عرض مشاركة مفردة
  #2  
قديم 12-04-2006, 09:05 AM
لظاهر بيبرس لظاهر بيبرس غير متصل
Banned
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2006
المشاركات: 285
إفتراضي

(11)، إلا أن ابن سعود لم يفعل ذلك، فقد قرّر أن يحاول دعم ما يُعرف بحركة الإخوان الذين يتحتم على المنتمين إليها أن يكونوا كالإخوة الأشقاء، وأن لا تعني لهم علاقات الدم والقبيلة شيئًا، فقوانين الشريعة الإسلامية تحكمهم، وحتّم عليهم التخلي عن حياة البدواة، وأن يستبدلوا بخيامهم الصحراوية منازل للسكنى الدائمة في قرى (هِجَر) يمكن أن تزرع فيها أشجار النخيل، وتُتعهد بالعناية. وتمنح هذه الهجر المساعدات الحكومية مجانًا، كما تساعد المعونات المالية من خزينة ابن سعود في بناء المساجد، ويحصل كل واحد من الإخوان على إمدادات مجانية من الأسلحة والذخيرة إذا التزموا الدفاع عن حاكمهم ابن سعود. ومنحت هذه الصفقة ابن سعود نواة لقواته العسكرية الموثوقة الدائمة، وازداد عدد الإخوان سريعًًا، ومع أنه لم ينتم إليها كل الناس، فإن هناك أكثر من سبعين هجرة، وبلغ عدد الإخوان مئة ألف نسمة. وحينما بدأت الحرب (العالمية الأولى) أظهر ابن سعود - الذي كان مُعترفًا به في ذلك الوقت سلطانًا على نجد - دهاءه المتوقع، ومع أنه لم تتح له الفرصة لدراسة السياسات العالميــة المعقــدة، فقــد كوّن منذ زمن بعيد سياسته الخارجية البسيطة التي خدمته جيدًا، وذلك بأن يتخذ قراراته المستقلة، ويناوئ الأتراك دائمًا، ويكون صديقًا لبريطانيا. والآن يدعم عدوه القديم ابن رشيد تركيا وحلفاءها؛ ولذا وافق ابن سعود على دعم بريطانيا وحلفائها؛ إلا أن هذا الدعم اقتصر على اتخاذ موقف محايد، فاعترف البريطانيون باستقلاله القائم فعلاً، وصبّوا في خزينته الفقيرة معونة سنوية مقدارها (000.60) ستون ألف جنيه إسترليني لمدة ست سنوات. إنها تجارة رابحة أن تكون صديقًا لدولة سخية في عطائها

(12). ثم حوّل المحسنون إلى ابن سعود - الذين كانوا مرتاحين لصفقتهم معه - نظرهم نحو غرب الجزيرة العربية حيث يوجد أمير آخر طموح لا يريد أن يستمع إلى رنين الذهب البريطاني هو الشريف حسين أمير منطقة الحجاز الواقعة على الساحل الضيق الممتد على البحر الأحمر، وتكتسب الحجاز أهميتها من المدينتين المقدستين مكة المكرمة والمدينة المنورة. وكان الأتراك يحكمون الحجاز فعليًا، وليس اسميًا، وكان الشريف حسين قد عُيّن أميرًا على الحجاز سنة 1908م (1326هـ) حينما كان في الستين من عمره، فأيقظ فيه هذا الشرف غير المتوقع طموحًا نائمًا منذ زمن طويل. لقد كان موظفو الحكومة البريطانية أسخياء في وعودهم لهذا الشيخ المبتهج. ومن المؤكد أن غموض التزاماتهم كان متعمدًا، مما فتح لهم الطريق للتنصّل؛ إذ استخدموا غموض التزاماتهم فيما بعد بصفاقة ووقاحة، فقد وعد البريطانيون إعطاء العرب جزيرة العرب، وظن حسين أن الحلفاء سيدعمون طموحه ليصير ملكًا. وبسبب هذه الوعود رفع علم الثورة ضد الحكم التركي، وقاد أبناؤه - الذين ساعدهم إلى حد كبير الجنرال النشيط تي إي لورنس - القوات المنتصرة نحو الشمال. وبالمقابل اعترفت بريطانيا بحسين ملكًا على الحجاز، ومنحته معونة ذهبية تساوي ستة ملايين جنيه إلى أن تم إيقافها فيما بعد. إن الثورة في الصحراء مربحة إلا بالنسبة لدافع الضرائب البريطاني. وبعد انتهاء الحرب (العالمية الأولى) لم يكن وضع ابن سعود مبشرًا بالأمل. فحسين - منافسه القديم - صار ملكًا مستقلاً. ونُصب أبناؤه في مواقع ربما تشكّل تهديدًا لابن سعود. ففي عام 1921م (1339هـ) صار عبدالله ملكًا على الأردن، ونُصب فيصل ملكًا على دولة العراق الجديدة. وأسوأ من ذلك أن ابن رشيد عدوه اللدود قد أعلن استقلاله، وينوي البريطانيون - الذين يرون حاجة ماسة إلى قيام دولة عازلة بين العراق ونجد - الموافقة على استقلال ابن رشيد. ولكن الخبراء أخطؤوا على نحو محزن، فإذا كانوا قد اعتقدوا كما حصل أن ابن سعود بسجلّه الحافل بالانتصارات السابقة لن يفعل شيئًا، ويترك أعداءه يتحصنون، فإنهم قد أساؤوا التقدير. وعلاوة على ذلك فقد كان الحظ بجانب ابن سعود، فقد خدمته الأحداث المتسارعة، واستطاع لمرة أخرى أن يستفيد من الفرصة السانحة. فمثلاً، كانت هناك حادثة الخرمة. فالحدود بين الحجاز ونجد لم تكن ثابتة، ويدّعي كلاهما ملكيته واحات عدة قيّمة. وقد حاول حسين الاستيلاء على الخرمة ثلاث مرات إلا أن محاولاته باءت بالفشل. وأخيرًا طلب المساعدة من لندن، وسمحت الحكومة البريطانية له بالاستيلاء على الخرمة، وحذّروا ابن سعود بأنهم سيقطعون المعونة عنه في حالة تدخله، وابتهج حسين بهذا الدعم المتميّز. فأرسل في الحال حملة عسكرية قوية للاستيلاء على واحة الخرمة، إلا أن ابن سعود لم يعبأ بالمعونة، وعدّ الخرمة من ممتلكاته، وزحف فرسانه الوهابيون في هدأة الليل على رجال حسين، وانتصروا عليهم. وبذلك وضع نهاية لقضية الخرمة إلى الأبد، ولم تُقطع المعونة! وما كاد غضب حسين بعد هذه الهزيمة يفثأ حتى أظهر ابن سعود مرة أخرى قوته في أثناء قتاله في حائل. فقد انتظر سنين عدة فرصة القضاء على أعدائه آل رشيد، وأخيرًا لاحت له الفرصة. ففي أثناء مسابقة في الرماية عقدت بالقرب من حائل، عاصمة منطقة شمر لم يصوب أحد الرماة نحو الهدف، وإنما باتجاه رأس حاكمه. وأتاح ارتباك آل رشيد بعد الاغتيال فرصة سانحة لابن سعود؛ فحشد قواته، وزحف في الحال إلى شمر، وأسر أقارب الأمير المقتول، وضمّ منطقة شمر إلى مملكته. وبهذا انتهى حكم آل رشيد نهاية مخزية، وانتقم السلطان الوهابي المراوغ لأسلافه، وفي الوقت نفسه دقّ إسفينًا (وتدًا) حادًا بين العراق والحجاز، ووحّد كل وسط الجزيرة العربية لأول مرة بعد أجيال عدة تحت حاكم واحد. وما زال القدر يمنح هداياه لابن سعود، فقد بدأ حسين الذي يناهز الآن سبعين عامًا في إزعاج حماته البريطانيين. فقد أغاظه الحلفاء حينما فشلوا في تنفيذ وعودهم والتزاماتهم في أثناء الحرب، فصار يتصرف معهم أحيانًا بعنجهية، وأحيانًا بوقاحة مشاكسة. وكان حكمه نزويًا، وإداريوه فاسدين جدًا، وتنقصهم الكفاءة العلمية. وربما أنّ أنينَ دافعي الضرائب وتذمرَ الحجاج من الضرائب الباهظة وتفجعَهم قد وصل إلى آذان لندن الصماء، ولكنها وجدت أذنًا صاغية عند ابن سعود. ومرة أخرى انتظر الوقت الملائم. ومع أن السخط الذي أثارته معاملة حسين للحجاج كان في صالح ابن سعود، إلا أنه لم يكن كافيًا للخطط القوية التي فكّر فيها، لقد كان ابن سعود في حاجة إلى ما هو أكبر من مجرد السخط، وجاء هذا الشيء الأكبر سريعًا ودونما توقع! فقد قرر مصطفى كمال ومستشاروه في أوائل عام 1924م (1342هـ) قطع الصلة بين حكومة الجمهورية التركية الجديدة والخلافة. فقد كان السلطان التركي هو الخليفة أو القائد الروحي للمسلمين في أيام الإمبراطورية الأخيرة. وحينما حاول الأتراك إقامة ترتيب تجريبي تقوم الحكومة فيه بتعيين خليفة لا يملك سلطة دنيوية لم يرق ذلك للجميع، وكانت النتيجة فصلاً تامًا بين الدين والدولة. يرى بعض الباحثين أن يد حسين الهرمة امتدت بلهفة للجائزة، بينما يرى البعض أن ابنه الأمير عبدالله قد أوحى إليه إعلان نفسه خليفة للمسلمين. ومهما يكن الأمر فقد أعلن حسين نفسه خليفة بعد ثلاثة أيام من قرار الحكومة التركية. وبالطبع فإن تحركًا كهذا قد سبّب ضجة في أرجاء العالم الإسلامي، فرضي البعض بالنظام الجديد مذعنًا، إلا أن سخط المصريين والهنود كان مريرًا، ولم يكن لغضب الوهابيين حدّ. وحدث بين حسين وابن سعود صدع لا يلتحم، وجعل قيام الحرب بينهما أمرًا محتومًا. والآن ليس ثمة تأثير مضاد لإرجاء أو تفادي الصراع، فقد قطع البريطانيون المعونة عن المتنافسين في شهر مارس 1924م (شعبان 1342هـ)، وليس هناك ما يخسره ابن سعود لو هجم على الحجاز. لذا قاد جيوشه إلى ميدان الحرب في أواخر أغسطس (صفر) بعد أن امتدح المسلمون الهنود موقفه. ولم يكن ثمة شك في نتائج المعركة، فقد حاول حسين بكل ما يستطيع إنقاذ العرش لعائلته؛ فتخلى في شهر أكتوبر (ربيع الأول) عن العرش لابنه علي، وفي الحال سيطر السعوديون على جميع الحجاز ما عدا ميناء جدة. وبعد سنة من عمليات الحصار المتقطع استسلمت المدينة، وهرب الملك علي ومساعدوه إلى المنفى، وبذلك انتهت الحرب. كان ابن سعود على معرفة بأن المسلمين في كل مكان يترقبون ما سيقوم به بعد ذلك. والآن، كما هو الحال من قبل، لم تُعمِهِ انتصاراته الحربية عن وضعه الحساس كقائد وبطل لأقلية تعتنق مذهبًا لا يقبله معظم أتباع الرسول [

(13). فقد تمهل خلال حصار جدة، وعمل على حماية الحجاج، وأجرى اتصالات مع الوفود الإيرانية والهندية المسلمة التي حضرت لمعرفة ما إذا كانت الروايات التي تصف الوهابيين بالتعصب، وهدم الأضرحة، وانتهاك الحرمات حقيقة أم كذبًا؟ فما كان منه إلا أن طمأن هذه الوفود عما يعتزمه من خطط، وأخبرهم أنه بمجرد انتهاء الحرب سوف يعقد مؤتمرًا يدعو إليه الشخصيات الإسلامية الرفيعة؛ لإطلاعهم على الأوضاع في المدينتين المقدستين. وفي بداية يناير 1926م (جمادى الآخرة 1344هـ) أعلن قراره بتولي السلطة في الحجاز