عرض مشاركة مفردة
  #5  
قديم 15-04-2006, 06:45 AM
المكتبة المكتبة غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2005
المشاركات: 136
إفتراضي


2/ شبهة أنهم قتلوا مسلمين

السؤال الثامن:

شكر الله لك يا شيخ هذا التوضيح والاستطراد، وهو استطراد في محله إن شاء الله، غير أنه بقيت هناك شبهة وهي قولهم إن هؤلاء قد قتلوا إخوانهم من المسلمين، وفي هذا من نصوص الوعيد وتحريم قتل المسلمين ما لا يخفى فماذا تقولون رداً على هذه الشبهة، حفظكم الله ورعاكم؟

الشيخ: أولاً يا أخ محمد لا بد أن نقرر قاعدة مهمة في قضايا الجهاد، وهي أن الخطأ الناجم عن اجتهاد أو تأويل فإنه يعفى عنه ولا يضمَّن فاعله وهذا أمر متقررٌ في الجهاد ومسائله، هناك عدة أدلة على هذه القاعدة نورد بعضها على سبيل المثال فمن ذلك: أن أسامة رضي الله عنه، حينما قتل - في أحد البعوث والسرايا - رجلاً من المشركين بعد أن قال لا إله إلا الله، وعنفه رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك وقال أسامة مبرراً قتله للرجل: إنه قالها متعوذا من السيف، فقال له عليه الصلاة والسلام: أشققت عن قلبه؟! والقصة مشهورة. فمع أن النبي صلى الله عليه وسلم أنكر عليه ذلك إلا أنه لم يأمره بدفع الدية ولا بكفارة القتل الخطأ، فلم يضمّنه لأن خطأه كان عن اجتهاد وتأويل.

و كذلك لما غزا خالد رضي الله عنه قوما من العرب فبدلاً من أن يقولوا أسلمنا قالوا صبأنا، ومع ذلك قاتلهم خالد رضي الله عنه وأعمل فيهم السيف حتى إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلن براءته مما صنع خالد، ومع ذلك لم يُضمّنه لا هو ولا أحدا ممن قاتل معه مع أنهم قتلوا مسلمين ولكن كان ذلك الخطأ عن اجتهاد وتأويل.

إذا تقرر هذا فإنه لو قدرنا أن إخواننا المجاهدين أخطأوا في فعلهم هذا فإن خطأهم هذا مغفور لهم إن شاء الله لأننا نجزم أن قصدهم بالقتل هو الصليبيين وليس المسلمين وهذا هو الظن بهم مع أننا نعتقد أنهم ليسوا مخطئين، ويجوز لهم قتل المسلمين في مثل هذه الحال التي لا يمكن معها تمييز المسلمين عن الكفار بسبب اختلاطهم بهم. وقد تقدم تقرير قاعدة أنه يجوز تبعا ما لا يجوز قصداً واستقلالاً، وقتل المسلمين هنا كان تبعا ولم يكن استقلالاَ، وكان المقصود بالقتل النصارى الصليبيين.

و قد أفتى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى بذلك، وهو ما يعرف بمسألة التترس المشهورة، قال رحمه الله: «وقد اتفق العلماء على أن جيش الكفار إذا تترسوا بمن عندهم من أسرى المسلمين وخيف على المسلمين الضرر إذا لم يقاتلوا، فإنهم يقاتلون وإن أفضى ذلك إلى قتل المسلمين الذين تترسوا بهم، وإن لم يخف على المسلمين ففي جواز القتال المفضي إلى قتل هؤلاء المسلمين قولان مشهوران للعلماء. وهؤلاء المسلمون إذا قتلوا كانوا شهداء، ولا يترك الجهاد الواجب لأجل من يقتل شهيداً، فإن المسلمين إذا قاتلوا الكفار فمن قتل من المسلمين يكون شهيدا، ومن قتل- وهو في الباطن لا يستحق القتل - لأجل مصلحة الإسلام كان شهيدا، وقد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ”يغزو هذا البيت جيش من الناس فبينما هم ببيداء من الأرض إذ خسف بهم فقيل يا رسول الله وفيهم المكره فقال يبعثون على نياتهم“ فإذا كان العذاب الذي ينزله الله بالجيش الذي يغزو المسلمين ينزله بالمكره وغير المكره فكيف بالعذاب الذي يعذبهم الله به أو بأيدي المؤمنين؟! كما قال تعالى: (قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا) ونحن لا نعلم المكره ولا نقدر على التمييز، فإذا قتلناهم بأمر الله كنا في ذلك مأجورين ومعذورين، وكانوا هم على نياتهم فمن كان مكرها لا يستطيع الامتناع فإنه يحشر على نيته يوم القيامة، فإذا قتل لأجل قيام الدين لم يكن ذلك بأعظم ممن يقتل من عسكر المسلمين». أهـ مجموع الفتاوى 28/547

فهذا شيخ الإسلام رحمه الله - كما ترى - يقرر أن العلماء متفقون على هذه المسألة وأننا إذا لم نستطع الوصول إلى الكفار وقتالهم إلا بالوقوع في قتل المسلمين، فإن هذا جائز لنا طالما خفنا الضرر على المسلمين، وحتى في حالة عدم خوف الضرر فهناك من العلماء من يجيز هذا، وظاهر كلامه رحمه الله أنه يؤيد هذا لأنه علل ذلك بقوله ”ولا يترك الجهاد الواجب لأجل من يقتل شهيدا“ فهو يرى الجواز في كلتا الحالتين سواء خفنا الضرر على المسلمين أو لم نخف، فيجوز لنا قتال الكفار وإن أفضى ذلك إلى قتل المسلمين الذين عندهم أو معهم.




3/ شبهة أن مسألة التترس خاصة بصورة التحام الصفوف

السؤال التاسع:

تأصيلٌ جيدٌ يا شيخ، ولكني سمعت بعضهم يقول إنه لا يصح الاستدلال بهذه المسألة لأنها خاصة ومتعلقة بصورة معينة في الحرب عند التقاء الصفوف، لا أن يقتل المسلمون في كل حال، فبماذا تردون - أيدكم الله - على هذا الكلام؟

الشيخ: للأسف يا أخي الكريم أن هؤلاء الذين يتمسحون بالعلم الشرعي، إما أنهم لا يفقهون مثل هذه المسائل العظيمة فيكون كلامهم هذا سببه الجهل وقلة الفقه، وإما أنهم يريدون التلبيس على المسلمين وإضلالهم بمثل هذه الشبهات إرضاءً للحكام والولاة، وشيخ الإسلام رحمه الله قد ذكر هذه المسألة في مواضع عدة من كتبه، ومن تأمل كلامه رحمه الله الذي أوردناه آنفاً وما ذكره في تلك المواضع يدرك فساد هذا القول الذي يفرق بين حال المواجهة والتحام الصفوف، وبين غيرها من أحوال الحرب.

إن شيخ الإسلام علق الحكم على خوف الضرر، وهذا يدلك على أن المسألة متعلقة بالقاعدة المعروفة وهي أنه يجوز ارتكاب أدنى المفسدتين لدفع أعلاهما، أو ما يسمى بارتكاب أخف الضررين، ولا شك أن قتل المسلمين مفسدة، ولكن علو الكفار في الأرض وسيطرتهم على بلاد المسلمين وإذلالهم وقهرهم ونهب ثرواتهم وتدخلهم في سياسات التعليم وتغيير المناهج وغير ذلك من الأمور التي قد تفضي إلى وقوع المسلمين في الفتنة العظيمة في الكفر والشرك والردة والتفسخ والانحلال، لا شك أن هذا أعظم وأكبر مفسدة من مفسدة قتل المسلمين وقد قال الله تعالى: (وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ) والفتنة هنا هي الردة والكفر والعياذ بالله، ولقد رأينا كيف تؤثر هذه العمليات المباركة في الضغط على الكفار وإضعافهم وقذف الرعب في قلوبهم، الأمر الذي سوف يحقق ما ننشده ونصبوا إليه إذا توالت عليهم الضربات بهذه الصورة بحول الله تعالى وقوته.

و مما يؤكد الكلام الذي ذكرته أن شيخ الإسلام رحمه الله قال في أحد المواضع التي كان يقرر فيها هذه القاعدة العظيمة - أعني قاعدة ارتكاب أخف الضررين - قال رحمه الله:

”وكذلك في باب الجهاد وإن كان قتل من لم يقاتل من النساء والصبيان وغيرهم حراما، فمتى احتيج إلى قتال قد يعمهم مثل الرمي بالمنجنيق والتبييت بالليل جاز ذلك، كما جاءت فيها السنة في حصار الطائف ورميهم بالمنجنيق، وفى أهل الدار من المشركين يبيتون، وهو دفع لفساد الفتنة أيضا بقتل من لا يجوز قصد قتله، وكذلك مسألة التترس التي ذكرها الفقهاء فان الجهاد هو دفع فتنة الكفر، فيحصل فيها من المضرة- يعني مضرة قتل المسلمين - ما هو دونها- أي دون مضرة فتنة الكفر - ولهذا اتفق الفقهاء على أنه متى لم يمكن دفع الضرر عن المسلمين إلا بما يفضي إلى قتل أولئك المتترس بهم جاز ذلك، وإن لم يخف الضرر لكن لم يمكن الجهاد إلا بما يفضي إلى قتلهم ففيه قولان، ومن يسوغ ذلك يقول قتلهم لأجل مصلحة الجهاد، مثل قتل المسلمين المقاتلين، يكونون شهداء“. أ هـ مجموع الفتاوى 20/52 - 53

فأنت تلحظ في كلام شيخ الإسلام هذا كيف أنه يركز على قضية دفع مفسدة الكفر وفتنته وأنها أعظم المفاسد وأعلاها، وكل ما سواها من المفاسد فهو دونها وذكر لذلك عدة أمثلة منها مسألة التترس التي نحن بصدد الكلام عليها.