عرض مشاركة مفردة
  #4  
قديم 31-03-2006, 02:41 PM
قناص بغداد قناص بغداد غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Dec 2005
المشاركات: 740
إفتراضي

أما الثاني فهو كفر تشريع وتحليل وتحريم ولا يلتفت فيه إلى الاعتقاد ولو أقسم فاعله ألف ألف مرة على أنه غير مستحل قلنا له: (لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ) [التوبة: 66]، وقد كذبكم الله وسمى إيمانكم الذي تدعون زعماً..

إذ فرق كبير كبير بين من يرابي متأثماً يبتغي لذة عاجلة وبين من يرخص الربا للناس ويشرّع له ويحمي مؤسساته ويتواطأ ويصطلح عليه.. وفرق كبير أيضاً بين من يشرب الخمر مذنباً وبين من يرخص للناس شربها ويرخص لمحلات الخمر بيعها ويحميها ويُبدّل حد الله في الخمر بتشريعاته الساقطة.

وفرق كبير أيضاً بين من يقع في الزنا متأثماً استجابة لغواية، وبين من يبدل حد الزنا ويرخص للبغاء بتشريعات تجعل الزنا جريمة فقط في حق الزوج وبيده، فإن رضي الزوج فلا جريمة ولا عقوبة بل هو مباح عندهم.. [9].

فالتشريع وتحريم الحلال أو تحليل الحرام كما فهمت، عمل كفري مجرد وليس كسائر الذنوب التي يشترط فيها اعتقاد الاستحلال.. وقد ينضاف إليه الاعتقاد فيكون كفراً مركباً وزيادة في الكفر.. وليس هو قيداً أو شرطاً للكفر ها هنا، فإن المشركين الذين أحلوا الأشهر الحرم بتبديلها بأوقات أخرى، كانوا يعرفون ويعتقدون في قرارة أنفسهم أن الأشهر المحرمة من عند الله هي تلك الأولى بعينها لا التي استحدثوها وشرعوها واستبدلوها هم، وهكذا كان معتقد اليهود يوم أن (بدلوا) حد الزنا أو (اجتمعوا) أو (اصطلحوا) أو (تواطؤوا) [10] على حكم آخر من عند أنفسهم، ولم يستحلوا الزنا ولا صرحوا باستحلالهم القلبي للتشريع والتبديل.. فالكفر أو مناطه ها هنا هو عمل التبديل أو التشريع أو الاتفاق أو الاجتماع أو الاصطلاح أو التواطؤ على حكم غير شرع الله تعالى.. فسواء قالوا نحن نقر في قلوبنا أو نجحد أن الأشهر التي حرمها الله هي الحق أو أن حد الزنا الذي أنزله الله هو الحق، أم لم يقولوا.. فالاعتقاد لا قيمة لذكره ها هنا إلا على سبيل الزيادة في الكفر.. لأن فعلهم ذلك بحد ذاته كفر وإشراك مع الله في حكمه، ومن أشرك نفسه مع الله بالتشريع فقد نازع الله في خصوصية من خصوصياته وأمسى طاغوتاً مشرعاً مع الله، وأتباعه وأنصاره وأشياعه على ذلك هم له عابدون.


--------------------------------------------------------------------------------

[1] وهذا قريب من تقسيم شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية لنوعي الحكم بغير ما أنزل الله في منهاج السنة (5/131) عند قوله تعالى: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ) حيث قال: (فمن لم يلتزم تحكيم الله ورسوله فيما شجر بينهم فقد أقسم الله بنفسه أنه لا يؤمن).

وقال أيضاً: (ومن لم يلتزم حكم الله ورسوله فهو كافر).

(وأما من كان ملتزماً بحكم الله ورسوله باطناً وظاهراً لكن عصى واتبع هواه فهو بمنزلة أمثاله من العصاة) هـ.

[2] وهو الذي خلط فيه الخوارج ويخلط فيه مرجئة الزمان.

[3] وهذه إشارة للجحد والاستحلال ونحوه.

[4] ص(14) ضمن مجموعة فتاوى ابن تيمية - جـ5، طبعة دار الفكر.

[5] ص(383) طبعة جامعة أم القرى.

[6] وهذا هو الذي يقسم عليه أعضاء البرلمان الشركي والوزراء في يمينهم الدستورية الشركية التي يؤدونها قبل توليهم مناصبهم.

انظر المادة (126 و91) من الدستور الكويتي، والمادة (43 و79) من الدستور الأردني.

[7] ”العناد والتفضيل“ ألفاظ يتلاعب بها مرجئة العصر ليروّجوا إسلام الطواغيت المشرعين حين يصرحون في الوقت الذي يحاربون فيه الدين ويهدمونه بكل ما أوتوا من وسائل وسبل، فيقولون: ”لا شك أن حكم الله هو الأفضل، ونحن نتمنى أن نقدر على تحكيم‍‍ه!! وأنتم أدعوا لنا وأعينوننا“ ونحوه من تلبيساتهم التي يوحيها إليهم شياطين الجن والإنس من مستشاريهم المطلعين على غباوة وسفاهة مرجئة الزمان المتصدرين للدعوة والدعاة - إذ أكثر أولئك المستشارين لو راجعت تاريخهم لوجدت لهم جذوراً مع جماعات الإرجاء هذه، وما أوصلهم أصلاً لمناصبهم هذه إلا مذهب الإرجاء واستحسانات واستصلاحات جماعاته.. وأنا أسأل عن صورة الواقع الذي نعايشه وحسب، بالله ربكم هل هناك أكبر عناداً أو حرباً للدين ولشرع الله وتفضيلاً لحكم الطاغوت عليه ممن يعلم ويعرف، ويصرّح بأنه يعلم ويعرف أن حكم الله والشريعة أفضل من حكم الطاغوت، ثم ومع علمه هذا او تصريحه به لا يختار إلا حكم الطاغوت وشرعه، وليس هو اختياراً شخصياً محضاً بل ويلزم الناس اتباعه والدخول فيه ويعاقب من تركه أو تعدى حدوده، مع تعديه لحدود الله ليل نهار وترخيصه ودعوته بل وأمره الناس بتعديها بأبواب ووسائل شتى.. فإن لم يكن مثل هذا عناداً فليس في الدنيا كلها إذن عناد، ولذا سترى من قول الشيخ محمد بن عبد الوهاب بعد هذا أنه حكم بالعناد على من ترك التوحيد بعد أن عرفه وجعله كفرعون وإبليس، فكيف بمن حاربه وسعى لهدمه مع تصريحاته بمعرفته.. فتارك أصل التوحيد، إما كافر معرض، أو عالم معاند، والمعاند ليس بمحارب في كل الأحوال، بل هناك معاند (محارب) وهناك معاند (متول ملتزم للضد)، ولا شك أن القوم من المعاندين المحاربين ورب الكعبة، ولا يخفى هذا إلا على العميان.. وكذلك التفضيل يكون باللسان، ويكون أبلغ بالفعل، وهل التفضيل إلا اختيار المفضَّل واتباعه والأخذ به؟؟

[8] ومن هذا الباب تفريق أهل العلم بين الزاني بمحرم من محارمه والعياذ بالله، وبين من تزوج من محارمه فعقد عليها عقد نكاح، راجع تهذيب الآثار للطبري (3/441) وزاد المعاد وغيره، حيث ذكروا في هذا ما رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم وهو صحيح عن البراء أن النبي صلى الله عليه وسلم، بعث خاله أو عمه إلى رجل تزوج امرأة أبيه فقتله. وفي رواية عن معاوية بن قرة عن أبيه (أنه خمس ماله).. فدل على أنه قتله كافراً والروايات جميعاً تذكر أنهم أخرجوه وضربوا عنقه ولم يسألوه، هل تزوّجها معتقداً حِلَّ ذلك أم غير معتقد.. فصح أن الاستحلال يكون عملاً.

[9] راجع لتتعرف إلى أمثلة من ذلك في قوانينهم العفنة، كتابنا (كشف النقاب عن شريعة الغاب).

[10] هذه هي الألفاظ التي عُلّق مناط الكفر بها في الأحاديث الواردة في أمر اليهود وكفرهم لتبديل حكم الله.. وهي مناط الحكم بالكفر، وليس في تلك الأحاديث ذكر للاعتقاد أو الجحود أو الاستحلال فراجعها واحفظها لتلجم بها أفواه مرجئة العصر.

ومثل هذا ما أشار إليه الشيخ عبد المجيد الشاذلي في (حد الإسلام وحقيقة الإيمان) ص(428) في الألفاظ التي وصف فيها من اتخذ الأحبار والرهبان أرباباً وأشركهم مع الله في التحليل والتحريم، في طرق حديث عدي، فذكر: ”فاتبعوهم“ ”فأطاعوهم“ ”تأخذون بقولهم“ ”فحرموه وأحلوه“ ونحوه ولم يرد في شيء منها ”فاعتقدوا أنه حلال“ وإنما المراد التزام تحريمهم وتحليلهم والاصطلاح والتواطؤ عليه واتخاذه قانوناً وحكماً..

إذ الاصطلاح والتواطؤ والاجتماع على شريعة غير شريعة الله والتزام ذلك ولو في حد أو حكم هو شيء غير الطاعة المجرّدة للمشرع أو لغيره في معصية الله ولو تعددت، والتي يذكر فيها قيد الاستحلال أو الاعتقاد فهما عملان مختلفان يخلط فيهما مرجئة العصر. ولعلهم يستشهدون ببعض كلام شيخ الإسلام الذي يشترط فيه ذلك الشرط في كفر متبعي المشرعين في المعاصي فقط.. وهذا حق لا شك فيه ولكنه أمر غير الاصطلاح والتواطؤ على حكم أو حد أو شرع من غير شريعة الله الذي فعله اليهود وكفروا به دونما ذكر للاعتقاد، وهو ما يمارسه الطواغيت وعبيدهم اليوم، أما من اعتقد تحريم ما حرمه المشرعون فهذا مشرك كافر سواء التزمه أو لم يلتزمه، وهذا لا دخل له في موضوعنا هذا، ويجدر التنبيه إلى أن تفصيله ذاك (7/70) كان في شأن الأتباع لا المتبوعين، وقد فصلنا القول فيه في رسالتنا الثلاثينية في التحذير من أخطاء التكفير، وذلك لأن الطائع للمشرع ليس بلازم أن يكون متبعاً لتشريعه متواطئاً عليه ملتزماً له في كل حال.. بل قد يطيعه بعض العصاة في معصية الله فقط، فلا يكون فعلهم ذلك كفراً إلا مع الاستحلال، فلزم التفصيل في شأن الاتباع لوجود مثل هذه الحالات ولورود الاحتمال.. أما المشرعون الذين جعلوا من أنفسهم أنداداً لله فمنحوا أنفسهم، بل وغيرهم من النواب خاصية هي من خصائص الألوية (التشريع) فمن السفه كما تقدم أن ينزل في مثل هؤلاء ذلك التفصيل فيقال هل استحلوا أو اعتقدوا؟؟

واعلم أن هؤلاء الطواغيت قد جمعوا بين الطامتين، فهم مشرعون. وفي نفس الوقت اتباع للمشرعين الدوليين يتواطؤون ويصطلحون على تشريعاتهم ويجتمعون معهم عليها... فقد جمعوا كفراً فوق كفر وظلمات بعضها فوق بعض...
للشيخ أبي محمد المقدسي - فك الله أسره -
في كتابه (إمتاع النظر في كشف شبهات مرجئة العصر
__________________




لله در الفضيل بن عياض حيث يقول : لا تستوحش من الحق لقلة السالكين ، ولا تغتر بالباطل لكثرة الهالكين . وأحسن منه قوله تعالى : ( ولقد صــدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقاً مـن المؤمنين)