ومما له دلالة في هذا الصدد قرار ايران بان يكون جيش المهدي هو الاداة الرئيسية في عملية التطهير الطائفي في بغداد . ولا يعود السبب الى ان فيلق بدر ضعيف ولا يستطيع تنفيذ هذه المهمة فقط ، بل الاهم هو ان ايران ارادت ان تؤجج الصراع الطائفي الى اقصى المديات الممكنة عن طريق قيام الجماعة التي عرفت بانها عربية الاصول ، وليست ايرانية كما هو حال فيلق بدر، كما انها مثلت دور الرافض للاحتلال من بين التنظيمات الشيعية ، لهذا فان قيام جيش المهدي بعمليات التصفية الطائفية سوف يجعل ميزان الانسجام الطائفي يختل لصالح الفنتة الطائفية . ان المطلوب ايرانيا وامريكيا ان يقتنع كل من شيعة العراق وسنته بان التعايش بينهما مستحيل ولا توجد امكانية للوصول الى ذلك الا بارتكاب جرائم تطهير عرقي لم يشهد العراق مثيلا لها من قبل، فكانت الاحداث الاخيرة والتي لعب فيها جيش المهدي الدور الاشد اجرامية ضد السنة قتلا وتهجيرا وحرقا لمساجدهم ونهبا لاموالهم وسيلة قاسية لفرض المذهب الصفوي على بغداد .
تغيير التركيبة الطائفية لبغداد
لقد اتضح من خلال مجريات عمليات القتل الواسع النطاق للعراقيين في بغداد، على يد جيش المهدي ووزارة الداخلية ، ان الهدف الاساس من الناحية الطائفية هو تحويل بغداد الى مدينة صفوية بالكامل . دعونا نشرح هذه النقطة المهمة جدا . لقد جاء تفجير مرقد الامام الهادي عليه السلام كأشارة بدء عملية التطهير الطائفي الدموية والتي كان يجب ان تؤدي الى نزوح جماعي من بغداد الى غرب العراق . وبالمقابل اعدت ايران الالاف من ابناء الجنوب للانتقال الى بغداد والاستقرار فيها بعد الاستيلاء على ممتلكات العراقيين المهجرين بقوة الرصاص . وقد تلقى من نفذ الخطة الايرانية تعليمات واضحة وصريحة ، وكان لامريكا دور اساس في اعدادها والتشجيع عليها ، بالقيام بتطهير جانب الرصافة من بغداد من السنة اولا ثم محاولة تطهير جانب الكرخ بعد ذلك ، ودفع السنة للهجرة الى غرب العراق وتحويل بغداد الى منطقة غالبيتها صفويين . وما لم يعرفه من نفذ هذه الخطة ، لانهم أميون ، هو ان الهدف البعيد لتطهير بغداد طائفيا له صلة باعادة رسم خارطة المنطقة برمتها خصوصا ما يسمى باقليم النفط الذي يقع على اراضي عدة دول ، كما سنوضح فيما بعد .
ان مهاجمة مساجد السنة واحراقها حالة غريبة جدا على شيعة العراق الذين لم يكونوا يتصورون حتى في الكوابيس ان يوما سياتي سيقوم فيه اشخاص باسمهم بتدمير مساجد اخوانهم السنة ! وهذه الفكرة ايضا كانت وما زالت تستحوذ على قناعات سنة العراق الذين وقفوا ضد كل الهجمات على الحسينيات وادانوها بشدة واكدوا انها من عمل الاحتلال والموساد . لكن ما حصل اكد ان فرقا صفوية تنتمي لجيش المهدي وفيلق بدر نفذت اوامر ايران بقتل السنة وتهجيرهم من اماكن سكناهم !وقد تم ذلك طبعا بتشجيع وحماية امريكا للمهاجمين ، كما حصل في الدورة والاعظمية والشرطة الاولى والرابعة حينما نجحت المقاومة المسلحة والمواطنين معها في القضاء شبه التام على جيش المهدي وفيلق بدر، اللذان هاجما تلك الاحياء ومساجدها ، فتدخل الجيش الامريكي لانقاذ انصار ايران ، وطالب باطلاق سراح الاسرى من جيش المهدي وفيلق بدر الذين اسرهم ابناء الشعب العراق في الاعظمية .
ان من غير الممكن فهم وتفسير عمليات القتل على الهوية الطائفية وهدم المساجد الا على انها محاولة لاجبار السنة على مغادرة بغداد ، والتمهيد لتغيير الطبيعة الطائفية للعاصمة . وهذا الهدف ليس ايرانيا فقط بل هو امريكي واسرائيلي ايضا ، لان تغيير الطبيعة الطائفية لبغداد من وجهة نظر ايرانية هو شرط مسبق لضم بغداد لفدرالية الجنوب ، واذا تم ذلك فان هذه الفدرالية ستزداد ثراء وقوة لان نفط بغداد الغزير سيضاف لنفط الجنوب ، كما ان الرقعة الجغرافية لفدرالية الجنوب ستكون اكبر ، وستوفر لايران اعظم حاجز جيوبولتيكي يحميها من الغرب في حالات التهديد .
اما بالنسبة لامريكا فان تغيير التركيب الطائفي لبغداد سيساعد على عزل المقاومة ويجفف قسم من منابعها البشرية والمالية ، من خلال جعل غرب العراق افقر اجزاء العراق المقسم ، لانه سيكون بلا موارد ، بعد استيلاء فدرالية الجنوب على نفط بغداد ، وهذا الوضع سيجعل اهل غرب العراق فقراء ومشغولين بمشاكل الفقر وشحة الموارد . وبتضافر ذلك الوضع مع الضغوطات المتزايدة على غرب العراق ستتضائل المقاومة المسلحة وتنطفأ شعلتها ، وذلك اهم هدف امريكي لتاسيس الاستعمار في عموم المنطقة ، كما سنوضح فيما بعد . يبقى الدافع الاسرائيلي ، فاسرائيل لها مصلحة في تقسيم العراق وتحويل تركيبته الطائفية ، لان ذلك لن يقسم العراق ويعزله ويغيب دوره القومي العربي فقط بل انه سيمهد لحل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين عبر توطينهم في غرب العراق ، وبذلك تحل واحدة من اعقد مشاكل انهاء الصراع العربي الصهيوني ، وهي مشكلة اربعة ملايين لاجئ فلسطيني تعرقل ما يسمى الحل النهائي للصراع ، لان اسرائيل ترفض عودتهم لوطنهم فلسطين في حين ان الاغلبية الساحقة من الفلسطينيين تريد عودتهم للوطن .
فدرالية النفط : لماذا ؟ ومم تتكون ؟
ولا يتضح الغباء الايراني الا عندما نناقش المشروع الامريكي المسمى (فدرالية النفط )، ما المقصود بفدرالية النفط ؟ حينما تحدث تقرير السي .اي .اي لعام 2002 حول مستقبل الطاقة خلال الخمسة عشر سنة القادمة ، برزت ثلاثة مسائل خطيرة قررت ما يجري في العراق والخليج الان ، وستقرر شكل العالم برمته ونوعية صراعاته القادمة . ما هي هذه المسائل ؟ المسألة الاولى ان امريكا تحتاج لمضاعفة استهلاكها للطاقة خلال هذه الفترة ، والمسألة الثانية ان المنافسين الدوليين في استهلاك الطاقة يزدادون قوة وعددا ، فالصين والهند العملاقان الصاعدان يحتاجان ايضا لمضاعفة استهلاك الطاقة وكذلك اوربا ، اما المسألة الثالثة فهي ان موارد الطاقة خلال هذه الفترة لا يمكن مضاعفتها بكميات تكفي لسد احتياجات امريكا والقوى الصاعدة اضافة لاوربا وبقية العالم .
ويترتب على تلك المشكلة ان العالم سيشهد ازمة طاقة مدمرة اذا لم تحل باكتشاف مصادر جديدة لها تكفي لسد احتياجات الجميع ، ستؤدي الى نشوب حروب وصراعات خطيرة بين امريكا من جهة وبقية العالم من جهة ثانية ، وذلك وضع لا تريد امريكا ان تواجهه لاستحالة الانتصار عسكريا واقتصاديا في صراعاته . اذن نحن مقبلون على مرحلة تاريخية سيكون الصراع على الطاقة فيها اشد واخطر من كل الصراعات السابقة ، كما ان النزوع الامبراطوري الامريكي يستبطن هدفا يفجر الصراعات ، وهو ان امريكا تريد استخدام النفط سلاحا سياسيا لتركيع القوى الصاعدة ومنعها من منافسة امريكا ، وذلك هدف اعلن عنه بصراحة الرئيس الامريكي حورج بوش الابن في نفس عام صدور تقرير المخايرات الامريكية المشار اليه .
وبما ان امريكا تفقد بشكل ملحوظ ومتسارع عامل التفوق التكنولوجي والصناعي ، في تنافسها مع اليابان والصين واوربا وربما الهند ، فان هذه الوتيرة اذا استمرت فان القرن الحالي لن يكون قرنا امريكيا كما اعلن بوش الاب وكلنتون وبوش الابن ، بل سيكون قرنا اوراسيا ، أي اوربيا اسيويا . ولمنع حصول هذه النتيجة ابتدات امريكا ببناء مشروعها الامبراطوري منذ انهيار الاتحاد السوفيتي ، وفقا لستراتيجية جيوبولتيكية جديدة ترى ان بامكان امريكا جعل القرن الحادي والعشرين امريكيا دون حروب عسكرية ، بمنع القوى الصاعدة من مواصلة تفوقها على امريكا عبر التحكم بحنفية النفط العالمية ، وتقرير كميات واسعار النفط الذي تحصل عليه كل دولة . وعند الوصول الى هذه النقطة يطرح سوأل مهم نفسه : كيف ستتحكم امريكا بحنفية النفط ؟ ان الجواب على هذا السوال هو التالي : اذا سيطرت امريكا على مصادر الطاقة الاساسية في العالم لا تضمن فقط تلبية حاجتها للطاقة بل ايضا ، وهذا هو الاهم ، تستطيع التحكم بالتطور الاقتصادي والتكنولوجي لكل دول العالم ، وهذا يعني ان امريكا ستمنع المنافسين من التفوق عليها وتبقيهم اسرى ابتزازها النفطي . ان مصادر الطاقة الاساسية تقع في ما يسمى ب( اقليم النفط ) ، وهو يقع في الوطن العربي وايران ، وقربه يوجد حوض نفطي اصغر في شمال ايران والمحيط الحيوي لروسيا .
لقد تحدد المكان الذي بفضل طاقته يتحرك العالم الحديث ، ووضعت امريكا خطة شاملة للسيطرة التامة عليه ، وهو اقليم النفط وعلى الحوض النفطي الاسيوي . وترتكز هذه الخطة على السيطرة على اهم منابع النفط في اقليمه وهي المنابع العراقية ، وعلى السيطرة على خطوط نقل النفط من اسيا والخليج الى امريكا الشمالية واوربا . ان غزو افغانستان والعراق يقع في قلب هذه الخطة ويعد الثاني ، أي غزو العراق ، العنصر الاساس في الخطة الامريكية لان في العراق المخزون النفطي الاكبر وارخص تكلفة وليس السعودية . وتتضمن الخطة عملية قيصرية كبيرة لاعادة ترتيب خارطة الخليج العربي والجزيرة العربية وايران ، ثم تركيا فيما بعد، وانشاء اقليم نفطي متصل وتابع لادارة واحدة ولخطة واحدة ولارادة واحدة ، ويضم الاقليم مصادر الطاقة وهي النفط والغاز الواقعة في العراق والجزيرة العربية والخليج العربي والاحواز من ايران ( وهي مركز النفط الايراني ) .
يتبع ص2
|