
25-03-2006, 06:07 AM
|
من كبار الكتّاب
|
|
تاريخ التّسجيل: Oct 2005
الإقامة: فرنسا
المشاركات: 6,264
|
|
هل أصبحنا نصارى ؟!..
عينة من مدينة عنابة : ساحة الثورة أيام قبيل رأس السنة

بقلم عبد المالك حداد
كل عام يحتفل البعض في صمت، جزائريون وأجانب بعيد ميلاد السيد المسيح في 24 ديسمبر من كل عام. ولا يشعر به أحد إلا القلة. لكن... كل شيء في الجزائر يخذ شكل ولون وأضواء عيد السيد المسيح، أشجار الصنوبر الحلبي تزين الفنادق والصالونات، النوادي والمطاعم تزينت بشرائط متنوعة ومصابيح ملونة، والمحلات عامرة، هذه أضواء وشراشف وتحف شخصية سانتا كلوز أو (بابا نويل) وأجراسه وحتى لباسه الأحمر والأبيض بل حتى لحيته تباع في محلات الألعاب والهدايا ومتاجر الألبسة والأواني المنزلية... وبات صناع الشكولاته والحلويات في أوج نشاطهم لتصنيع "شجرة الصلب" (كعكة خاصة بهذه الاحتفالات) التي يفتخر الكثير بشرائها وحملها ليتباه بها أمام الناس.. كل هذا استعدادا لأسبوع وراء عيد السيد المسيح، رأس السنة الميلادية.
بالنسبة لكثير من الجزائريين وما تعودوا عليه طيلة السنوات الأخيرة الاحتفال الأعظم ليس هو أعياد ميلاد السيد المسيح بل رأس السنة الميلادية أي يوم 31 كانون الأول (ديسمبر) من كل عام، والتحول من آخر ليلة في السنة الماضية الساعة الثانية عشر تماما إلي أول لحظة في العام الجديد الفاتح كانون الثاني (يناير). تطفأ الأنوار وتتلألأ، ويعلو الصراخ، وتتناثر القبلات، ويعم الفرح، بانتهاء عام وبداية آخر وينشط الرقص، وتفتح الزجاجات بكافة أنواعها وألوانها وأعمارها. وكلما ازداد التغريب في المجتمع، والتقليد لعادات الغرب خارجه زاد الاحتفال.
فأصبح عيد رأس السنة الميلادية هو عيد الجميع، ومن يقول عكس ذلك يعيش حيران وصنف من المتخلفين أعداء التحضر، في وقت يسأل الكثير من مروجي هذه العادات الدخيلة عن مكان يقضي فيه ليلة حتى لا يتأخر عن الركب، ويشارك في البهجة ويفرح، تعويضا عن حزنه الدفين. فإن لم يجد دعوة خاصة عند أحد الأصدقاء أو المعارف في المنازل فإنه يختار احتفال النوادي. فهو أقل تكلفة من احتفالات الفنادق. وتزدحم النوادي بالمشاركين والحاجزين مبكرا نظرا لقلة الأماكن وكثرة الراغبين، بالرغم من بعد المسافات، ووجود الجديد منها على أطراف العاصمة والمدن الكبرى.
الآذان صماء
"شجرة الصلب" (كعكة خاصة باحتفال رأس السنة الميلادية)
رغم التحذيرات والتنبيهات التي يطلقها الأئمة والعلماء في العالمين العربي والإسلامي وفي الجزائر على وجه التحديد من الاحتفال بأعياد المسيحيين إلا أن هناك إصرار على إقدام عديد الأفراد على إحياء تلك الأيام بل والاحتفال بها أكثر من النصارى، حتى بتنا "أكثر ملكية من الملك" على حد تعبير المثل الشائع. والعجيب أن الجميع أصبح يجد المبررات للاحتفال بحجج أسموها "تفتحا وتحضرا وعصرنة ومواكبة... فلماذا لا يحدث العكس ؟!
لعل الكثير قد يربط سبب هذه الاحتفالات بارتباط المجتمع الجزائري بصورة كبيرة بالمجتمعات الغربية وبثقافتهم وتقاليدهم وعاداتهم لدرجة التقليد الأعمى دون إدراك بخطوة هذا السلوك وما قد ينجم عليه !
اختلاف آراء المختصين
اختلفت آراء المختصين حول ظاهرة الاحتفال بأعياد المسيحيين في الجزائر حيث استنكرها رجال الدين وهوّن منها المختصون الاجتماعيون باعتبارها لا تدخل في إطار البعد الديني وإنما وسيلة للترفيه واللهو خاصة بالنسبة للأطفال والشباب لما يميز أعيادنا الدينية من جدية.
ويعتبر مختصو علم الاجتماع أن الظاهرة باتت تنتشر في المدن ووسط الفئات الوسطى المتعلمة أكثر منها بالمناطق الداخلية إلا أنها تبقى محدودة، وأن الكثير يمارس هذه الطقوس الدخيلة بدافع اجتماعي أي الاحتفال بانقضاء سنة وحلول سنة جديدة إضافة إلى الاحتفال بالعطل المدرسية والمهنية، أكثر من دخولها في إطارها وطابعها الديني باعتبار الاحتفال بيوم عيد السيد المسيح ورأس السنة الميلادية.
أما عن الظاهرة فيرى المختصون أنها مرتبطة بانفتاح المدن على وسائل الإعلام وثقافة الغير، أما عن الأسباب في انتشار هذه الظاهرة فيعود للاستعمار وطول مدة احتلاله للبلاد، وللارتباط بين الثقافتين الفركو-جزائرية الأمر الذي خلق جزء من الاستمرارية، والأهم هو غياب الوازع الديني أي الفراغ الروحي الذي يعاني منه الكثير خاصة الشباب.
الاحتفال حرام هذا ما يؤكده علماء الدين المسلمين وفي الجزائر ما فتئ الأئمة على المنابر والجرائد والمجلات يؤكدنه بحكم شراء الحلويات والورود والشموع والشكولاطة تشبه بغير المسلمين واستدلوا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم : " من تشبه بقوم فهو منهم "
إصرار على إحياء عيد المسيح ورأس السنة الميلادية
قبيل حلول شهر ديسمبر من كل عام، تبدأ صور الاحتفال الغربي برأس السنة وبالكريستماس تأخذ مكانها في مختلف المدن الجزائرية حتى بات الفرد يظن نفسه في بلد أوربي وجزء من العالم الغربي.
وكيف لا.. ؟! ففي شوارعنا تسير أحدث سيارتهم!!
وبيوتنا تزخر بأرقى مخترعاتهم !! وفوق جلودنا نحمل أغلى ملابسهم !! وعقولنا تجلس كالتلميذ الخائب أمام أفلامهم ونجومهم !!
وترتدي نساؤنا أحدث خطوط موضاتهم !! وفوق سطوح منازلنا نستقبل أعلامهم وأفكارهم..!!
أما هم.. فإنهم مشغولون بما هو أدنى من ذلك. مشغولون بالتسابق لغزو الفضاء واستخدامات علم الوراثة والبحث عن علاج للإيدز وبالسيطرة على عالمنا العربي الإسلامي. !!
أما عن مجتمعنا فقد لحق بالعصر الحديث وواكب ركب الأمم المتحضرة، مفارقات نعيشها، محلات وواجهات المراكز التجارية تزينت بشرائط متنوعة ومصابيح ملونة كتبت كلها عبارات متشابهة أغلبها بالفرنسية "2006 Bonne année" أو في بعض الأحيان "عام سعيد"، "كل عام وأنتم بخير"، تخفيضات في الأسعار ترحيبا بالعام الجديد، سنة أيام بعيدة ساعة الصفر تشهر كافة المحلات وخاصة تلك المتخصصة في بيع الملابس والأحذية والعطور وأدوات التجميل تخفيضات شاملة على مختلف سلعها وبضائعها وتتنافس فيما بينها عمن يقدم أحسن عرض، وتتراوح قيم التخفيضات من محل إلى آخر بين 20 % و30% وقد تصل في بعض الأحيان حتى 50 % تقليدا لما تفعله الدول الغربية في نفس الفترة من كل سنة كإجراء تحفيزي يمكن المواطن الغربي الفقير من أن يحتفل برأس السنة شأنه شأن الغني والميسور فيفرح الجميع دون استثناء، وتناسى الجميع أعيادنا وعمدوا إلى رفع الأسعار قصد الربح الانتهازي السريع ولو على حساب أخيه البسيط الذي يحرم في كثير من الأحيان من فرحة ثوب جديد، وأكل هنّى، تزامنا مع عيد الأضحى.
أما في المحلات المتخصصة في بيع الحلويات، تعد عدتها استعداد لتلبية الطلبات الكبيرة على معمعة رأس السنة "La Bûche" وتتنوع قوالب وأشكال الشكولاطة والحلويات ترحيبا بالعيد المجيد.
كثيرة هي المطاعم والفنادق التي تنزل يوميا سواء على صفحات الجرائد أو التلفزيون إعلانات خاصة باحتفالات السنة الجديدة بضرورة الحجز السريع للأماكن المحدودة العدد وتتسابق في استقطابهم بإغرائهم بقدوم الفنان الفلاني، ولعلية القوم طعام خاص يأتيهم على الموائد، وبعد أن تهدأ النفوس وتمتلئ البطون يبدأ مغني الأفراح يهيئ الناس لإطرابهم. وما من مجيب. فما يقدمه ليس فنا ولا طربا بل عملا في مقابل أجر ليلة رأس السنة.
وغير بعيد عن مثل هذه الأماكن نجد النوادي والملاهي يشتد فيها الصخب بمكبرات الصوت، افتعالا بالمناسبة حتى ولو كان المكان فارغا. فالناس لا تأتي إلا قبل منتصف الليل بساعة حتى تتزين وتتهيأ وتتلقى التهاني وتتبادلها عبر الهواتف النقالة قبل الخروج. ولأن الفرح لا ينبع من الداخل فإنه يُفرض من الخارج عن طريق الصخب الخارجي الذي يتحول إلى إزعاج. فلا يستطيع صديق أن يحدث صديقا أو حبيب يناجي حبيبة.
فيما تجد فئة من الجزائريين في إلغاء تأشيرة الدخول إلى التراب المغربي، فرصة سانحة لقضاء احتفالات رأس السنة الميلادية إلى جانب تونس. وحسب الكثير من أصحاب وكالات السفر، فإنه ينتظر أن يكون الإقبال على الدولتين الجارتين أكثر من السنة الماضية وبشكل أقل مصر. أما أصحاب الحظ السعيد من يتلقى تأشيرة السفر لبلاد الجن والإنس، للاحتفال بطريقة لا يراه حتى في الأحلام...
... والكل يريد الكسب حتى ولو استغل. لا يحدث شيء قبل منتصف الليل. فإذا ما حان الوقت وجاءت اللحظة الحاسمة من عام إلى عام لم يتحرك أحد. فالحركة نقص في الاحترام. ويبدأ الناس في الانصراف. فقد تحقق الغرض. انتهى العام القديم، وبدأ العام الجديد.
بعيدا عن العقيدة
الاحتفال بالأعياد المستوردة يدل على خواء حضاري كبير، وهو دليل كذلك على عقدة النقص المتمكنة في "المغلوبين" الذين يولعون دائما بتقليد "الغالب"، حسب عبارة ابن خلدون، بحيث يصير التسليم للأجنبي بالقوة والتفوق والسيادة فعلا شرطيا لاإراديا تمليه ضرورات الواقع ورواسب العقل "الظاهر" و"الباطن". ويزداد الاستغراب والدهشة عندما يرفع أولئك الذين يحملون شعار "احترام الحريات الفردية" و"الرأي الآخر" ـ فوق ظهورهم لا داخل قلوبهم ـ يرفعون عقيرتهم كلما أنكر منكر أمثال هذه التصرفات التي أضحت تدل على أن المجتمع الجزائري مهدد في كيانه ووجوده، ويزعمون أنها من بقايا "الأصولية" التي يجب أن تُجفّف منابعها انطلاقا من المساجد. ومع ذلك، لا يُفوّت البابا (بونوا 16)، في أول احتفال له بعيد الميلاد وهو متربع على عرش الفاتيكان، الفرصة ليعلن لسكان المعمورة عبر مئات القنوات التلفزيونية العبارات التالية: "استيقظ يا إنسان الألفية الثالثة.. إن هذا الزمن يُقدّم على أنه زمن الاستيقاظ من نوم العقل، وعلى أنه عصر انقياد البشرية نحو الأنوار، ولكن دون المسيح، فإن نور العقل لا يمكن له أن يضيء الإنسان والعالم". وفرقٌ بين من يخجل من تاريخه وتراثه ودينه بدعوى الهروب من الرجعية والتخلف، ومن يدعو إلى دينه العالم أجمع كرمز للحضارة والتقدم.. وصدق شاعرنا العبقري العربي نزار قباني :
لبسنا قشرة الحضارة والروح جاهلية
عيد بأية حال عدت يا عيد
--------------------------------------------------------------------------------
في ليلة رأس السنة الجديدة ينسى الجميع الدماء التي مازالت تسيل في فلسطين والعراق وأفغانستان والشيشان وكشمير.
--------------------------------------------------------------------------------
في ليلة رأس السنة الجديدة ينسى الجميع الدماء التي مازالت تسيل في فلسطين والعراق وأفغانستان والشيشان وكشمير. ينسون الاحتلال الجاثم على الأوطان، وكأن النصر المؤزر قد تحقق، والاستقلال الوطني قد تم الحفاظ عليه. قد يهرب الإنسان إلى رأس السنة بدعوى (ساعة لقلبك وساعة لربك). وقد يهرب آخر إلى العكوف والصلاة ضد بدع الكفار وتقاليد العاصيين، طالبا النجاة وسائلا المغفرة والثواب. وكما دخل المحتفلون آخر ليلة في العام الماضي تاركين همومهم وراءهم، يخرجون إلى العالم في أول يوم من العام الجديد حاملين همومهم معهم
|