عرض مشاركة مفردة
  #4  
قديم 13-04-2006, 08:59 PM
لظاهر بيبرس لظاهر بيبرس غير متصل
Banned
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2006
المشاركات: 285
إفتراضي تاريخ سياسي (2)أثر الحملات العثمانية المصرية على نفوذ الدولة السعوديةالاولى في عمان

أثر الحملات العثمانية المصرية على نفوذ الدولة السعودية الأولى في عمان

بلغ نفوذ الدولة السعودية الأولى في عمان قمته خلال عهد الإمام سعود بن عبدالعزيز 1218-1229هـ/1803-1814م، لكن أواخر عهد ذلك الإمام شهد قيام محمد علي باشا والي مصر العثماني بشن الحملات ضد تلك الدولة والتي انتهت بالقضاء عليها. وهدف هذا البحث هو توضيح أثر الحملات العثمانية المصرية على النفوذ السعودي في عمان من ناحية، وعلى السياسة التي انتهجها السيد سعيد بن سلطان، حاكم مسقط وعمان تجاه ذلك الأثر من ناحية أخرى. نفوذ الدولة السعودية في عمان قبل عام 1226هـ/1811م: وصل نفوذ الدولة السعودية إلى شمال عمان حوالي عام 1212هـ/ 1797م، ثم أخذ يتزايد ويتوغل في عمق المناطق العمانية خلال السنوات التالية(1). وفي عام 1218هـ/1803م، خلف الإمام سعود بن عبدالعزيز أباه في حكم الدولة السعودية، ويعود الفضل إلى جهوده في امتداد نفوذ الدولة السعودية خارج وسط الجزيرة العربية، وفي العام التالي قتل السيد سلطان بن أحمد سلطان مسقط الذي يعود إليه الفضل في تطوير القوة البحرية والنشاط التجاري لحكومة مسقط، وتوسيع النفوذ السياسي لتلك الحكومة في نواحي الخليج وشرق أفريقيا(2). وقد استثمر الإمام سعود التنافس الذي أعقب مقتل السيد سلطان على الحكم بين أبنائه وإخوته وأبناء إخوته، لتوسيع نفوذ الدولة السعودية في عمان، وتمكن من إيصال مرشحه السيد بدر بن سيف إلى الحكم في مسقط، وأقام له حاميات في الباطنة(3). شعر الإمام سعود في عام 1221هـ/1806م بأن نفوذه قد ضعف كثيراً في عمان، حيث توصل سلطان بن صقر شيخ القواسم الموالي له إلى اتفاق مع حكومة الهند البريطانية في ذي القعدة 1220هـ/فبراير 1806م، دون الرجوع إليه(4)، كما قتل السيد بدر بن سيف حاكم مسقط الموالي له على يد السيد سعيد بن سلطان المعارض لتعاظم النفوذ السعودي في عمان في صيف عام 1221هـ/1806م(5). ولذلك عزم الإمام سعود في العام التالي على تقوية نفوذه في شمال عمان والباطنة ومسقط مفيدًا من الانقسامات القبلية داخل الاتحاد القاسمي، وصغر سن السيد سعيد بن سلطان وقلة خبرته وفقدانه ولاء كثير من الزعماء العمانيين بسبب عدم تقديره لهم، وبالتالي فقده السيطرة على بعض الأقاليم العمانية(6). أرسل الإمام سعود في خريف عام 1222هـ/ 1807م قائده المشهور مطلق المطيري على رأس حملة قوية إلى عمان، وزوده بصلاحيات واسعة لمساعدة الزعماء العمانيين المغاضبين للسيد سعيد والتعاون معهم لإعادة فرض النفوذ السعودي في عمان. وقد نجح المطيري في التحالف مع أبرز زعماء عمان، واجتاح بهم وبأتباعهم ساحل الباطنة، وأخذوا يستولون على بلدانها حتى اقتربوا من المصنعة، ودخلوا إلى وادي سمايل، مما اضطر السيد سعيد إلى طلب الصلح وإرسال وفد إلى الدرعية في نهاية عام 1223هـ/1808م(7). عزم المطيري أيضاً على تقوية سلطة الدولة السعودية في شمال عمان أو "عمان الصير" وإلغاء مفعول الاتفاق الذي توصل إليه الشيخ سلطان بن صقر مع البريطانيين عن طريق إضعاف سلطة الشيخ سلطان على الاتحاد القاسمي، فأخذ يعين على بلدان القواسم وموانئهم أمراء يرتبطون به، وليس بشيخ القواسم، فقد عيّن الشيخ حسين بن علي في الرمس، والشيخ محمد بن أحمد الطينجي في شناص، والشيخ راشد بن حميد النعيمي في عجمان(8). وفي أواخر عام 1223هـ/1808م عزل المطيري الشيخ سلطان بن صقر عن مشيخة القواسم، وعين الشيخ حسين بن علي شيخ الرمس وأحد زعماء الاتحاد القاسمي وكيلاً سعودياً في عمان الصير، وزاد في مقدار الزكاة التي يجب أن يرسلها الوكيل الجديد إلى الدرعية، وأمره بإقامة الجهاد في البحر(9). وفي العام التالي (1224هـ/1809م) استدعى الإمام سعود الشيخ سلطان بن صقر إلى الدرعية، وأمره بالإقامة فيها(10). أصبح زعيم القواسم الجديد أو الوكيل السعودي في عمان الصير أكثر انقياداً للحاكم السعودي، وأشد تحمساً لتنفيذ سياسته في المنطقة؛ لأن الفضل يعود إلى السعوديين في وصوله إلى السلطة، كما أن زعماء القواسم الآخريـن لا يدينــون له بمناصبهــم؛ لأن المطيري هو الذي ثبتهــم فيها. وفي حين كان مطلق المطيري وحلفاؤه العمانيون يهاجمون بلدان الباطنة ومناطق عمان الداخلية خلال عامي 1223-1224هـ/1808-1809م كان الشيخ حسين بن علي يرسل فرقاً من أسطوله البحري لمهاجمة المراكب العمانية والهندية والبريطانية في مياه الخليج وبحر العرب وسواحل الهند. بل إن الوكيل السعودي بلغ به أن طلب من حكومة بومبي دفع رسوم لقاء دخول مراكبها التجارية إلى الخليج العربي وحمايتها(11). وقد شجعت الحملات البرية والبحرية الناجحة التي كان يقوم بها قادة الإمام سعود في عمان والبحار ذلك الإمام لإخضاع جميع الأقاليم العمانية لحكمه المباشر، فأرسل إلى السيد سعيد يهدده بمهاجمة مدينة مسقط بنفسه، بعد عودته من حج عام 1224هـ/1809م إذا لم يقم بإرسال أسطوله لمهاجمة أعداء الدولة السعودية(12). عندما عاد الكابتن ديفد سيتون (David Seton) المقيم السياسي البريطاني في مسقط إلى مقر عمله في بداية عام 1224هـ/1809م ذهل من تعاظم النفوذ السعودي في عمان، فأخذ في كتابة التقارير إلى حكومة بومبي يشرح لها مدى ما وصلت إليه أوضاع عمان، وكيف أن حكومة مسقط وصلت إلى الغاية من عدم الاستقرار، وأن السيد سعيد فقد السيطرة على البلاد ما عدا المناطق الساحلية التي لم يتمكن من حمايتها من السعوديين إلا عن طريق الخضوع التام لهم، وأن أغلب سكان مسقط قد غادروها، وأن حكومة مسقط تطلب مساعدة البريطانيين، وأنه إذا لم تسارع حكومة الهند إلى التدخل، فإن السعوديين - حسب رأيه - سيستولون على مسقط، وسيقضون على تجارتها وتجارة الخليجين (الخليج العربي والبحر الأحمر)، وسيهاجمون تجارة سواحل الهند، وسيحولون العمانيين إلى قراصنة كما فعلوا مع القواسم(13). وكان الكابتن سيتون يرى أن حاكم مسقط لن يتمكن من الدفاع عن مناطقه إلا باستعادة موانئ شمال الباطنة، لكنه لن يتمكن من ذلك دون مساعدة عسكرية وبحرية من الهند(14). اقتنعت حكومة الهند البريطانية بآراء الكابتن سيتون، فكلفت حاكم بومبي بإعداد حملة بريطانية لضرب القواسم ومساعدة حاكم مسقط ضدهم، وعهدت بقيادة تلك الحملة إلى الكولونيل ليونيل سميث (Lionel Smith) والكابتن ج. وين رايت (J. Wain Wright). وحددت أهدافها بتدمير موانئ القواسم ومراكبهم، ومساعدة حاكم مسقط على طردهم من ساحل الشمالية، وفرض معاهدة على القواسم تلزمهم بوقف (القرصنة) وإقامة قاعدة في مدخل الخليج تكون مقراً لمقيمية بريطانية، يمكن منها مراقبة القواسم وغيرهم، وقد حذر حاكم عام الهند وحاكم بومبي قواد الحملة من القيام بأي عمليات عسكرية على البر، أو الاحتكاك بالسعوديين، أو استخدام الجنود والبحارة ضد أي قوات تابعة لهم(15). أبلغت حكومة بومبي السيد سعيد بأن الحملة قد أرسلت لتأديب القواسم ومساعدته ضدهم، وذلك بناء على طلبه، وطلبت منه الاشتراك معها في ذلك، وتقديم كل ما تحتاج من مساعدة ممكنة(16). وقد وصلت الحملة إلى مسقط في رمضان 1224هـ/ أكتوبر 1809م، وفي الشهر التالي بدأت في مهاجمة وتدمير مراكب وموانئ القواسم على الساحلين العربي والفارسي للخليج، ونجحت في ذلك، لكنها فشلت في طرد القواسم من ساحل الشمالية وحماية حاكم مسقط منهم، والتوصل إلى اتفاق معهم، وإقامة قاعدة بريطانية في مدخل الخليج، وتجنب استفزاز السعوديين(17). ظن الإمام سعود وقادته أن السيد سعيد هو الذي استدعى الحملة البريطانية وتعاون معها لضرب أتباعهم القواسم، فقرروا الانتقام منه بعد رحيل البريطانيين. تلقى المطيري قوات جديدة، وتقدم بحوالي ثمانية آلاف مقاتل في أواخر عام 1225هـ/1810م، وفرض حصاراً على بلدة صحار، ولما عجز عن اقتحامها تجاوزها، وشكل من جيشه ثلاث فرق، أسند قيادة إحداها لابنه، والثانية لحليفه العماني الشيخ محمد بن ناصر الجبري، وتولى هو قيادة الفرقة الثالثة، وتقدمت هذه الفرق باتجاه الباطنة ومسقط وداخل عمان. وقد سيطر الجبري على وادي سمايل، وتقدم من هناك إلى أزكى(18)، أما المطيري وابنه فقد استوليا على أغلب المناطق المحيطة بموانئ مطرح وبركة والسويق، وألحقا بالسيد سعيد هزيمة شديدة في وادي المعاول(19)، وأجبراه على الاحتماء بسور مدينة مسقط(20). وقد أكد لوريمر (Lorimer) أنه في عام 1810م (1225هـ) وبعد الحملة البريطانية على القواسم مباشرة أن قوة الدولة السعودية ونفوذها في الخليج وهيمنتها على شؤون المنطقة قد وصلت إلى أعلى درجاتها(21). أجبر هذا الامتداد السعودي لأقاليم عمان الداخلية السيد سعيد على الاستنجاد مرة أخرى بحاكم بومبي، جوناثان دنكن (Jonathan Duncan)، وطلب منه قوات لصد العدو المشترك، متذرعاً بأن تعاونه مع حلفائه البريطانيين في الحملة الأخيرة قد ورطه في حرب عنيدة مع السعوديين الذين كانوا في سلام معه قبل ذلك، وأنه رفض عروضًا عدة قدمها له السعوديون بسبب صداقته للبريطانيين(22). أغضبت هذه الحجج المسؤولين البريطانيين، واتضح لهم أن حاكم مسقط كان يرفض عروض السعوديين للسلام معتمداً على علاقته بحكومة الهند مظهراً أن تلك الحكومة القوية حليفة له في صراعه مع السعوديين، مما سيجرها إلى الصدام معهم، وهي لا تريد ذلك(23). فأصدر حاكم الهند العام تعليماته إلى حاكم بومبي بأن يبلغ السيد سعيد أنه ليس هناك أي داع لادعائه بأن الحكومة البريطانية طرف في حربه مع السعوديين، وأن تلك الحكومة لا يعنيها النـزاع بينه وبينهم، وأن على حاكم مسقط أن يجنح إلى السلم الذي طلبه السعوديون إذا لم تكن شروطه تتعارض مع شرف حكومته وأمنها، وأنه من الأفضل ألا يشير في رده على أي عرض من السعوديين إلى علاقته بالحكومة البريطانية التي تعد نفسها في حالة سلام معهم(24). لقد أدرك البريطانيون بعد حملة عام 1224هـ/1809م مدى قوة النفوذ السعودي على القواسم الذي حال دون تحقيق أهم أهداف تلك الحملة، كما أدركوا مدى ضعف قوة حاكم مسقط وعجزه عن خدمة أهدافهم في المنطقة، كالتصدي للقواسم والقضاء على (القرصنة) وحماية التجارة في الخليج، كما أدركوا أيضاً أن السيد سعيد يسعى إلى توسيع نفوذه في المنطقة معتمداً على حلفه مع حكومة الهند، وأنه يتفادى الوصول إلى تفاهم مع السعوديين والقواسم لإجبار تلك الحكومة على تقديم المساعدة العسكرية له ضدهم، مما سيورطها في حرب معهم. لذلك، قرر الحاكم العام الابتعاد بحكومته عن الارتباط بحكومة مسقط، فلم يعد فتح المقيمية البريطانية هناك، ورفضت حكومة بومبي بسرعة تقديم المساعدة ضد هجمات المطيري(25).