السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخي المصابر
لم أستطع أن أخفي غبطتي ، عندما قرأت ردك .. ففيه من نقاط الالتقاء فيما بيننا الكثير .. وهذه مسألة قد يجدها الكثير من المثقفين فيما بينهم .. فيما لو تحلوا بالصبر ، و إعطاء الحق للآخرين ، في التعبير عن مكنوناتهم وفق أسلوبهم و مخزونهم الثقافي ..
قد نمر من أمام واجهة مكتبة ، يعرض فيها عشرات الكتب ، في شتى مناحي الحياة والعلوم والآداب ، ولو خيرنا صاحب المكتبة لأخذ عشرة كتب لكل واحد دون ثمن ، وكان عنده آلاف العناوين من الكتب ، لما حدث تطابق بيني و بينك ، ولن يحدث هذا التطابق فيما لو كنا عشرة قراء ، ولو أسقطنا هذا المثال على الأمة جمعاء ، لوجدت أن من يتطابق معك أو معي قليلون جدا أو حتى يمكن أن يكونوا معدومين ..
فالتكوين الثقافي أو الذهني ، أشبه ما يكون ببصمات الأصابع ، ومع ذلك ، تتعايش الناس في بصمات أصابعها المختلفة ، كتكوين فسيولوجي ، ومن الطبيعي جدا أن يتعايشوا وفق اختلافهم الثقافي او ( التكوين الثقافي و المعرفي لهم ) ..
لقد كان أجدادنا ( رحمهم الله ) يتمتعوا بثقافة ( إنسكلوبيدية شاملة ) .. لانحصار عناوين العلوم .. فكنت تجد فقيها و كيميائيا في نفس الوقت ، أو تجد فيلسوفا و نحوي و فلكي في شخصية واحدة .. و بعد أن توسعت العناوين الفرعية في العلوم وانبثقت زمر جديدة من العلوم .. لم تعد تلك الشمولية ، لها ما يبرر بقاءها ، لأن من يتبعها سيفقد بريق أثره في الفروع المتعددة التي يهتم بها ..
فكان لا بد من أن ينصرف الناس مع كل تطور حضاري ، الى حصر اهتمامهم في فرع معين ، وقد يمضوا حياتهم في إنجاز بحوثهم و اهتماماتهم في ذلك الفرع ، حتى تكون خدماتهم جليلة و يستفاد منها على صعيد الحياة ، ولا أظن أن ذلك سيكون متعارضا مع الشرع ، فيما لو كان يخدم مصلحة الناس بما يتفق مع إرادة الله عز وجل وحثه على العلم ..
وتبقى علوم الفقه والدين و ما يتفرع عنها ، لها متخصصون بها ، لحراسة تلك القيم ومراقبة المنحرفين عنها ، وهو شأن يتفوق على بقية العلوم ، في ضبط المنظومة الأخلاقية والقيمية المتفقة مع روح الدين ..
ولكن ، ليس مطلوب من كل الناس وفق تلك التغيرات الحضارية ، أن يكونوا فقهاء ومتخصصين في علوم الدين .. بل يكفي منهم أن يلتزموا دينهم بأداء واجبهم تجاه ربهم بالعبادات ، وأن يمتنعوا عن إيذاء المواطنين ، وينصرفوا مطمئنين أن هناك من يحرس القيم الدينية ، الى أعمالهم التي تمنع الفتن و تسهم في تعميم الرفاه و الأمن والكرامة للمواطنين ..
وهم ان فعلوا ذلك .. فهم أخواننا ، و إن لم يتقنوا كلامهم في ديباجة يتقنها من هم متخصصون في علوم الدين ، أو حاصرون ثقافتهم في هذا المنحى ..
لم أر أخي داعيا للاختلاف معي في موضوع الجزائر ، ونحن نخشى أن هذا الشكل من زيادة حجم المسكوت عنه قد يتشكل مرة أخرى في العراق ، وقد بانت بوادره في الأراضي المحتلة في فلسطين ..
على أي حال نسأل الله العلي القدير أن يهدينا لما فيه خير الأمة
واقبل احترامي
__________________
ابن حوران
|