حفظه
أما حفظه فحدث ولا حرج , فقد صار ابن تيمية مضرب المثل عند أصدقائه و أعدائه , وأعترف الكل له بأنه أحفظ من رأوا , وعدّوه من الأئمة الكبار في الحفظ , وليس حافظا فحسب بل حافظا بفهم , فكان يسابق في حفظه نظره , وكان يعطي الكتاب في صغره فيقرؤه مرة فينتقش في ذهنه , وذكر عن نفسه أنه يقرأ المجلد _ بحمد الله _ فيرسخ في ذهنه , وبذلك حفظ كتاب الله عز و جل , وحفظ السنة المطهرة , وحفظ أقوال أهل العلم وحفظ الآثار , وحفظ التفاسير , وحفظ شواهد اللغة , فكان إذا تكلم أغلق عينيه فسالت قريحته بنهر يتدفق من العلم النافع المبارك .
وقد نفع الله بهذا الحفظ , فقد تركت ذاكرته القوية المباركة للأمة ميراثا مباركا من الكتب النافعة , وكان يُملي أحيانا بعض المجلدات من حفظه في السفر وفي الحبس حيث لا توجد مكتبته لديه فيأتي بالعجب العجاب , وينقل بعض كلام الأئمة بنصه وفصه ثم يعلق عليه , وربما استدرك , وينقل الأحاديث من حفظه وينسبها لأصحابها , أما القران فقد سال على طرف لسانه يأخذ ما شاء ويترك ما شاء, فقد حفظه من الصغر حتى أصبح كتاب الله عز وجل عنده كسورة الفاتحة , مع فهم ثاقب لما يحفظ , فليس ناقلا فحسب كما هو شأن كثير من الناس يحفظ المعلومة ثم لايصرف فيها , بل كان يحفظها ويعيها وينزلها و يقدرها حق قدرها , ويوظفها في المكان المناسب, ويخرج منها ماشاء الله من الكنوز والعبر والعجائب فيأتي بما يشد الألباب ويذهل العقول من الفوائد و الدرر و النكات العلمية .
.. يتبع ..