الموضوع: يزة
عرض مشاركة مفردة
  #2  
قديم 24-02-2006, 02:47 AM
عبدالحميد المبروك عبدالحميد المبروك غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2005
المشاركات: 172
إفتراضي يزة2

يزة 2
مسعود ذلك الوجه المشرق كوجه نبي ساعة الوحى . لابل كنت أعتقد أنه فعلا نبي يتلقى فى مجلسه ذاك صورا من الوحي لا تنتهى ، تستهويني وتسحرنى . فهو نبي أو ساحر ،

من أولائك الأنبياء القدامى الذين يكون السحر احدى معجزاتهم ، والذيــــــــــن لا يبعثون الى الانسانية قاطبة ، بل الى مجموعة معينة من الناس . ومسعود بعث الى وحدي نبيا وساحرا عجيبا ، يأتى من الغرائب ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر .
دلتني صديقتي كلوديا على دكانه بعد أن بالغت فى اطراء تمائمه التى يكتبها لاستمالة القلوب . وكنت وقتها فى أمس الحاجة الى استمالة قلب (( دجاكمو)) لأنى كنت أرى فيه أجمل مخلوق على الأرض .... دجاكمو ابن عمى هذا الذى لايعيرنى أى اهتمام ، حتى الالتفاتة البسيطة لايعيرنيها . جئته ألتمس العون على الصبابة التى ملكت فؤادى ، وقيدتنى بسلاسل من حرير الى ابن عمى ((دجاكمو)) . وما ابن عمى يهتم بي وبصبيه مثلى ليس لها سوى ضفائر كستنائيه وعينين حالمتين زرقاوين بلون مياه المتوسط ، وجسد لا امتلاء فيه ولا بضاضة ولا رواء ، وثوب مدرسي فى لون زرقة السماء يغطى ركبتيها....
وقفت أمام الدكان مترددة ، خائفة ، تدفعني الرغبة وتشدني الرهبة ، أخطو خطوة أريد بها تجاوز العتبة، وأتاخر خطوتين أريد بهما الهروب من ذلك الجو السحرى . كان مسعود يناديني بصمت وابتسامة لطيفة فيها غموض شديد تعلو محياه وما كنت أعلم أنى وقعت فى دائرة ذلك السحر منذ وصلت الدكان ووقفت أمامه شاردة البال كيمامه أمام صقر مكابر، لم يعد بامكانها الخلاص من عينيه مهما اشتد منها العزم على الهروب . لقد فعلت الطلاسم مفعولها من عتبة وواجهة الدكان وجدرانه وكل ما يحيط به من روائح وعطور ... كانت الطلاسم أيضا فى كل مكان من جسده . فى كحل عينيه . بياض أسنانه. عطور جسده . رائحة شعـــــــــــــره وطول شاربيه الكثيفين، طوله الفاره و ذراعيه العاريتين اللذين يغطيهما شعر كثيف أسود على جلده الأبيض بلون الشعير وقت الحصاد. أنامله الدقيقه الطويلة. حتى قميصه الأبيض الطويل وغطاء رأسه ....
كانت الطلاسم أيضا فى كل القوارير الصغيرة والكبيرة الموضوعة على الرفوف فى تناسق جميل وفى تلك الكتب الصفراء المهترئة المكدسة في ترتيب ملفت للنظـــــــــــــــــر على مائدة أمامه ... وفى تلك الدواة وقطعة القصب المصنوعة على شكل قلم وفى تلك الأوراق المكتوبة بحبر أصفر .. وأحمر .. وأسود ..... عالم عجيب لم أر مثله طيلة حياتى .
أدرك مسعود انبهارى فأكتفى بادامة النظر الي ولم ينطق بكلمة واحدة . أو لعله كان هو أيضا منبهرا بضفائري وزرقة عينى وثوبى المدرسي فلم يدعني للدخول . ومع ذلك دخلت دون ارادتي تدفعني الدهشة والرغبة والفضول والشوق والخوف والرهبة.....
وقفت أمامه وقفة تلميذة مخطئة أمام مدرسها. منكسة الرأس طارقة النظر الى الأرض مخافة أن تلتقى عيناى بعينيه فيحمر وجهى فأفقد قدرتي على الكلام . ولقد زاد اضطرابي استرسال صمته ونظراته وابتسامته. ثم حاولت الخروج من هذا الموقف المحرج فنطقت بهذه الكلمات : بونجورنو شيك مسود. فرد علي، بونجورنو ليزا ، ها ، جئت تبحثين عن تميمه تستميلين بها قلب ابن عمك ( دجاكمو) أليس كذلك ؟.
وهنا كاد أن يغمى على من شدة الدهشة كيف عرف ذلك ؟ وأنا أتيته فور مغادرة صديقتى كلوديا بعد حديثى معها ؟ انه والله لساحر عظيم . انه لم يسألنى حتى عن حاجتي .. لم ينظر فى كفي ..مارانى قط قبل الان ...يا الاهي ..كيف نفذ الى داخل نفس وأدرك سري؟!
أحببت أن أسأله عن هذا لكن لسانى تعطل ولم يسعفنى بالكلام . فنويت الهروب وحاولت أن أتأخر خطوة أو خطوتين فى اتجاه باب الدكان ، لكن لم أفلح . التصقت قد ماى بالأرض ولم يقدرا على الحركة . وفهم الرجل الخبير بمثل هذه الحالات شدة اضطرابي فأوجس أن يخرجني من المأزق فقال : ــ
اجلسي يا صغيرتى .. اجلسي وهدئى من روعك فانى هنا لمساعدتك ..حدثيني عن مرادك ، علّي اهتدي الى حل تكون فيه سعادتك . وما ان انتهى من كلماته التى طمأنت نفسى حتى حلت عقدة لسانى ، فأجبته على الفور لقد جئتك ياسي ((مسود)) لتساعدنى علي بن عمى ((دجاكمو )) انى متعلقة به تعلقا شديدا لكنه لايعبأ بي ولا يهتم بكلامى ، بل يحتقرنى لصغر سنى ونحول جسمى ويقول لي(( أنت لازلت صغيرة وعليك الاهتمام بدراستك )) وأنا أقترب من سن العشرين ولست صغيرة ، ولكنه لايريد أن يقبل مرافقتي للحفلات الا نادرا أو يصطحبنى معه الى السينما . بل يفضل أن يصطحب بنات الجيران ويسخر منى و من عواطفى ولا يكترث بما أعانى من أجله . ويقول لى ان بنات الجيران اللاتى يصطحبهن أكثر مني نضجا رغم أنهن أصغر مني سنا وأنا أجمل منهن. وقد علمت أنك تكتب أحجبه تنشيء المحبة في القلوب اللامبالية والقاسية ، فجئتك .فقال مسعود سأكتب لك ما تشائين مادمت مقتنعة بجدوى أوراقى وأحجبتى .. لكن أهل ملتك عادة لا يقتنعون بالتمائم والأحجبة . خاصة اذا جاءت من أناس ليسوا على دينهم . فأرد، أنا لايهمنى اختلاف الأديان ، ان الذى يهمنى هو حل مشكلتى فقط. عاد الرجل الى صمته ونظراته الطويلة العميقة وابتسامته الغامضة ثم قال فى صوت رقيق . هل انت متأكدة انك تحبينه ؟
اضطربت من جديد فقد فاجأني السؤال وعادت العقدة الي لسانى ، لكننى تمكنت هذه المرة من مغادرة الدكان فرار من نظراته تلك وابتسامته الساحرة .
لقد حيرنى سؤاله كثيرا. هل أنا فعلا متأكدة ؟! سؤال لم أطرحه على نفسي أبدا ، ولو فعلت لعرفت الحقيقة .
خرجت من الدكان مسرعة وشرعت أقطع الشوارع والزقاق الضيقة أتعجل الوصول الى بيتنا حتى أختلى بنفسى فى غرفتى .. وأفكر فى علاقتى بابن عمي .
دجاكمو لطيف وجميل جدا ووسيم . لكنه قاسى ومستهتر ولا مبالي. وزاده ميل بنات الجيران اليه صلفا فصار لايبالى بكل من لا تروقه ، وأنا احداهن . لكم عانيت من هذه اللامبالاة ما لم تعانيه أي واحدة منهن . حتى يصل بي الاحساس أحيانا أنى لا أكن له غير الحقد والكراهية، نعم الحقد والكراهية ، لذلك أحببت أن أنتقم منه أعذبه كما عذبني .
لكن كيف يمكن أن أكرهه وأنا أحبه ، لماذا دفعتنى يابن عمى الى هذا الجحيم وأرغمتنى على اضمار الشر لك بعد أن كنت أرى فيك صنما جديرا بالعبادة والتقديس ؟ ماذا جنيت حتى تكون أولى تجاربي فى الحياة فى مثل هذا البؤس وهذه الحيرة؟
وجدتنى على صغر سنى أحمل هما ثقيلآ ، كم كنت فى غنى عنه . لا . لن أقبل أبدا حياة متعثرة الخطى فى ظلام الشك والحقد . له شأنه ولي شأني .فليمرح كما يشاء فى دنيا الورود ، فأنا لم أخلق له وهو لم يخلق لي . أنا لا طاقة لي بهذا العذاب لأني أحب الحياة الخالصة من الشوائب المحيرة. وهو رجل لا يبالي شيئا. كل همه متعة عاجلة ونزوة زائـــــــــلة لا يوطن نفسه على العشق الصحيح ولا يشده وفاء لحبيبة . كأنه فراشة تتحول من زهرة الى أخرى ، فلا تطيل المقام بأرض مهما طاب لها المقام.
فليطر حيث شاء فأنى باقـية هنا لا يروق لي رحيل الا فى دنيا الأحلام وعجيب الصور وقد وجدت فى ذلك الدكان ما يبشر بكل هذا وان كانت نظرات صاحبه وابتسامته الغامضة تحمل علامات غرابة مفرطة قد تحملنى الى أبعد مما كنت أتوق اليه.
انه حقا لساحر عظيم ، فسؤال واحد منه كان كافيا لتبصيرى بحقيقتي وحقيقة أمرى ..
هـــــل أنت متأكدة أنك تحبيه ؟!
نعم أنا الآن متأكدة أننى لا أحبه ، وأننى لم أعد أرغب حتى فى رؤيته ، لكننى لا أريد الشر . فهو ليس أهلا بكل هذا الاهتمام .لقد صار فى نظرى شابا تافها . رصيده فى هذه الدنيا جمال أخاذ ووسامة مصرعة وقدرة فائقة على الاغراء ..
لكن لن يغريني جمال ليس وراءه شىء يذكر . لأنى أريد أن أحلم ولا أحد يمكنه أن يمنعنى الحلم . زوجة أبي بسيطة ما تنفك تدفعني الى أحضان ( دجاكمو) لأنها ترى فيه نعم الرفيق ، لكنها لا تعرف عنه الا القليل ، وما تعرفه عني أقل . لقد غاب عنها مابى من تطلع الى المجهول وحلم بالآتي من عجائب الصور التى خلفـتها قصص جدها ورواياته فما فـتـئت تحذرني من الناس لأنهم جميعا فى نظرها وحوش ضاربة ضارية ، متهيئة باستمرار للانقضاص على أول فريسة . وكنت فى نظرها فريسة سائغة ، قريبة جدا من مخالب الجوارح والكواسر ، وما علمت أنى فتاة متعلمة فى امكانها أن تحمى نفسها من كل من تسول له نفسه بالنيل منها ، وأن ما كان لها من ماض ، لن يكون لي في مستقبلي.
وها قد جاءت ساعة الحلم الكبير.
الرد مع إقتباس