عرض مشاركة مفردة
  #2  
قديم 22-04-2006, 02:41 PM
لظاهر بيبرس لظاهر بيبرس غير متصل
Banned
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2006
المشاركات: 285
إفتراضي

"والمس بل" هذه عضوة "المكتب العربي" مكتب المخابرات الانكليزية في القاهرة، التي سبق لها أن شكلت ما سمتها المخابرات باسم "رابطة أنصار الحرية في مصر" فخدعت بها بعض المصريين، وضمت إليها عدداً آخراً من المخدوعين، ومن ثم انتقلت للعمل في فرع آخر للمخابرات البريطانية هو ما عرف باسم "المكتب الهندي".

هذه "المس بل" جاءت إلى حائل بعد اغتيال عبد العزيز المتعب آل رشيد الذي رفض التعاون مع الانكليز وابن سعود، واتصلت ـ بخليفته وابنه ـ الأمير سعود آل رشيد وقالت له: (أن الانكليز سيمدونك بالمساعدات وسنلبي لك ما تريد في حال موافقتك على عقد معاهدة صداقة مع الانكليز، واعترافك بأحقية حكم الأمير عبد العزيز بن سعود على نجد".. فرفض الأمير سعود آل رشيد هذا المطلب الانكليزي، وكان في رفضه ذلك صدمة جديدة للانكليز وعميلهم عبد العزيز آل سعود، كما كان في رفضه.

ولم يكن لعبد الله الطلال آل رشيد الذي اغتاله آل سعود فيما بعد، يد مباشرة مع الإنكليز أبداً، ولكنه كان ضحية ايحاءات غير مباشرة من الانكليز كما قلنا. وكان هناك من سكان حائل ومن قبيلة شمر من اتصل مع الانكليز بواسطة عبد العزيز آل سعود وتآمر وحرض للتخلص من سعود العبد العزيز الرشيد، نظراً لأن سعود الرشيد كان مجال الثقة والتقدير من أهل حائل وقبيلة شمر القوية، وقد عرف عنه الحزم والشجاعة وطيبة القلب وحسن الإدارة بالرغم من حداثة سنة..


بداية نهاية سعود آل رشيد

بدأ المحرضون لعبد الله الطلال آل رشيد ضد ابن عمه سعود العبد العزيز آل رشيد لاغتياله والحلول محله، دون أن يدر عبد الله الطلال ان وراء هذا التحريض أيدي خفية انكليزية سعودية، تريد الاطاحة بهذه العقبة (سعود الرشيد) ومن ثم تفريق قبيلة شمر، وذات يوم خرج سعود العبد العزيز آل رشيد بعد الظهر إلى جبال حائل في مكان إسمه "الغبران" وكان صائماً، واصطحب معه عدد من مرافقيه وهم: سليمان العنبر، ودرعان الدرعان، وراشد الحسين، والذعيت، وسلامة القريح، ومهدي "أبو شرّين" بالإضافة إلى ابن عمه الفتى عبد الله المتعب آل رشيد البالغ من العمر 12 سنة (والذي اغتاله آل سعود فيما بعد عام 1946 في الرياض).. فعرف عبد الله الطلال آل رشيد بخروج ابن عمه سعود فصمم على اغتياله، فلحق به في طريق الرحلة ورافقه حتى المكان المقصود وهو "الغبران" في جبل طيء، وكان يرافق ابن طلال خادمه ابراهيم المهوّس، وكانا مسلحين، أما الأمير سعود آل رشيد فلم يكن معه وبعض رفاقه سوى سلاح الصيد، وكان الجميع خيالة..

ووصل الجميع الى الغبران، وجلس الأمير سعود متكأ على صخرة بسفح الجبل وبالقرب منه الذعيت الذي قام يتمشى، وكذلك عبد الله المتعب الرشيد، وعن يمينه سليمان العنبر، وعن يساره عبد الله الطلال، الذي تأخر خلفه مسافة مترين، وبجانب الطلال ابراهيم المهوس، وقد تفرق بقية المرافقين للتدرج بعيداً عن المكان غير مدركين لما سيحدث خلال دقائق!.

وفي تلك اللحظات أخرج عبد الله الطلال برتقالة كانت معه، ثم استأذن ابن عمه الأمير ليضعها هدفاً للرمي، فوافق الأمير سعود آل رشيد، فصوب سعوداً بندقيته نحو الهدف فأصابه بدقة،فوضعوا غيره فاستأذن ابن طلال لرمي الهدف! فرمى الهدف وأصابه بدقة.. وما أن صوب الأمير سعود آل رشيد بندقيته ثانية نحو الهدف حتى صوب عبد الله الطلال بندقيته من خلفه نحو الهدف سعود الرشيد، وحالما رمى سعود الرشيد الهدف ثانية أطلق عبد الله الطلال من بندقيته نحو هدفه!… وكان هدفه هو: رأس ابن عمه الأمير سعود الرشيد، فسقط سعود في عبّ سليمان العنبر الذي ضمه وهو يردد: خير!.. ظنّاً منه أن بندقيته رفسته!.. ولكنه ما أن رفعه حتى رأى الدم يتفجر من رأسه ومن عنقه!، وفي تلك اللحظة أمطر ابن طلال سليمان العنبر بست رصاصات أصابت ثلاث منها جنبه وثلاث منها قدمه، فتظاهر ـ العنبر ـ بالموت وارتمى فوق ـ الفتى ـ عبد الله المنعب الرشيد خوفاً من أن يقتله ابن طلال، وحينها قفز القاتل إلى صهوة حصانه، كما وثب خادمه ـ المهوّس ـ إلى ظهر فرسه وأخذا يغيران في سباق مع الريح نحو حائل ـ بغية الاستيلاء على الحكم.. لقد سمع بقية المرافقين أصوات الرصاص، لكنهم حاروا في أمرها، فالهدف ما يزال قائماً في مكانه لم يصب، وصعد الذعيت الريوة للتأكد وإذا به يرى عمه سعوداً ملقى وبجانبه سليمان العنبر، فأسرع الذعيت ليستفسر، فرفع سليمان العنبر رأسه وصاح فيه: (قتلوا عمك سعود، الحق ابن طلال واقتله.. اقتله). فلحق به، ووصل في نفس اللحظة مهدي أبو شرين، فأطلق الرصاص على إبن طلال وأصابه بقدمه فسقط من جواده، فأسرع عليه الذعيت وأجهز عليه، ووجه مهدي فوهة بندقيته إلى المهوس ـ مرافق بن طلال ـ فأرداه قتيلاً… واجتمع سليمان العنبر، والذعيت، ومهدي، ودرعان وسلمة الفريح، ومعهم ابن متعب وأتوا بسعود وبكوا عليه، فنهض سليمان وكان صاحب الكلمة فيهم وقال: ـ أترون البكاء مجدياً الآن؟. لقد قتلتم المجرمين المعتدين، فأنظروا في مستقبلنا ومستقبل حائل..

فقال الذعيت: ما رأيك أنت؟

قال سليمان: أخشى أن يكون عمل ابن طلال نتيجة مؤامرة خطيرة لقلب الحكم في حائل، فشقيقه محمد بن طلال بالبلد، ولعله احتل قصر الإمارة وأخذ البيعة، وأرى أن يمضي أحدكم إلى المدينة سراً ويكشف الأمر، فإن كان ابن طلال قد انتزع الحكم هربنا من وجهه بابن متعب، حتى إذا قوي ساعدنا إلى حائل لنسترد الإمارة، وإلا كفى الله المؤمنين شر القتال.. ووافق الجميع على رأي سليمان وانتدبوا الذعيت، ولبثوا مكانهم منتظرين يتدبرون الأمر حتى رجع إليهم وأخبرهم ألاّ شيء في البلد، والناس لا يعلمون عن الحادث شيئاً.

فرجعوا إلى حائل يشيعون جنازة القتيل، ونصبوا عبد الله بن متعب العبد العزيز الرشيد أميراً عليهم. وكان قتل سعود في سنة 1338 هـ (1920م).

عاش الفتى عبد الله المتعب وعمره (12 سنة) في مأساة الحكم الذي أخذ يسيّره العبيد، ورغم ذلك فان سيرة عبد الله ومظاهر حياته ونفسيته تشبه عمه سعود، وكان لين الجانب بالنسبة إلى أفراد آل رشيد وما فطروا عليه من الصرامة والعراك والقوة.

أشار عليه بعض المتنفذين بارسال رسالة إلى ابن سعود يخبره بما حدث، ويقترح عليه حقناً للدماء توقيع معاهدة بينه وبينه، ورغم أن مجرد أرسال رسالة من هذا النوع لخصمه تعتبر مظهر ضعف منه، إلا أن المتنفذين رأوا بهذه الرسالة إتاحة الفرصة له لتجميع جهوده المبعثرة.. فارتأى ابن سعود قبول الصلح، ليتسنى له هو الآخر إنجاز الطبخة، إنما بشروط مجحفة اشترطها على ابن رشيد لما زعمه أنه من أجل سلامة البلاد النجدية واستقلالها عن الأجانب أو المنتسبين إلى الأجانب وبغيرها لا يمكن القضاء على نفوذ كل أجنبي! والشروط كتبها جون فيلبي وهي:

1 ـ بقاء آل الرشيد في الحكم.

2 ـ استقلالهم التام في جميع الشؤون الداخلية المتعلقة بشمر وحائل فقط.

3 ـ عدم السماح لهم بمعاملة دولة أجنبية أو عقد معاهدة أو الاتصال بها بحال من الأحوال!

4 ـ أن يرجعوا إلى حكومة الرياض فيما يتعلق بالشؤون الخارجية جميعها.

5 ـ تتعهد حكومة الرياض ضمان سلامة حكومة حائل والقيام بالدفاع عنها إذا ما هوجمت من المعتدين!

ولكن. قصر الإمارة رأى في الشرط قيوداً وسدوداً تقيّد حائل وتقيد الحاضرين والقادمين من حكامها، وأقل ما يقال فيها انحطاط بكرامة من يقبل لها، لكونها الإقرار الواضح بالاستعمار السعودي الإنكليزي، وليست الشروط الثلاثة الأخيرة إلاّ قيوداً توضع في قدم حكومة حائل، فرفض القصر بكبرياء وصلف، وأجاب في لهجة قاسية: أن حريته في إدارة شؤون الحكومة والبلاد لن يتنازل عنها مثقال ذرة لأحد مهما كان، وسيدبر نفسه بنفسه، ويسير على النهج الذي يرتضيه والسياسة التي ترضيه. فأشار جون فيلبي الذي كتب تلك الشروط الآنفة الذكر، أشار بمهاجمة حائل، فجمع حوالي عشرة آلاف محارب، وتقدم هذا الجمع اسماً تحت قيادة عبد العزيز آل سعود، أما الحقيقة فانه تحت قيادة جون قيلبي، فسار بهذا العدد الضخم في الصحراء حتى وصل القصيم ونزل بها، وسيّر منها قوتين: إحداهما بقيادة محمد بن عبد الرحمن آل سعود، ووجهتها إلى حائل وأمره بمهاجمتها وتطويقها وحصارها وقطع كل اتصال لها بالمدن والقرى ليسهل عليه احتلال المدينة، والثانية أمر عليها ابنه سعوداً، وأمره أن يمضي إلى شمر ويتخير وقتاً ملائماً للهجوم غرة حتى لا يترك لها فرصة للتعبئة!.

أما عبد العزيز آل سعود فقد بقي ومعه مخططه ومستشاره جون قيلبي في القصيم بانتظار الغنيمة أو الهزيمة والهرب.. فمضى ابنه سعود إلى شمر يقاتلها، وزحف محمد بجيشه الكثيف وطوق حائلاً وحاصرها حصاراً شديداً، وسلط عليها النيران كقطع الليل من أفواء المدافق والبنادق وشاغلهم بها ليل نهار.. فاحتار الفتى عبد الله المتعب وجاء بعض المرجفين من الطابور الخامس في حائل إلى الأمير ابن متعب يطلبون إليه أن يعمل ما فيه خلاصهم!، ليبعث إلى ابن سعود يجيبه إلى ما طلب سابقاً ويعلمه قبول الصلح على الشروط التي اشترطها، وفشل عملاء آل سعود في حائل الذين كانوا قد كاتبوا ابن سعود ليقوم بحصار المدينة.

فشلوا في جعل عبد الله المتعب يرضخ لأوامر ابن سعود، وأخيراً استطاع هؤلاء اقناع عبد الله المتعب بإرسال كتاب لابن سعود يطلب الصلح، هنالك رأى ابن سعود أن ابن رشيد لم يرضخ لمطالبه إلا تحت تأثير الضغط، ومتى زال عاد يعلن العداء، فلم يقبل منه وخيره بين الحرب أو التسليم، فلا قيد ولا شرط.. فجمع الشعب في حائل وعرض عليهم الأمر فاختاروا الحرب ورفض التسليم بإباء، فبقيت الجيوش السعودية بقيادة محمد آل سعود محاصرة حائل، ثم توحدت القيادة العامة وأصبحت في يد سعود بن عبد العزيز بن سعود، وانتقل محمد إلى شقيقه عبد العزيز في القصيم، ورغم شدة الحصار والمجاعة، فقد صمم أهل حائل الأبطال على الدفاع والقتال حتى الموت، وعدم تسليم بلادهم للعدو ما دام فيهم نفس يتردد..

وطفق الأمير ابن متعب ينظم الأمور استعداداً للقتال، وفيما هو كذلك إذ قدم من الجوف ابن عمه محمد بن طلال، زاعماً أنه قادم إلى حائل للدفاع عنها وعن أمته ويشارك ابن عمه الجهاد، وأظهر له الود كما تظاهر أمامه بالخضوع والإستكانة، فأرجف المرجفون بعبد الله المتعب وقالوا له: إن قدوم ابن طلال إلى حائل في هذه الظروف لا يقصد منه إلا تولي الحكم، وسوف لن يوفر دمك، وسيفعل بك ما فعله أخوه عبد الله بن طلال، قاتل سعود بن عبد العزيز بن رشيد، فاحتاط للأمر ووضع الحراس من مماليكه الذين يثق بهم، لكن شبح ابن عمه يتراءى له في منامه فهو يريد قتله.. والعدو أمامه يحاصر المدينة، وابن عمه محمد بن طلال عدو آخر أشد فتكاً من الأول، لمعرفته المقتل ولن يخطئه عندما ينتهز غفلته فيقتله، أما العدو المحاصر فبينه وبينه شعب يقاتل وأسوار وأبراج لا يستطيع تخطيها. وأما ابن عمه فكيف السبيل إلى اتقائه وهو داخل المدينة ومنزله قرب منزله، وربما غافل الحراس وفتك به أو سلط عليه أناساً غيره. هكذا رأى من الأصلح أن يسجن ابن طلال، فسجنه إلا أن العبيد أطلقوه! وأحضروا كبار رجال حائل وقربوا ما بينه وبينه، وتعاهدوا على الدفاع عن البلاد، فمضى ابن طلال يجمع قبيلة شمر استعداداً للمعارك القادمة! فازدادت شكوك عبد الله المتعب بابن عمه محمد الطلال وكان وراء هذه الشكوك من يذكيها..