عرض مشاركة مفردة
  #3  
قديم 18-04-2006, 03:32 PM
صمت الكلام صمت الكلام غير متصل
كنتـُ هيّ ..!
 
تاريخ التّسجيل: Mar 2006
الإقامة: QaTaR
المشاركات: 4,043
إفتراضي

ومن ثم فإن الحقوق الإنسانية للمرأة التى تتحدث عنها الاتفاقية هى حقوق لإنسان - عبارة عن امرأة، أية امرأة - يمثل وحدة كمية مستقلة بسيطة، أحادية البعد، غير اجتماعية وغير حضارية، لا علاقة لها بأسرة أو مجتمع أو دولة أو مرجعية تاريخية أو أخلاقية.

وهناك عدة مفاهيم أساسية تمثل منظومة المفاهيم الحاكمة لاتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، وهى فى مجملها تمثل جوهر مفاهيم الحضارة الغربية، ونظرتها للإنسان والكون والحياة، وتصوراتها للخالق ومساحات الثابت والمتغير فى الحياة الإنسانية.

3- أما أهم هذه المفاهيم الحاكمة على الإطلاق والتى تمثل الفلسفة الكامنة لاتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة CEDAW فهى:

مفهوم القانون الطبيعى Natural Law، المرتبط بذاتية الإنسان من الناحية الطبيعية، بغض النظر عن فكره ومنهجه وعقيدته، وهذا الحق الطبيعى يطلق عليه (الحرية) وهى كلمة تدل على استطاعة، أى: على حركة مفكرة.

والقانون الطبيعى ليس قانونًا بالمعنى الدقيق، ولكنه مجرد (افتراض) أن هناك قواعد عقلانية منطقية سابقة على وجود الجماعة البشرية، وأن هذه القواعد تلقى قبولاً عامًّا من الإنسان، وأنها هى مرجع القوانين الوضعية ومعيارها، وأنها تحتوى على (حقوق طبيعية) للإنسان، تولد معه وتظل لصيقة به، ومن ثَمَّ فهى تحدٍّ من سلطة الدولة فى علاقتها بالأفراد، فى الوقت الذى لا تفرض فيه على الفرد أية واجبات مقابل تمتعه بهذه الحقوق وممارسته لها.

لذلك يكون الإنسان فى هذا التصور الكلى مُشَرِّعَ نفْسِه، ضابطَ حَقِّه، رافضًا أن يكون شرعه مُنَـزَّلاً، أو أن ينبثق من الطبيعة الموجودة، الاجتماعية أو البيولوجية الحسية، إنها طبيعة قيمية، إيمانها الوحيد الإنسان، وليس ما فوق الإنسان، ومصدرها العقل النظرى.

والمساواة المطلقة بين الرجل والمرأة بما يقربها من درجة التماثل أو التطابق التام، تلك المساواة التى تشمل جميع مناحى الحياة كحل أوحد وأساس، تقوم على رفض حقيقة وجود تمايز فى الخصائص والوظائف بين الرجل والمرأة.

والفردية، بمعنى النظر للمرأة كفرد، وليس كعضو فى أسرة يتكامل فيها الزوجان، ذلك أن الحضارة الأوربية تقوم على الفرد والفردية، ولذلك ذهب أصحاب تحرير المرأة إلى النظر إليها باعتبارها فردًا وإنسانًا، وهذا ما يتعارض مع نظرية الإسلام الذى وإن اعترف للمرأة بما توجبه إنسانيتها من حقوق، فإنه لا يقوم - أصلاً - على نظرية الغاية الفردية، وله نظرة وسطية متوازنة بين الفردية والجماعية، ويحترم الفطرة الإنسانية التى فطر الله الناس عليها، وتظهر فى مجال المرأة، باعتبارها إنسانًا وأنثى، وأنها والرجل صنوان فى الحقوق الإنسانية العامة وفى خطاب التكليف وفى الثواب والعقاب ووضع قيمًا وضوابط لتنظيم العلاقة بينهما، وأن تصرفاتهما والعلاقة بينهما تحكمها آداب تكبح جماح الإرادة الشَّرود، أو العاطفة النـزقة.

وحتمية الصراع وديمومته لتنال المرأة حقوقها، فالخطاب المتمركز حول الأنثى هو خطاب يؤدى إلى تفكيك الأسرة، ويعلن حتمية الصراع بين الذكر والأنثى، وضرورة وضع نهاية للتاريخ الذكورى الأبوى، وبداية التجريب بلا ذاكرة تاريخية، وهو خطاب يهدف إلى توليد القلق والضيق والملل وعدم الطمأنينة فى المرأة، عن طريق إعادة تعريفها، بحيث لا يمكن أن تحقق هويتها إلا خارج إطار الأسرة.

وتمثل تلك الأسس (المسَلَّمات) إفرازًا لبيئة الحضارة الغربية*، وهى ذات صلة عميقة بتصورات تلك الحضارة لعناصر الوجود الأساسية والكون والحياة.

4- لقد أضفت الاتفاقية على حقوق المرأة التى نصت عليها حماية قانونية لم تضفها اتفاقية أخرى، خاصة الإعلان العالمى لحقوق الإنسان لسنة 1948، والاتفاقيتان الخاصتان بالحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية لسنة 1966، وهى جميعًا شاملة للرجال والنساء جميعًا.

وينتج عن ذلك أن إعطاء ضمانات قانونية وإجرائية ورقابية لحقوق النساء خاصة، وترك حقوق الرجال دون ضمانات يخل بالمساواة بين الجنسين، بحيث تصبح النساء فى مركز قانونى وعملى متميز عن الرجال، وذلك بدعوى المساواة بينهما، وذلك من ناحيتين:

أ- ناحية الضمانات التى أشرنا إليها، وهى عامة شاملة لجميع الحقوق.

ب- ناحية النص على حقوق للنساء لم يرد النص على مثيلها للإنسان عمومًا، حتى يتمتع بها الرجال، وعلى سبيل المثال:

1- المادة (7) والتى تنص على مفردات المشاركة فى الحياة السياسية العامة للبلد.

2- المادة (10) والتى تنص على خفض معدلات ترك المدرسة قبل الأوان.

3- المادة (11 فقرة 2) والتى تنص على توفير حماية خاصة فى الأعمال التى يثبت أنها مُؤذِيَة.

5- بالنسبة للمادتين (2) و (16) فلا تجيز متابعة تنفيذ الاتفاقية التحفظ على هاتين المادتين، فقد جاء فى البيان الذى أصدرته لجنة الاتفاقية بالأمم المتحدة بمناسبة الذكرى الخمسين للإعلان العالمى لحقوق الإنسان بتاريخ يوليو 1997 ما يلى:

(تعتبر اللجنة المادتين (2،16) جوهر الاتفاقية، ولا يجوز التحفظ عليهما بموجب المادة (28 فقرة 2) من الاتفاقية التى تحظر التحفظ الذى ينافى موضوع الاتفاقية وغرضها، كما أن التحفظ عليهما يعتبر أيضًا منافيًا لأحكام القانون الدولى العام، وأن تعارض المواد (2، 16) مع الممارسات التقليدية أو الدينية أو الثقافية لا يمكن أن يبرر انتهاك الاتفاقية، وأن التحفظ على المادة (16) - الخاصة بالأسرة - سواء أكان لأسباب قومية أو تقليدية أو دينية، فإنه يعتبر منافيًا لموضوع الاتفاقية وغرضها، وبالتالى لابد من سحبه).

إلا أن ذلك يتناقض تناقضًا تامًّا مع ما جاء فى كتاب: (التمييز ضد المرأة - الاتفاقية واللجنة)، الصادر عن الأمم المتحدة، عند الحديث عن المادة (28 فقرة 2) الخاصة بالتحفظ على الاتفاقية: أن اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة تجيز للدول الأطراف أن تبدى تحفظًا - أى إعلانًا رسميًّا - بشأن أنها لا تقبل أن يكون جزء معين، أو أن تكون أجزاء معينة من المعاهدة ملزمة لها.

وليس لدى اللجنة سلطة تقرير ما إذا كانت التحفظات متنافية أو لم تكن متنافية مع مقصد الاتفاقية وموضوعها، فمسألة التنافى يمكن أن تجيب عليها محكمة العدل الدولية، ولكن لم تطلب أية دولة حتى الآن رأيًا استشاريًّا من هذه المحكمة، بشأن توافق التحفظات، أو بشأن مدى ما يجب أن تكون عليه من تحديد.

6- وكما تفرض الاتفاقية رؤية واحدة ومنهجًا واحدًا فى الحياة، تفرض أيضًا مصطلحات ومفاهيم لا يمكن إدراكها من حيث النشأة والاستخدام إلا فى سياقاتها الغربية، ومن ذلك مفهوم الأدوار النمطية بمعنى القضاء على دور الأم المتفرغة لرعاية أطفالها، ودور الأب فى الأسرة، وقد ألحقنا بيانًا بمصطلحات الاتفاقية فى آخر هذه الدراسة.

7- ومن ثم فإن نقد الإطار العام للاتفاقية يعنى رفض ثلاثة أشياء:

- الفلسفة الكامنة خلف الاتفاقية، والرؤية العامة للإنسان والكون التى تحملها الاتفاقية.

- المنهج فى الحياة الذى تروج له، بل وتلزم به مختلف الأمم والشعوب.

- المفاهيم والمصطلحات المستخدمة فى سياقاتها
__________________
الرد مع إقتباس