
08-03-2006, 02:41 PM
|
من كبار الكتّاب
|
|
تاريخ التّسجيل: Oct 2005
الإقامة: فرنسا
المشاركات: 6,264
|
|
وقد جاء في المادة السابعة في الفقرة الثانية من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة (1993) وفي المادة السادسة في الفقرة الثانية من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لرواندا (1994)، ما يؤكد أن الصفة الرسمية للشخص باعتباره رئيساً للدولة لا تعفيه بحال من الأحوال من المسؤولية الجنائية.
ويمكن القول إن النصر الأهم جاء عام 1998 عندما أكدت المحكمة الجنائية الدولية في المادة (27) من نظامها الأساسي على عدم الاعتداد بالصفة الرسمية حيث نصت على ما يلي:
1. يطبق هذا النظام الأساسي على جميع الأشخاص بصورة متساوية دون أي تمييز بسبب الصفة الرسمية. وبوجه خاص فإن الصفة الرسمية للشخص -سواء كان رئيساً لدولة أو حكومة أو عضواً في حكومة أو برلمان أو ممثلا منتخباً أو موظفاً حكومياً- لا تعفيه بأي حال من الأحوال من المسؤولية الجنائية بموجب هذا النظام الأساسي، كما أنها لا تشكل في حد ذاتها سبباً لتخفيف العقوبة.
2. لا تحول الحصانات أو القواعد الإجرائية الخاصة التي قد ترتبط بالصفة الرسمية للشخص -سواء كانت في إطار القوانين الوطنية أو الدولية- دون ممارسة المحكمة اختصاصها على هذا الشخص.
رغم الهزة الأرضية التي أصابت مفهوم حصانة رئيس الدولة عام 1998 في القانون (نظام روما الأساسي) وفي الواقع (ملاحقة بينوشيه)، فقد تمكن منطق الدولة (La raison d’Etat) من المقاومة ليجسد -بحق- لا منطق الدولة (La déraison d’Etat).
وبقي العالم من حيث المبدأ بين ملاحقة ومضايقة الضعيف في حين تم تغييب محاسبة القوي، فمن يحترم اليوم الأعراف والقوانين الدولية سواء التقليدية أو التقدمية؟
عندما غزت الولايات المتحدة وبريطانيا العراق لم يكن هناك أي حماية قانونية دولية لهذا العمل الذي اعتمد منطق القوة، لأن الإدارة الأميركية تفرض على الدول التي تحصل على مساعدات أميركية أن توقع اتفاقيات ثنائية تضعها فوق المحاسبة أمام المحكمة الجنائية الدولية، فهل هذا قانون دولي؟
بهذا المعنى يستطيع مجلس الأمن الدولي الذي أقر متابعة ملف دارفور أمام المحكمة الجنائية الدولية (التي لا تعترف بها إدارة بوش ولا الحكومة السودانية) أن يلاحق دولا أخرى مثل سوريا أو إيران بنفس المنطق السريالي.
لقد وجهت المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة كما هو معروف الاتهام عام 1999 إلى رئيس جمهورية يوغسلافيا الاتحادية سابقا سلوبودان ميلوسوفيتش، ولكن هذا المبدأ لا يطبق بعد في المحاكم الوطنية في أي بلد عربي.
وحتى لا نذهب إلى أبعد من ذلك، نقول إن تسليم المسؤول الصربي كان بتفسير واسع الذمة لدستور يوغسلافيا الذي يمنع تسليم رئيس البلاد لدولة أخرى حيث اعتبر التسليم إلى الأمم المتحدة لا إلى بلد آخر.
الإدارة الأميركية تخوض منذ استلام جورج دبليو بوش الحكم معركة مفتوحة مع القانون الجنائي الدولي، في محاولة لإنشاء منظومة عدالة موازية تخضع لشروطها السياسية ومصالحها القومية.
"
يجب أن يكون المبدأ هو أن لا حصانة لأحد من مرتكبي الجرائم الجسيمة، بدل أن تكون الحصانة للقوي مع استباحة الضعيف
"
رغم أن المحكمة الجنائية الدولية لم تنشأ كما طالبت المنظمات غير الحكومية والمجتمعات المدنية في العالم، فإن مجلس الأمن يستطيع رفع دعوى أمامها أو سحب أخرى منها أيضا.
وكما قلت يوما فإن مشكلة العدالة الجنائية الدولية أنها قضاء جالس (القاضي) وقضاء واقف (المحامي) وذئب متربص (مجلس الأمن).
هل من الضروري التذكير بأن العرف الدولي حسب التعريف هو أولا تراكم شروط وممارسات مادية وثانيا شرط نفسي واعتباري؟!
من هنا تكون ضرورة تفعيل أشكال المحاكمات الرمزية والاعتبارية وبناء جبهة عالمية للتحسيس بأهمية عدالة دولية متساوية على مستوى الأشخاص ومستوى الدول.
فكلما تزايد عدد الشخصيات والمنظمات والهيئات والدول المطالبة برفع الحصانة سنصل إلى ذلك، وعندها يجب أن يكون المبدأ أن لا حصانة لأحد من مرتكبي الجرائم الجسيمة، بدل أن تكون الحصانة للقوي مع استباحة الضعيف.
_________
هيثم مناع
كاتب سوري
|