الموضوع: أمي
عرض مشاركة مفردة
  #1  
قديم 17-03-2006, 01:06 PM
عبدالحميد المبروك عبدالحميد المبروك غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2005
المشاركات: 172
إفتراضي أمي

أمي
يا علة كياني و رفيقة أحزاني ، يا رجائي في شدتي و عزائي في شقوتي ، يا لذتي في حياتي و راحتي في مماتي ، يا حافظة عهدي و مطية سهدي ، يا هادية رشدي يا ضاحكة فوق مهدي و يا باكية فوق لحدي . أمي و ما أحلاك يا أمي.
إذا تركني أهلي فأنت لا تتركيني ، و إن إبتعد عني أحبابي فأنت لا تبتعدين عني ، و إن نقمت على جميع الحياة فأنت تصفحين عني و ترحميني.
أنت يا مسكنة و جعي و ألمي ، ومبيدة بؤسي و همي ، أنت و ما أصفاك يا أمي.
على بساط الأوجاع و لدتيني ، وبأيادي الآلام ربيتيني و بعيون الأتعاب رعيتيني و بصدر المشتق حميتيني .. ثم كبرت فقلوت آلامك و هجرت وسلو أيامك. هكذا نسيت رحمي و إحتقرت دمني فما أعاقني و ما أوفاك يا أمي.
قد غبت عنك فغاب عن عيني وجهك الباسم بملامحه الرقيقة الرزينة ومعانية الدقيقة الحنونة .. وتراكمت على رأسي هموم الحياة بضجيجها الهائل فضعضعت فكري و زلزلت قلبي و تقاذفتني أمواج الغربة والمتاعب و الشقاء فغرقت في لجج طاميات و ظلمات داجيات ، وبعينين غشى عليهما الرعب نظرت من أعماق قنوطي فرأيت وجهك اللطيف الثابت يبتسم إلى من الأقاصي البعيدة فإنهمرت دموعي سيولا وبكيت ثم صرخت يا أمي.
آه ما أقسى الغربة و ما أمر الوحشة .كرهت البعاد يا أمي و إشتاقت نفسي لحضنك وماضيها الأمين.
كرهت التمشي بين القصور الفخمة و المباني الشاهقة و إشتاق قلبي إلى خيمتنا التي تقينا شمس النهار و برد الليل.
كرهت روائح العطور الفائحة من التماثيل المتخطرة في و إشتاقت حواسي إلى الأمومة المنتشرة من فستانك العتيق ورائحة البخور.
كرهت كل مدن العالم التي رأيتها و كرهت العالم و أنا بعيدا عنك يا أمي و لم يبق في الحياة إلاك.
ففي المساء حينما أستلقي على فراشي بعد يوم من التحصيل أذكر يديك اللطيفتين الناعمتين.
وفي الليل لما تمتزج أفكاري بأبخرة الأحلام أشعر بقدميك الصغيرتين تنقران الأرض حول سريري.
و في الصباح حينما أفتح عيني لأراك لا أرى غير جدران غرفتي و لأسمعك فلا أسمع غير أصوات الغرباء.
أمشي في النهار متلفتا بين النساء مفتشا متسائلا أيتها النساء هل رأيتن أمي ؟؟؟
جراء الكلاب تجلس في أحضان أمهاتها. وفراخ الدجاج تحتمي تحت أجنحة أمهاتها و غصون الأشجار تبقى معانقة أمهاتها و أنا وحدي بعيد عنك متشوق إليك.
إذا مت ، إذا قتلني وجدي و دفنت آمالي في هذه المدن القاسية الغريبة فإجلسي عند الغروب في سفح الجبل قرب هضاب الرمال و أمامك النخيل الباسقات و أصغي ... هناك روحي إمتزجت بنسيماتها يرتلن متمايلات مرددات (( يا أمي يا أمي !!!))
وصدق من قال إن لم تخني الذاكرة : ـ

أماه هل أحد يرد جوابي *** صوتي بغير حماك غير مجاب
أماه ، الحب منك مزاجـه *** مهما شربنا فيه من أكواب
الحب منك عرفته وسقيته *** مترقرقا كالجدول المنساب
أنت التي سلسته في هيكلي *** و أذبته كالشهد بين لعابي
وأذعته كالطيب ينفخ منكبي*** و تفوح من أرج به أثوابي
يا أمهات اليوم تلك تحيــة ***من والد و إبن بغير تصابي
إن كان جللني المشيب فإنني *** ما زلت من أمي بخير رحاب
الرد مع إقتباس