والخونة الذين يقصدهم ابن طلال، هم الذين كانوا يراسلون الإنكليز وابن سعود، وهم الذين اقتادوا جيوش ابن سعود والإنكليز من النيصية إلى الوسيطاء بين جبل طي وحائل غرباً ليسهل دخوله من الجبهة الغربية الجنوبية.. ومرة أخرى، تقدم عدد من "كبار الجماعة" وفي مقدمتهم إبراهيم السالم وحمد الشويعر ونصحوا ابن طلال (بأن ينقذ نفسه وعاصمته ورعيته من البلاء المحدق وأن يستسلم ويسلم البلاد لآل سعود).. فرفض البطل محمد الطلال بكل شهامة ـ رغم كل الظروف ـ رفض أن يستسلم!.. فخرج إبراهيم السالم وحمد الشويعر وعدد آخر سيأتي ذكرهم ممن كانوا على صلة قديمة مع ابن سعود (وكان يعدهم ويمنيهم ويغريهم بتسليمهم حكم البلاد وأكبر المناصب في سلطنته بعد سقوط حائل بيده) خرج إبراهيم السالم السبهان وحمد الشويعر ومن معهما من عند ابن طلال وكتبوا رسالة لعبد العزيز آل سعود يقولان فيها: (ان ابن طلال في حالة نفسية غريبة لا يجدي معها التفاهم، وهو عازم على قتالك ومعه من يفضلون الموت على دخولك للبلاد، وفي حال نجاحه وفشلك سوف يكون مصيرنا الموت.. سيقتلنا لأنه اكتشفنا جميعاً إننا معك وهو يعد الآن سيفه لرقابنا، وما عليكم إلا أن ترسلوا لنا قوة من جهة الزبارة(2) لتنطق من هذا المكان لفتح حائل واستلامها)..
وما أن استلم عبد العزيز آل سعود رسالة إبراهيم السالم وحمد الشويعر المرسلة له مع عبيد المسلماني، وهو يقيم في الوسيطا وأطلع عليها برسي كوكس وجون فيلبي وبقية "الخبراء" العرب، حتى أقروا إرسال قوة مكوّنة من ألفي رجل تحت قيادة عبد العزيز بن تركي وسعود الكبير ـ ابن عم أبن سعود ـ وسلطان بن بجاد. فاستقبلها مندوبون عن إبراهيم السالم وحمد الشويعر في الزبارة لتتسلل داخل مدينة حائل، فتحدث بتسللها الضغط الأخير على ابن طلال..
وفي هذا الاثناء تقدم عبد العزيز بن ابراهيم ـ وهو عميل سعودي اشتهر بالإجرام ـ وكان يظهر الصداقة لابن طلال بينما هو يعمل لحساب آل سعود، تقدم "ينصح" ابن طلال بالإستسلام، فدار بينهما نقاش حاد انتهى بإقناع ابن طلال ـ كما يزعم ابن إبراهيم ـ بقوله (قال لي ابن طلال اكتب خطاباً إلى ابن سعود بما تريد وأنا أوقعه).. ويقول العميل ابن إبراهيم ـ (انني قلت لابن طلال:ـ ومع من تبعث بالخطاب؟.. فقال: معك)ـ فقال ابن إبراهيم ـ (قلت له ان كنت أنا الرسول فلا حاجة إلى الخطاب!. إنما أعطني خاتمك المنقوش عليه اسمك ليكون شاهداً على التفويض فأعطاني الخاتم، ونصحته بأن يثبت على كلامه وأن لا يستسلم "للمفسدين" الذين يريدون حرب ابن سعود!).. وفي الحال غادره ابن ابراهيم ليقابل الطابور الثاني إبراهيم السالم وحمد الشويعر فأخبرهما فاستبشرا!!.. ومن ثم تحرك ابن ابراهيم لمقابلة عبد العزيز آل سعود والسير برسي كوكس وجون فيلبي في ضاحية حائل بالوسيطا، فعرض عليهم خاتم ابن طلال، ووافق عبد العزيز آل سعود وكوكس وفيلبي على شروط ابن طلال وقد اتفقت هذه الشروط مع ما سبق أن اتفق عليه عبد العزيز آل سعود والذين راسلوه من "الوجهاء" وفي مقدمتهم إبراهيم السالم السبهان وحمد الشويعر وهي كما يلي:
1 ـ أن لا يولى على حائل أحد من غير أهل حائل يعرفونه ويرتضونه، ويكون لهم الخيار باستبداله بغيره حينما يرون منه ما يوجب تغييره.
2 ـ أن لا يخرج الحاكم عن حدود الشريعة السمحاء.
3 ـ أن يقوم أهل البلد بتشكيل مجلس شورى من أعيان البلد.
4 ت أن لا تصار أراضي حائل وشمر والرعية للأسرة السعودية أو لأي فرد من أتباعها.
5 ـ أن لا يحدث أي سوء لمحمد الطلال وجميع أفراد أسرته وأصحابه وأهل حائل وشمر كافة أفراد رعيته وأتباعه ـ والمماليك ـ وكل خصم أو صديق في معيتهم وكل محارب وغير محارب، وأن يترك ما مضى وألا يلتفت إلى الوراء، وأن يعيش أبن طلال وأسرته بعد استسلامهم معززين مكرمين وفي حالة يرضونها.فنقل عبد العزيز بن إبراهيم ومعه عبد العزيز بن مساعد الجلوي هذه الإتفاقية الموقعة من عبد العزيز آل سعود، إلى محمد الطلال، وإلى ابراهيم السالم، وحمد الشويعر، وجمعوا جمعاً كبيراً من الناس وقرأوها عليهم للتهدئة.. وبعد هذا سلم ابن طلال نفسه وأسرته إلى ابن مساعد واتجه بهم إلى حيث يقيم عبد العزيز آل سعود وبرسي كوكس وجون فيلبي، وجموع حراسه وجنوده الذين قالوا: (انهم كانوا يتوقعون الفشل في دخول حائل لو لم يمكنهم من الدخول جماعة من أهل حائل وفي مقدمتهم إبراهيم السالم وحمد الشويعر)..
وفي رأيي: انه لا إبراهيم السالم ولا حمد الشويعر ولا غيرهما يتسطيع منع انهيار حكم حائل، فالحكم بطبيعته قد انهار، وحينما ينهار أي جسم من الاجسام فلا محالة من أن يأكله الدود أو آل سعود واليهود..
تحفز آل سعود (وصحابتهم) لدخلو حائل
وبدأ عبد العزيز آل سعود وبرسي كوكس وجون فيلبي وقادة "الإخوان" يتحفزون للدخول إلى حائل، والخوف والترقب ظاهر على وجوههم، لأنهم حتى ذلك الوقت كانوا يعتقدون أن كل ما جرى مجرد خدعة من ابن طلال للإيقاع بهم. وقال ناصر الدوخي أحد المقاتلين مع ابن سعود: (لقد كنا نستعد للرحيل عن ضواحي حائل، وان عبد العزيز بن سعود كان يتوقع تطويقه، ولو أن هناك مقاومة حدثت في اليومين السابقين لدخول ابن سعود إلى حائل لهربنا، لكن جميع "المناظر" مراكز الحراسة والدفاع عن حائل، قطعت عنها المؤن والذخيرة من الداخل، واستدعي كل من فيها من قبل الذين كانوا يتعاملون مع ابن سعود في حائل).. ويقول فهد المشاري أحد المسؤولين عن مراكز الحراسة في حائل: (لقد خلصت ذخيرتي وجماعتي فطلب مني إبراهيم السالم السبهان ـ بصفته المسؤول عنا ـ التوجه إلى مدينة حائل ومقابلته لاستلام ذخيرة، وحينما دخلت بيته وجدت ـ سعود العرافة آل سعود ـ في بيته، فقلت هذه خيانة كبرى: كيف تدخلون سعود العرافة، في حائل ونحن ما زلنا نقاتل هؤلاء الأعداء؟. فقال: "إنها ليست خيانة انها حقن دماء"! قلت: والله لو أن في بطن بندقيتي "أم خمس" رصاص، لأفرغته في رؤوسكم، ولكن لا شيء فيها!..).. قد تكون غلطة من هؤلاء لا خيانة، وان ما فعلوه في مراسلة ابن سعود ما هو إلا مجرد "اجتهاد منهم" وانها ليست خيانة في نظرهم، لكن الخيانة وليدة الأخطاء، وخطأ واحد يمهد الطريق إلى خيانة كبرى، خاصة فيما يتعلق بمصائر الأوطان..
الهوامش:
1 ـ لا يفوتني أن أسجّل بكل تقدير للشيخ حمود الحسين مواقفه الوطنية الكثيرة وخاصة عام 1962 في سبيل بلاده ضد جرائم جزّار حائل عبد العزيز بن مساعد الجلوي الذي قاطعه الشعب مراراً طالباً ابعاده.. ناصر.
2 ـ الزبارة، نخيل يقع في جنوب حائل يملك القسم الأكبر منه ابراهيم السالم وقد أطلق عليه اسم جيله، وهناك قسم من النخيل يملكه الشويعر وهو محاذ للزبارة. وفي هذه الأماكن عسكر جنود ابن السعود باتفاق مع المترفين أو ما يعرف باسم البرجوازية الآن.
|