عرض مشاركة مفردة
  #32  
قديم 09-04-2006, 12:26 AM
الشاطري الشاطري غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2006
المشاركات: 127
إفتراضي

الأمر الثاني :
ـــــــــــــــــــــ
أن لا يجوز لعلماء الشريعة أن يفتوا بشرعية معاهدة عاهد بها حاكم مسلم ـ يتحاكم إلى الشريعة ويجعلها أصلا لكل أحكامه ـ عاهد بها هذا الحاكم أهل الكفر، إلا بعد أن أربع خطوات :

1ـ أن يشاهدوا المعاهدة كاملة بجميع شروطها وبنودها التي ستكون عند الطرفين الدولة المسلمة ، والكفار ، وإلا كانت شهادتهم على شرعية المعاهدة شهادة زور قطعا ، وكل من شهد بما يجهله فهو شاهد زور .

2ـ أن يتيقنوا أنها لاتتضمن بنودا سرية ، ولا يحل للحاكم أن يقول لهم ثمة بنود سرية لايمكن إطلاعكم عليها، لايحل هذا بحال ، لاحتمال أن تتضمن شروطا لا يقرها الشرع .

3 ـ أن لا يجدوا فيها مخالفة لشريعة الله تعالى في صغير ولا كبير ، ومن ذلك أن تتضمن هدنة مؤبدة أو ما يقتضي ذلك ، فإن وجدت كذلك ، طلبوا تغييرها وعرضها مرة أخرى بعد التبديل لكل ما فيها مما يخالف الشريعة العلية.

4ـ أن يشترطوا عليه أنه إذا وجد في الواقع ما يخالف ما في هذه المعاهدة ، انه يحق لهم مساءلته ، ويُحفظ حقهم في مراقبة استمرار صحة هذه المعاهدة شرعا وفق الشروط الشرعية التي وضعوها ، كما يحفظ حقهم في إظهار النكير فيما لو حصل في واقع الحال خلاف ما عوهد عليه الكفار ، لإبراء ذمتهم أمام الله ثم المسلمين .

ويجب عليهم أن يظهروا له ، أنهم لن يفتوا بشرعية هذه المعاهدات ، إلا وفق هذه الخطوات ، وعليه إن أبى الانصياع لهذه الشروط ، أن يمضي في معاهداته ـ بسخط الله ـ عريّة عن حكم الشريعة ، بهذا تبرأ ذمة العلماء ، أن يقولوا على الله مالا يعلمون .

والعجب أن الكفار أنفسهم يطالبون ـ في الظاهر ـ اليوم أنظمتنا الحاكمة أن تسمح للشعوب بالمشاركة في الحكم ، وأن تراقب أداء الدولة ، وأن الدول الكافرة نفسها ، تعطي لشعوبها الحق في أن تراقب التزام حكامهم بمعاهداتهم ، وتعرضها بلا خفاء على مجالس (البرلمان) لديهم ، ويناقشون ما فيها من صغير وكبير ، ويتأكدون من موافقتها لقوانينهم ، وإذا حادت الدولة في التطبيق ردوها إلى الصواب، وقسروها عليه !!، بينما نحن لايتجرأ العلماء أن يطلبوا النظر إلى المعاهدات التي تعقدها الدولة مع الكفار.

فكأن واقع حالنا ، أن الزعيم هنا في بلادنا يقول : إنني قد أبرمت معاهدة مع الكفار ، فأفتوا بجوازها ولزوم احترامها على الرعيّة .

فيقول البعض : فهي إذن يا مولانا معاهدة شرعية ، واجبة الاتباع على كل الرعية ، ولا حاجة لنا أن نراها ، ولا حاجة لنا أن نسأل عن موافقة ما فيها من شروط للشريعة ، و لاحاجة أيضا أن نتأكد من عدم الحياد عن الشريعة في تطبيقها في الواقع ، بل هي معاهدة شرعية لان هذا ما يريده مولانا فله ما يريد !!! .

فهذه والله المصيبة العظمى ، والباقعة الكبرى ، أعني أن يصل الحال بعلماء الشريعة أن تهون عليهم أنفسهم ، وتهون عليهم شريعة ربهم إلى هذه الدرجة ، حتى تصبح كم يقال ( توقيع على بياض ) ، فإلى الله المشتكى مما آلت إليه حال هذه الشريعة العلية ، وعلماءها .

الثالث من الأمور التي يجب أن تستصحب قبل الكلام على المعاهدات الدولية :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ
أن الحاكم إذا لم يكن حاله أنه يجعل الشريعة الإسلامية أصلا يرجع إليه ، ويتحاكم إليه تحاكما مطلقا فيما يعاهد عليه الكفار ، وإنما يأتي بعدما يبرم المعاهدات مع الكفار على أهواءهم التي يراعون فيها قوانينهم ، ويحققون أطماعهم ، ويريد بعد ذلك من علماء الشريعة ، أن يضعوا توقيع رب السموات والأرض رب العالمين ، على أحكام الجاهلية ، وأهواء الكفار ، فإنه لا يوافقه على هذه الجريمة ، إلا من هو من أعظم المعينين على الظلم والفساد في الأرض ، الساعين إلى تمكين الكفار من استعلاءهم بجاهليتهم ، ومن فعل ذلك فهو ممن يشتري بآيات الله ثمنا قليلا ، فليس له عند الله من خلاق .

الرابع :
ــــــــــــ

أن السياسة العالمية اليوم ، قائمة ـ كما هو معلوم في علوم السياسة المعاصرة ـ على أن العلاقات الدولية أساسها مبدأ واحد هو الصديق والعدو ، غير أن تفسيرها لديهم ليس كما يظن الظان من ظاهر هاذين اللفظين .

بل هو كما جاء في كتاب مدخل إلى العلوم السياسية : ( الأصل لدى كل مجتمع سياسي أن إطاره الجغرافي يمثل بالنسبة لاصحابة ( دار السلام ) وأن ما وراءه ( دار حرب ) ومن ثم فإن الأصل في الأجنبي أنه عدو مالم تقتض مصلحة المجتمع الوطني مهادنته ، وانطلاقا من هذا تعتبر العلاقات الدولية علاقات قوى قوامها العداء والارتياب والتشكك .)) .

قلت : وقد تستغرب من أن تقول كتب السياسة المعاصرة هذا القول ، الذي يشبه إلى حد كبير قول الفقهاء بتقسيم الدور إلى دار الإسلام ودار الحرب ، وأن الأصل في الكفار أنهم أهل حرب ، ولكن الأمـر كذلك كما يذكر في كتب السياسة الدولية المعاصرة ، كما ذكرت ، وهو كذلك في واقع الحال ، من وراء ستار الشعارات الزائفة ولكن أكثر الناس لا يعلمون .

ثم جاء في كتاب مدخل إلى العلوم السياسية ( وهكذا فإن ارتباط مفهوم (العدو) ، بالسياسة حقيقة ثابتة ، فلا سياسة دولية من غير ( عدو ) ـ إن العداء ـ في العلاقات بين الدول هو الأصل ، وما السلام إلا مجرد مهادنة يقتضيها العداء ذاته .

وهنا يتعيّن التنبيه إلى أن للعداء في السياسة معيارا ، ليس هو معيار ( العداء ) في الأخلاق أو في الاقتصاد ، ذلك أن لعالم السياسة معاييره الخاصة به ، فليس من الضروري أن يكون ( العدو السياسي ) شريرا أو قبيحا على وفق المعايير الأخلاقية أو الجمالية ، أو أن يكون منافسا على مقتضى المعايير الاقتصادية .

وإنما العدو في عالم العلاقات الدولية هو ( الغير ) ، وهو ( الأجنبي ) ، إنه كل من ليس منا ، ومن ثم نخاف على وجودنا الذاتي منه ، وهو خوف يستدعي صراعنا الدائم معه ، إنه عداء دائم بدوام حرصنا على استمرار كياننا الذاتي ، ومن هنا ترتبط ذاتية المجتمع السياسي بقدرته الفعلية على تقرير علاقاته الخارجية عداء ومهادنة ، فالمجتمع الذي تفرض عليه العداوة والمداهنة من خارجه ليس مجتمعا مستقلا ) .

ثم قال ( وهكذا فإن العلاقات الدولية هي ـ بالضرورة على طول تاريخها ـ علاقات بين الأعداء ، اللهم إلا ما يقتضيه العداء ذاته من مهادنة ليست البتة من طبيعة هذه العلاقات ، وما فكرة المجتمع البشري العالمي المتخلص من أسباب التصادم ، ومن ثَمّ الذي ينعم بالسلام العالمي ، إلا من نسج الخيال البحت ، إن السلام ـ كالمحبة ـ قيمة أخلاقية جمالية لامكان لها في الواقع الدولي ) مدخل إلى العلوم السياسية 317ـ 318، المؤلفان أ.د. محمد طه بدوي ، وأ. د. ليلى أمين مرسي ، الناشر منشأة المعارف بالإسكندرية .

ولعمري إن هذا كله حق وصواب ، ولهذا أمر الله تعالى المؤمنين بإعداد القوة ، لبقاء التحفز للعدو ، ولهذا أيضا حذّر من عداوة الكفار للمسلمين ، وأخبـــر أنها مستمرة ، كما قال تعالى : ( إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء وودوا لو تكفرون ) ، وأطلق على عداوتهم في مواضع كثيرة في القرآن أنها كيد ، وفي ذلك إشارة واضحة إلى أنهم يسلكون سبلا خفية للمكر بهذا الدين ، وهو كما نرى هذه الأيام ، مزاعمهم عن السلام العالمي ، بينما هم يمكرون لهذا الدين . ولهذا امر الله تعالى بجهاد الطب ، وكان الذين أنكروه من المتفقهين المعاصرين جهلاء بواقع الامر في السياسة العالمية .
ولهذا أيضا صرح فقهاء الشريعة الإسلامية في باب الهدنة ، انه لا يصح للحاكم أن يهادن الكفار هدنة أبديّة ، وهذا حكم متفق عليه بين المذاهب ، لان الهدنة الأبدية تفضي إلى تعطيل الجهاد ، وأيضا فإنه حينئذ جهل بواقع السياسة الدولية ، لا يجوز أن يتصف به الحاكم المسلم .

والمقصود من هذا كله ، أنه إذا كان واقع السياسة الدولية ما ذكر، من أنه عداء مستمر في حقيقته وإن أظهر خلاف ذلك ، ومعلوم أن الدول الغربية المستعلية بجاهليتها في هذا العصر ، تريد تحقيق هدف الهيمنة على بلاد الإسلام ، وأنها تستغل المعاهدات ، ووجودها الفعلي بسبب هذه المعاهدات ، في بلاد الإسلام ، لتكون قريبة من أماكن أطماعها ، لتنفيذ مخططاتها الخبيثة .

إذا كان ذلك كذلك ، فيجب أن يعلم أن المعاهدات التي توقعها الدولة مع الكفار ، لن تكون شرعية بحال ، إن كانت الدولة الكافرة ، ماكرة بهذا الدين ،معادية لاهله ، مستغلة وجودها على أرض الدولة التي تعاهدها ، لخدمة مراكزها الاستخباراتيه ، جاعلة سفارتها ، ومؤسساتها التابعة لها ، وقواعدها في خدمة أنشطة التجسس التي تغذي استعلاءها بالقوة ، الذي هو استعلاء للكفار في الأرض ، وتمكين لهم من ظهور كفرهم واحكامهم الطاغوتية ، ومن يفتي بأن شريعة رب العالمين ، الآمرة بجهاد الكفار والمشركين ، لتكون كلمة الله هي العليا ، وكلمة الذين كفروا السفلى ، أن هذه الشريعة تقر هذا الكفر و الإفك المبين ، فذلك والله الذي لا إله إلا هو ، إعانة على هدم دين الإسلام من أصله .

إذا علم هذا ، فليعلم السائل أن الواقع السياسي للعالم الإسلامي اليوم ، إنما هــو بقية آثار من تداعيات سبقت في القرن الماضي، عندما كانت البلاد الإسلامية تحت الاحتلال الصليبي السابق ، وقد فرض قبل رحيله أوضاعا تخدم مستقبل مصالحه في المنطقة كلها ، ومن ذلك تنحية الشريعة الإسلامية عن أن تكون مهيمنة بأحكامها على الدول ، خوفا من أن تكون المعاهدات بين تلك الدول والعدو الصليبي ، لاتخدم أطماعه فيما لو كانت المعاهدات مبنية على أحكام الشريعة الإسلامية وشروطها الصارمة لاسيما في اشتراط النظر لصالح الاسلام والمسلمين باعتبارهم أمة واحدة في الارض كلها.

ومن هنا فقد وقعت هذه الاشكالات التي نراها اليوم ، وفيها هذا التناقض الهائل بين واقع تصرف الكفار في بلاد الإسلام ، مع ادعاء الدول التي توقع مع الكفار هذه المعاهدات : من أن تصرف الكفار ، هو وفق معاهدات يجب احترامها ، وبين ما هو في كتب الفقه الإسلامي من شروط شرعية تعدها الشريعة أساسا لصحة المعاهدات الدولية ، فإن خلت منها هذه المعاهدات كانت باطلة غير ملزمة .

يتبع