
18-04-2006, 05:17 AM
|
من كبار الكتّاب
|
|
تاريخ التّسجيل: Oct 2005
الإقامة: فرنسا
المشاركات: 6,264
|
|
فالواجب في مثل هذه الآيات والأحاديث الداخلة في باب ( الصفات ) إثبات ما أثبته الله ورسوله، ونفي ما نفاه الله ورسوله، والألفاظ التي ورد بها النص يُعتصم بها في إثبات الصفات ونفيها؛ فنثبت ما أثبته الله ورسوله من الألفاظ والمعاني، وننفي ما نفته نصوصهما منهما. وأما الألفاظ التي لم يرد نفيها ولا إثباتها فلا تطلق حتى يُنظر في مقصود قائلها؛ فإن كان معنى صحيحًا قُبِلَ، لكن ينبغي التعبير عنه بألفاظ النصوص، دون الألفاظ المجملة .
وقد أطبقت كلمة الأئمة المتقدمين على أن ما ورد في ( باب الصفات ) من الآيات والأحاديث، ينبغي حمله على ظاهره، من غير تأويل أو تحريف أو تعطيل أو تمثيل؛ وأن ظاهرها لا يقتضي تمثيل الخالق بالمخلوق. فقد ثبت عن الإمام مالك أنه سئل عن الاستواء، فقال: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة.
وسئل سفيان الثوري عن ذلك أيضًا، فقال: أفهم من قوله: { الرحمن على العرش استوى } ما أفهم من قوله: { ثم استوى إلى السماء } (فصلت:11) .
ففي كل هذه الأقوال ما يفيد أن ( الاستواء ) معلوم من حيث اللغة؛ والكيف مجهول، أي: حقيقة تلك الصفة مجهولة لنا، لا دليل عندنا عليه، ولا سلطان لنا به؛ والسؤال عنه بدعة، أي: الاستفسار عن الكيفية بدعة؛ لأنه ليس من هدي السلف، ولأنه أمر لا يمكن إدراكه أو الوصول إليه، وما جزاء المبتدع إلا أن يطرد ويبعد عن الناس خوف أن يفتنهم؛ لأنه رجل سوء، وداعية فتنة .
وقد رُوي عن بعض أهل العلم، أنه سئل عن الآيات والأخبار التي فيها من صفات الله تعالى، فقال: نمرها كما جاءت، ونؤمن بها، ولا نقول: كيف وكيف .
قال ابن الصلاح : وعلى هذه الطريقة مضى صدر الأمة وسادتها، وإياها اختار أئمة الفقهاء وقادتها، وإليها دعا أئمة الحديث وأعلامه، ولا أحد من المتكلمين من أصحابنا يصدف عنها ويأباها .
وقد أفصح الإمام الغزالي عن موقف السلف من هذه المسألة في كتابه ( إلجام العوام عن علم الكلام ) وهو آخر تصانيفه - رحمه الله - في أصول الدين، وحث فيه على التزام مذهب السلف، ومن تبعهم في هذه المسألة .
فالعمدة فيما جاء في ( باب الصفات ) الأدلة القطعية التي توافرت على أنه تعالى: { ليس كمثله شيء } وقد أُكدت هذه الحقيقة في كثير من الآيات القرآنية، كقوله سبحانه: { قل هو الله أحد * الله الصمد * لم يلد * ولم يولد * ولم يكن له كفوا أحد } وقوله تعالى: { يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد } (فاطر:15) والنصوص في الكتاب والسنة كثيرة ومستفيضة، تؤيد هذه الحقيقة وتؤكدها .
هذا قول مجمل في موضوع آيات الصفات وما شاكلها من أحاديث، ويمكن التوسع في هذا الباب بالرجوع إلى ما كتبه الشيخ الزرقاني في كتابه ( مناهل العرفان ) وأيضًا ما كتبه الشيخ ابن عثيمين في كتابه ( تقريب التدمرية ) .
وحاصل القول في موضوع المحكم والمتشابه الوارد في القرآن، أنه من جهة اللغة لا تنافي بينهما؛ إذ القرآن كله محكم بمعنى أنه متقن غاية الاتقان، وهو أيضًا متشابه، بمعنى أنه يصدق بعضه بعضًا؛ أما من جهة الاصطلاح، فالمحكم ما عُرف المقصود منه، والمتشابه ما غَمُض المقصود منه. وظهر لنا أيضًا الموقف السليم من النصوص الواردة في باب الصفات، وأن القول الصواب فيها ما ذهب إليه السلف من إجراء تلك النصوص على ظاهرها، دون أن يقتضي ظاهر تلك النصوص تمثيل الخالق بالمخلوق
|