ، الذي لا يعوقه عائق ، ولا يضرب دونه حجاب ، وياله من نازل لا يستأذن على الملوك ، ولا يلج من الأبواب ، ولا يرحم صغيراً ، ولا يوقر كبيراً ، ولا يخاف عظيماً ، ولا يهاب أحداً ، وإن بعده أهوالاً عظاماً ، ووحشة وقبوراً ، وعذاباً ونعيماً ، فاستيقظوا من الغفلة ، واغتنموا دار المهلة ، فكل محاسب بما عمل ، فإن كان خيراً وعملاً صالحاً ، فذاك الفلاح والنجاح ، وذاك هو الفوز وتلك هي السعادة ، وإن كان شراً وعملاً قبيحاً ، فذاك هو الخسران المبين ، وتلك هي التعاسة والشقاء ، : " أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير " [ فاطر ] ، " أن تقول نفس ياحسرتا على ما فرطت في جنب الله " ، " كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة " ، " يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمداً بعيداً " ، إنها رحلة عجيبة تلكم الحياة التي يمر بها الإنسان ، فيبدأ من نطفة ثم علقة ثم من مضغة مخلقة ثم تكسى العظام لحماً ثم يكون جنيناً ثم يخرج إلى الحياة طفلاً ثم يشب يافعاً ثم يشيب فيصبح شيخاً ثم يهرم فينقضي أجله فيعود تراباً كما خلق من تراب ، ثم يقاسي في قبره أهوال القبور من نعيم وجحيم ، أنها مسيرة عجيبة غريبة من الناس من يسيرها كاملة ، ومنهم من يسيره جزءاً يسيراً منها ، ومنهم من يسير أكثرها ، قال تعالى : " واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون " [ البقرة ] ، فالله الله في اغتنام فرصة العمر فيما يقرب إلى الله ويقرب إلى الجنان ويبعد عن النيران ، والحذر كل الحذر من إشغال الوقت بما لا فائدة فيه ، فيعود على صاحبه بالنقمة والحسرة والندامة.

اللهم وفقنا للأعمال الصالحة ، واغتنام الأوقات بالعلوم النافعة ، اللهم اجعلنا نخشاك كأننا نراك ، اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة ، اللهم أمنا من عذاب القبر وعذاب النار إنك على كل شيء قدير ، والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين .


كتبه
يحيى بن موسى الزهراني
إمام الجامع الكبير بتبوك