عرض مشاركة مفردة
  #17  
قديم 13-04-2006, 06:46 AM
maher maher غير متصل
رب اغفر لي و لوالدي
 
تاريخ التّسجيل: Sep 2004
الإقامة: tunisia
المشاركات: 2,978
إرسال رسالة عبر MSN إلى maher إرسال رسالة عبر بريد الياهو إلى maher
إفتراضي

وقال أبو عمرو الشيباني: علق المجنون ليلى بنت مهدي بن سعد من بني الحريش، وكنيتها أم مالكٍ، فشهر بها وعرف خبره فحجبت عنه، فشق عليه فخطبها إلى أبيها فرده وأبى أن يزوجه إياها، فاشتد به الأمر حتى جن وقيل له: "مجنون بني عامر" فكان على حاله يجلس في نادي قومه فلا يفهم ما يحدث به ولا يعقله إلا إذا ذكرت ليلى. وأنشد له أبو عمرو:
الرائية

ألا ما لليلى لا ترى عند مضجعـي ** بليلٍ ولا يجـري بـذلـك طـائر
بلى إن عجم الطير تجري إذا جرت** بليلى ولكن ليس للطـير زاجـر
أزالت عن العهد الذي كان بينـنـا ** بذي الأثل أم قد غيرتها المـقـادر
فوالله ما في القرب لي منك راحةٌ ** ولا البعد يسليني ولا أنا صـابـر
ووالـلـه مـا أدري بـأية حـيلةٍ ** وأي مرامٍ أو خطـارٍ أخـاطـر
وتالله إن الدهر في ذات بـينـنـا ** علي لها في كل حـالٍ لـجـائر
فلو كنت إذ أزمعت هجري تركتني ** جميع القوى والعقل منـي وافـر
ولكن أيامي بـحـقـل عـنـيزةٍ ** وبالرضم أيامٌ جناها الـتـجـاور
وقد أصبح الود الذي كان بـينـنـا** أماني نفسٍ والـمـؤمـل حـائر
لعمري لقد رنقـت يا أم مـالـكٍ ** حياتي وساقتني إليك الـمـقـادر


قال أبو عمرو: وأخبرني بعض الشأميين قال: دخلت أرض بني عامر، فسألت عن المجنون الذي قتله الحب، فخبروني عنه أنه كان عاشقاً لجارية منهم يقال لها ليلى، ربا معها ثم حجبت عنه، فاشتد عليه وذهب عقله، فأتاه إخوانٌ من إخوانه يلومونه على ما يصنع بنفسه، فقال:

يا صاحبي ألما بي بمـنـزلةٍ ** قد مر حينٌ عليها أيما حـين
في كل منزلةٍ ديوان معـرفةٍ ** لم يبق باقيةٍ ذكـر الـدواوين
إني أرى رجعات الحب تقتلني ** وكان في بدئها ما كان يكفيني


جنونه بليلى وهيامه على وجهه من أجلها
أخبرني هاشمٌ الخزاعي عن "العباس بن الفرج" الرياشي قال: ذكر العتبي عن أبيه قال: كان المجنون في بدء أمره يرى ليلى ويألفها ويأنس بها ثم غيبت عن ناظره، فكان أهله يعزونه عنها ويقولون: نزوجك أنفس جاريةٍ في عشيرتك، فيأبى إلا ليلى ويهذي بها ويذكرها "فكان ربما استراح إلى أمانيهم وركن إلى قولهم"، وكان ربما هاج عليه الحزن والهم فلا يملك مما هو فيه أن يهيم على وجهه، وذلك قبل أن يتوحش مع البهائم في القفار، فكان قومه يلومونه ويعذلونه، فأكثروا عليه في الملامة والعذل يوماً فقال:

يا للرجال لهـمٍّ بـت يعـرونـي ** مستطرفٍ وقديمٍ كان يعـنـينـي
على غريم مليء غـير ذي عـدم ** يأبى فيمطلني دينـي ويلـوينـي
لا يذكر البعض من ديني فينكـره ** ولا يحدثني أن سوف يقضـينـي
وما كشكري شكرٌ لو يوافـقـنـي ** ولا منىً كمـنـاه إذ يمـنـينـي
أطعته وعصيت النـاس كـلـهـم ** في أمره ثم يأبى فهو يعصـينـي
خيري لمن يبتغي خيري ويأمـلـه ** من دون شري وشري غير مأمون
وما أشارك في رأيي أخاً ضعـفٍ ** ولا أقول أخي مـن لا يواتـينـي


وقال أبو عمرو الشيباني: حدثني رباح العامري قال: كان المجنون أول ما علق ليلى كثير الذكر لها والإتيان بالليل إليها، والعرب ترى ذلك غير منكرٍ أن يتحدث الفتيان إلى الفتيات، فلما علم أهلها بعشقه لها منعوه من إتيانها وتقدموا إليه، فذهب لذلك عقله ويئس منه قومه واعتنوا بأمره، واجتمعوا إليه ولاموه وعذلوه على ما يصنع بنفسه، وقالوا: والله ما هي لك بهذه الحال، فلو تناسيتها رجونا أن تسلو قليلاً، فقال لما سمع مقالتهم وقد غلب عليه البكاء:

فواكبدا من حب من لا يحبنـي ** ومن زفراتٍ ما لهـن فـنـاء
أريتك إن لم أعطك الحب عن يدٍ ** ولم يك عنـدي إذ أبـيت إبـاء
أتاركتي للموت أنـت فـمـيتٌ ** وما للنفوس الخائفـات بـقـاء


ثم أقبل على القوم فقال: إن الذي بي ليس بهينٍ، فاقلوا من ملامكم فلست بسامعٍ فيها ولا مطيعٍ لقول قائلٍ.
قصة حبه ليلى برواية رباح العامري
أخبرني عمي ومحمد بن حبيب وابن المرزبان عن عبد الله بن أبي سعد عن عبد العزيز صالح عن أبيه عن ابن دأبٍ عن رباح بن حبيب العامري: أنه سأله عن حال المجنون وليلى، فقال: كانت ليلى من بني الحريش وهي بنت مهدي بن سعيد بن مهدي بن ربيعة بن الحريش، وكانت من أجمل النساء وأظرفهن وأحسنهن جسماً وعقلاً وأفضلهن أدباً وأملحهن شكلاً، وكان المجنون كلفاً بمحادثة النساء صباً بهن، فبلغه خبرها ونعتت له، فصبا إليها وعزم على زيارتها، فتأهب لذلك ولبس أفضل ثيابه ورجل جمته ومس طيباً كان عنده، وارتحل ناقةً له كريمةً برحلٍ حسنٍ وتقلد سيفه وأتاها، فسلم فردت عليه السلام وتحفت في المسئلة، وجلس إليها فحادثته وحادثها فأكثرا، وكل واحد منهما مقبلٌ على صاحبه معجبٌ به، فلم يزالا كذلك حتى أمسيا، فانصرف إلى أهله فبات بأطول ليلةٍ شوقاً إليها، حتى إذا أصبح عاد إليها فلم يزل عندها حتى أمسى، ثم انصرف إلى أهله فبات بأطول من ليلته الأولى واجتهد أن يغمض فلم يقدر على ذلك، فأنشأ يقول:

نهاري نهار الناس حتى إذا بـدا ** لي الليل هزتني إليك المضاجع
أقضي نهاري بالحديث وبالمنى ** ويجمعني والهم بالليل جامـع
لقد ثبتت في القلب منك محـبةٌ ** كما ثبتت في الراحتين الأصابع


قال: وأدام زيارتها وترك من يأتيه فيتحدث إليه غيرها، وكان يأتيها في كل يوم فلا يزال عندها نهاره أجمع حتى إذا أمسى انصرف، فخرج ذات يومٍ يريد زيارتها فلما قرب من منزلها لقيته جاريةٌ عسراء فتطير منها، وأنشأ يقول:

وكيف يرجى وصل ليلى وقد جـرى ** بجد القوى والوصل أعسر حاسـر
صديع العصا صعب المرام إذا انتحى ** لوصل امرىءٍ جدت عليه الأواصر


ثم سار إليها في غدٍ فحدثها بقصته وطيرته ممن لقيه، وأنه يخاف تغير عهدها وانتكاثه وبكى، فقالت: لا ترع، حاش لله من تغير عهدي، لا يكون والله ذلك أبداً إن شاء الله، فلم يزل عندها يحادثها بقية يومه، ووقع له في قلبها مثل ما وقع لها في قلبه، فجاءها يوماً كما كان يجيء، وأقبل يحدثها فأعرضت عنه، وأقبلت على غيره بحديثها، تريد بذلك محنته وأن تعلم ما في قلبه، فلما رأى ذلك جزع جزعاً شديداً حتى بان في وجهه وعرف فيه، فلما خافت عليه أقبلت عليه كالمسرة إليه فقالت: كلانا مظهرٌ للناس بغضنا وكل عند صاحبه مكين
فسري عنه وعلم ما في قلبها، فقالت له: إنما أردت أن أمتحنك والذي لك عندي أكثر من الذي لي عندك، وأعطي الله عهداً إن جالست بعد يومي هذا رجلاً سواك حتى أذوق الموت إلا أن أكره على ذلك، قال: فانصرفت عنه وهو من أشد الناس سروراً وأقرهم عيناً، وقال:

أظن هواها تاركي بـمـضـلةٍ ** من الأرض لا مالٌ لدي ولا أهل
ولا أحدٌ أفضي إلـيه وصـيتـي ** ولا صاحبٌ إلا المطية والرحل
محا حبها حب الألى كن قبلـهـا ** وحلت مكاناً لم يكن حل من قبل


شعره بعد أن تزوجت وأيس منها أخبرني جعفر بن قدامة عن أبي العيناء عن العتبي قال: لما حجبت ليلى عن المجنون خطبها جماعةٌ فلم يرضهم أهلها، وخطبها رجل من ثقيف موسرٌ فزوجوه وأخفوا ذلك عن المجنون ثم نمي إليه طرفٌ منه لم يتحققه، فقال:

دعوت إلهي دعوةً ما جهلتـهـا ** وربي بما تخفي الصدور بصير
لئن كنت تهدي برد أنيابها العـلا ** لأفقر مني إنـنـي لـفـقـيرٌ
فقد شاعت الأخبار أن قد تزوجت ** فهل يأتيني بالطـلاق بـشـير


وقال أيضاً:

ألا تلك ليلى العامرية أصبـحـت ** تقطع إلا من ثقيفٍ حـبـالـهـا
هم حبسوها محبس البدن وابتغـى ** بها المال أقوامٌ ألا قل مـالـهـا
إذا التفتت والعيس صعرٌ من البرى ** بنخلة جلت عبرة العين حالـهـا


قال: وجعل يمر بيتها فلا يسأل عنها ولا يلتفت إليه، ويقول إذا جاوزه:

ألا أيها البيت الـذي لا أزوره ** وإن حله شخصٌ إلي حبـيب
هجرتك إشفاقاً وزرتك خائفـاً ** وفيك علي الدهر منك رقيب
سأستعتب الأيام فيك لعلـهـا ** بيوم سرورٍ في الزمان تؤوب


قال: وبلغه أن أهلها يريدون نقلها إلى الثقفي فقال:

كأن القلب ليلة قيل يغدى** بليلى العامرية أو يراح
قطاةٌ عزها شركٌ فباتت ** تجاذبه وقد علق الجناح


فلما نقلت "ليلى" إلى الثقفي قال قصيدته العينية

طربت وشاقتك الحمول الـدوافـع ** غداة دعا بالبـين أسـفـع نـازع
شحا فاه نعباً بـالـفـراق كـأنـه ** حريبٌ سليبٌ نازح الـدار جـازع
فقلت ألا قد بين الأمر فانـصـرف ** فقد راعنا بالبـين قـبـلـك رائع
سقيت سموماً من غراب فأنـنـي ** تبينت ما خبرت مـذ أنـت واقـع
ألم تر أنـي لا مـحـب ألـومـه ** ولا ببديلٍ بعـدهـم أنـا قـانـع
ألم تر دار الحي في رونق الضحى ** بحيث انحنت للهضبتين الأجـارع
وقد يتناءى الإلف من بـعـد ألـفةٍ ** ويصدع ما بين الخليطـين صـادع
وكم من هوى أو جيرةٍ قد ألفتـهـم ** زماناً فلم يمنعهم الـبـين مـانـع
كأني غداة الـبـين مـيت جـوبةٍ ** أخو ظمأ سدت عليه المـشـارع
تخلس من أوشـال مـاءٍ صـبـابةً ** فلا الشرب مبذولٌ ولا هو نـاقـع
وبيضٍ تطلى بالعـبـير كـأنـهـا ** نعاج الملا جيبت عليها البـراقـع
تحملن من وادي الأراك فأومضـت ** لهن بأطراف العيون الـمـدامـع
فما رمن ربع الدار حتى تشابهـت ** هجائنها والجون منها الخـواضـع
وحتى حلمن الحور من كل جانـب ** وخاضت سدول الرقم منها الأكارع
فلما استوت تحت الخدور وقد جرى ** عبيرٌ ومسكٌ بالـعـرانـين رادع
أشرن بأن حثوا الجمال فـقـد بـدا ** من الصيف يومٌ لافحٌ الحر ماتـع
فلما لحقنا بالحمـول تـبـاشـرت ** بنا مقصراتٌ غاب عنها المطامـع
يعرضن بالدل الـمـلـيح وإن يرد ** جناهن مشغوفٌ فهـن مـوانـع
فقلت لأصحابي ودمعي مـسـبـلٌ ** وقد صدع الشمل المشتت صـادع
أليلى بأبواب الخدور تـعـرضـت ** لعيني أم قرنٌ من الشمس طالـع



هيامه إلى نواحي الشأم وما يقوله من الشعر عند عوده ورؤبة التوباد
أخبرني "محمد بن مزيد" بن أبي الأزهر عن الزبير عن محمد بن عبد الله البكري عن موسى بن جعفر بن أبي كثير وأخبرني عمي عن "عبد الله" بن شبيب عن "هارون بن موسى" الفروي عن موسى بن جعفر بن أبي كثير وأخبرني ابن المرزبان عن ابن الهيثم عن العمري عن العتبي قالوا جميعاً: كان المجنون وليلى وهما صبيان يرعيان غنماً لأهلها عند جبلٍ في بلادهما يقال له التوباد، فلما ذهب عقله وتوحش، كان يجيء إلى ذلك الجبل فيقيم به، فإذا تذكر أيام كان يطيف هو وليلى به جزع جزعاً شديداً واستوحش فهام على وجهه حتى يأتي نواحي الشأم، فإذا ثاب إليه عقله رأى بلداً لا يعرفه فيقول للناس الذين يلقاهم: بأبي أنتم، أين التوباد من أرض بني عامر؟ فيقال له: وأين أنت من أرض بني عامر! أنت بالشأم عليك بنجم كذا فأمه، فيمضي على وجهه نحو ذلك النجم حتى يقع بأرض اليمن، فيرى بلاداً ينكرها وقوماً لا يعرفهم فيسألهم عن التوباد وأرض بني عامر، فيقولون: وأين أنت من أرض بني عامر! عليك بنجم كذا وكذا، فلا يزال كذلك حتى يقع على التوباد، فإذا رآه قال في ذلك: أبياته التي يصف فيها انصباب الدمع

وأجهشت للتوباد حـين رأيتـه ** وكبر للرحمـن حـين رآنـي
وأذريت دمع العين لما عرفتـه ** ونادى بأعلى صوته فدعـانـي
فقلت له قد كان حولـك جـيرةٌ ** وعهدي بذاك الصرم منذ زمان
فقال مضوا واستودعوني بلادهم ** ومن ذا الذي يبقى على الحدثان
وإني لأبكي اليوم من حذري غداً ** فراقك والحيان مجتـمـعـان
سجالاً وتهتـانـا ووبـلاً وديمةً ** وسحاً وتسجاماً إلى هـمـلان
الرد مع إقتباس