عرض مشاركة مفردة
  #18  
قديم 22-04-2006, 02:50 PM
لظاهر بيبرس لظاهر بيبرس غير متصل
Banned
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2006
المشاركات: 285
إفتراضي

الفصل الثاني



ناصر السعيد يتحدث عن نفسه وثورات شعبه

ودخل ابن سعود "وصحابته" برسي كوكس وجون فيلبي وقد لبسوا "العبي العربية.. وأسدل الستار السعودي على ـ حائل ـ، وكانت أوخم "دخلة" لنهاية كفاح دام مئات السنين، وكانت بداية احتلال في يوم مشؤوم هو يوم 29 صفر 1340هـ الموافق 2 نوفمبر 1922م. وقد ولدت بعد الاحتلال بعام واحد، ونظر لي أهلي كما ينظرون أهل حائل "لمواليد السقوط" سقوط حائل.. نظرة عدم استحسان، وكأنهم يريدون أن لا تلد بطون النساء أحداً بعد سقوط حائل بيد الأعداء!.


مواليد السقوط


مواليد السقوط
ولذلك نرى الشيوخ من أهالي حائل يؤرخون مواليد ما قبل هذا اليوم المشؤوم "يوم سقوط حائل" بيوم السقوط، وما قبل السقوط، وما بعد السقوط، فالذين ولدوا ما قبل سقوط حائل ينظر لهم نظرة استحسان وهم الذين كان لهم شرف الدفاع اللهم إلا أولئك الذين تعاملوا مع ابن سعود".. أما الذين ولدوا بعد السقوط فهم في نظر الشيوخ أقل شأناً مهما يجب… وعندما يعيب الشيوخ أي عمل أو قول من أعمال أو أقوال الشباب فانه يزدرونه بقولهم (أو.. لا يلام هذا الفتى لأنه من مواليد السقوط)!، أي أنه لم يقدم لموطنه شيئاً من التضحيات ولا غرابة منه إذً أن يقول أو يفعل ما لا يرضى عنه!!.. كما نرى أن كبار السن من أهالي حائل يتشاءمون من شهر (صفر) من بدايته إلى نهايته لكونه شهر الإحتلال السعودي.. وكانت جدتي (حسنا السعيد) تجمع معظم نساء حيّنا يوم كل خميس، وخاصة النساء اللاتي قتل آل سعود أولادهن وذويهن، وتلقي فيهن محاضرات، أذكر منها قولها: (أنحس الاشهر الملعونة هو شهر صفر، في هذا الشهر تقوم القيامة ويفنى العالم في هذا الشهر!.. في هذا الشهر سالت الدماء غزيرة من أهلنا وأحباب قلوبنا.. في هذا الشهر تولى بلادنا اليهود آل سعود!).. ثم تختتم جدتي كل محاضرة من محاضراتها مهما اختلفت بدعوة النساء إلى رفع أيديهن إلى السماء والدعاء على آل سعود بالدعاء التالي: (اللهم انصرنا على اليهود آل سعود.. اللهم لا تجعلنا نموت قبل أن نرى يوم ذهابهم آمين يا رب العالمين!..).. وهناك عماتي ـ رقية وسلمي ولطفية ـ وقد قتل آل سعود اخوتهن: عبد الله وسليمان وعيسى السعيد في معركة النيصية، فلا تقل احداهن شأناً "في الدعاء" وإثارة الناس ضد آل سعود!.

وأول مرة دخلت السجن السعودي كنت مع جدتي وعمري سبع سنوات ووقتها كنت أتأثر بكل ما تقوله جدتي من حكايات عن جرائم آل سعود، وكانت جدتي جريئة في مقارعة خدم الحكم السعودي، وكانت جرأتها وثباتها على المبدأ في مقارعة خدم الحكم السعودي، وكانت جرأتها وثباتها على المبدأ في مقارعة الرجعية أكثر بكثير من معظم الرجال.. فلا زلت أذكر ما فعلته جدتي بخادم الملك عبد العزيز آل سعود، رغم كونها تحت حكمه وفي اوج جبروته، وكان عمري لا يتجاوز سن السابعة ـ حسب ظني(1) ـ، حينما طرق بابنا بشدة دلت على أن الطارق من خدم "الشيوخ" ـ أي الحكومة ـ. فلخدم الحكومة طرقات يعرفون بها تحدث من صوتها الرعب للناس، وتدل على فظاظة الحكم وعنجهيته، ومن تلك الطرقات عرفت جدتي أن الطاق هو خادم "الحكومة" لكنها لم تشأ قطع صلاتها، فتلك الصلاة كانت زائدة عن الصلوات الخمس مخصصة للدعاء بزوال حكم آل سعود، وصب جام اللعنات ضدهم أثناء الصلاة.

ولم تستعجل جدتي بل أنهت صلاة (الدعاء) المعتادة تلك، وكان الباب لا زال يقرع بشدة، ففتحت الباب وإذا بها أمام وجه (ابن مصيبح) خادم الملك، بيده السيف وباليد الأخرى زنبيل (قفة) يحتوي على قرابة الخمس كيلات من القمح "تصدق" الملك عبد العزيز علينا، كما تصدق بمثلها لغيرها بمناسبة زيارته "المقدسة" لحائل..

وقدم الخادم تلك القفة لجدتي بسخرية قال فيها (لماذا لا تفتحي الباب؟..)، قالت (انني أصلي).. قال الخادم (لماذا هذه الصلاة والوقت ليس وقت صلاة؟!) قلت جدتي هي صلاة الضحى، وهي مخصصة للدعاء عليكم وعلى حكمكم بالزوال، الذي قاتلنا بتهمة "أننا كفرة مشركين ولا نعرف الصلاة"، والآن تمنعنا عن الصلاة!). فرد الخادم وقال: (لولا أن عمرك أكثر من ستين سنة كنت قطعت رأسك!).. قالت جدتي: (يا كلب اليهود.. ايش تبغي الآن؟!).. قال الخادم بغضب شديد: (خذي هذه الصدقة من طويل العمر، وادعي له بالف وطول العمر، بدل ما تدعي عليه وهو الذي ما نسي أحداً فيكم رغم أنكم أعداء الله ورسوله!).. قالت جدتي بسخرية غاضبة: (طويل عمر!. أدعي لطويل العمر؟!.. وما زلنا أعداء الله ورسوله؟ ـ)، ثم تراجعت جدتي إلى الوراء قليلاً وأمسكت بعروتي القفة وفتلتها، وأومأت بها بشدة وسرعة وقذفت بها وجه (ابن مصيبح) خادم الاحتلال السعودي، فضربته ضربة جعلت خادم "الشيوخ" يدور حول نفسه ويسقط سيفه على الأرض. وكانت تلك الضربة قوية رغم كبر سن جدتي، فتطاير القمح بحيث لم تلتق حبة واختها في نفس الطريق!.

بهت الخادم من تلك المفاجأة غير المتوقعة من تلك العجوز التي لم تكتف "بالدعاء" والضرب بل مسكت بسيفه لتضربه به، لو لم يستخلصه منها وهي تصرخ ممسكة بثيابه تمزقها وتصب جام لعناتها المتواصلة عليه وعلى سيده الملك عبد العزيز ووكيله في حائل عبد العزيز بن مساعد الجلوي، متسائلة بعد ذلك بقولها: (هل تريد يا خادم الظلم مني أخذ هذا القمح كصدقة من سارق كبير؟. أم أخذه كدية لدماء عبد الله العيسى وعيسى السعيد وابني الذي قطعتم رجله في معركة النيصية، مع بقية الأهل والجيران، وأبناء بلادي الذين قتلتموهم بتهمة الكفر والالحاد لأنهم دافعوا عن الوطن؟ أم آخذها كفدية لإحتلالكم الوسخ للوطن؟.. اذهب فما زالت دماء الآلاف في النيصية والجثامية والوقيد والصفيح وسلمى وأجا باقية لم تنس تلعنكم، اذهب وقل لسيدك الطاغوت عبد العزيز ان حسناء ورقية وسلمى وبقية عجائز حائل ونساء حائل، أكثر ذاكرة من بعض الرجال الذين باعوا وطنهم بينما استمات رجالنا دفاعاً عنه وماتوا دونه)..

قال لها الخادم: (ألا تخافي من عقبى كلامك هذا؟)، فازدادت حنقاً وهي تهتف باصقة بوجهه: (ماذا بقي لنا حتى نخافكم يا مجرمين؟ رح راحت روحك وروح من أرسلك يا عبيد جون كوكس) تقصد (جون فيلبي وبرسي كوكس).. ثم أطبقت الباب بوجهه.. وبعد ساعتين من ذهاب خادم الإحتلال السعودي، عاد ومعه خمسة خدم أجلاف مثله، فاقتادوا جدتي وأنا معها إلى قصر أبن مساعد حيث أمطرها بأقصى المسبات. ثم أمر بسحبها وأنا معها، فدخلنا السجن وهو عبارة عن غرفة نتنة قذرة فيها (حطبة) مصيدة توضع بها أقدام السجناء، إلا أنه في المساء أفرج عنا بواسطة بعض الجماعة، ثم أعادونا مرة ثانية إلى أبن مساعد ليودعنا بلعناته القذرة وتهديداته لجدتي، حيث اتهمنا هذه المرة بتهمة خطيرة وهي (تحريض الله سبحانه وتعالى على ولاة الأمور الصالحين!).

فردت جدتي عليه بقولها: (ان لعناتك ترجع عليك.. ونحن ندرك أنكم تملكون الموت والحياة، لكنه لا فرق بين الموت والحياة عندنا فالموت أفضل لنا من وجوهكم بعد ما حل بنا ـ بعد ذهاب أعز أهالينا.. وأنا العجوز لا أملك غير دعوات رب العالمين بزوالكم).. فدفعها الخدم وأنا معها من الدرج، وذهبنا حتى وصلنا بيتنا فوجدناه مليء بالرجال والنسا ينتظرون عودتنا بالإكبار والتقدير.. وكانت كلماتها تلك دروسي الأولى لمقاومة آل سعود، فتطورت تلك الدروس إلى وعي أشمل لمشاكل الشعب كله والوطن وآلامه والإنسانية التي لا ننفصل عنها.

ومن يتلقى أول دروسه من امرأة لن ينساها، خاصة إن كانت تلك المرأة أماً أو جدة، فللأم والجدة من قوة التأثير ما ليس للمعلم.. والام والجدة أن صلحتا صلح النسل وإن فسدتا فسد النسل.. ومواقف جدتي تلك التي كانت أشرف من مواقف جامعة الدول العربية في محاربة الرجعية والاستعمار، تذكرني بما قرأته عن الشعب الأسبرطي الذي عاش قبل ميلاد السيد المسيح وكانت له بطولات عظيمة مدهشة، ولم يكن خلف تلك العظمة والبطولات غير النساء.. كان وراء تلك البطولات تربية (أمهات) أولائك الرجال، وقوة تأثيرهن في تلك الأمة.. مما دفع حكامهم حينما عرفوا ما للأم من قوة تأثير إلى سن ذلك القانون الفريد من نوعه حيث نص القانون على (أن كل مرتكب ذنب لا يعاقب. بل تعاقب والدته)، إلى حد أن نصّ هذا القانون: (على جلب والدة المذنب إلى الساحة العامة للمدينة وجلدها أمام الناس جزاء لسوء تربيتها لابنها أو ابنتها)، مما زاد حرص كل أم مهملة لتحسين تربية أطفالها وجعل كل ـ أبن أمرأة ـ يحسب ألف حساب لتمتدح أمه ولكيلا تجلد أمام ـ أم خطيبته ـ وحبيبته وأصحابه فيسجل التاريخ عار أمه التي تساهلت في تربية ابنها وطنياً فتساهل هو في حقوق شعبه وأمته. وبذلك أصبح الجميع أبطالاً..

لا شك أن في ذلك القانون من الاجحاف ما يتنافى وعصرنا هذا فيما لو أراد أي حاكم تطبيقه، على أن ما أتمناه هو أن تكون هنالك قوة شعبية تتمكن من تطبيق هذا القانون بأمهات الحكام العرب، لعلنا نجد منهم من لا يهادن الرجعية، كما لم تهادنها جدتي التي كانت أكثر شجاعة من معظم الحكام، حيث لم تهادن جدتي الرجعية ولو مرة، ولم تقبل من الرجعية أي عون، ورغم تأييدي لنظريات جدتي في آل سعود وفي معظم الحكام، إلا أنني لا أؤيد ظنها بأن ما وقع في حائل وقراها من مجارز سعودية يقع لسواها.. فما من منطقة في بلادنا قد نجت من مظالم الطغيان. وهناك مظالم ومجازر سعودية أخرى ارتكبها حكم الطغيان في أماكن أخرى كثيرة من الجزيرة العربية، إلا أن ما وقع في حائل شيء رهيب يحتاج وحده إلى كتب كثيرة، وما نكتبه الآن ما هو إلا أمثلة تذكرنا بسقوط حائل، وتذكرنا بمظالم آل سعود في حائل، وتذكرنا بمشاريع آل سعود في حائل!، تلك المشاريع "العظيمة" التي قد أولاها آل سعود بالغ اهتمامهم تمشياً بوصية والدهم في السلب والنهب والقتل، ووالدهم عبد العزيز هو صاحب مشروع (أخذناها بالسيف) بل صاحب أول مشروع طبقه في أول يوم لسقوط حائل حيث لم يخلو بيت من البيوت إلا وفقد منه ستة أشخاص أو ثلاثة أو واحد على الأقل..


حينما دخل عبد العزيز وكوكس وفيلبي حائل


في اليوم الذي دخل فيه عبد العزيز آل سعود "وصحابته" حائل تقدم عبد العزيز آل سعود المنحلّ "بمشروع حيوي جداً!!".. فما هذا المشروع؟.. المشروع كان زواجه ـ اكراهاً وشبيه بالاكراه ـ بمجموعة من النساء من ضمنها بعض نساء آل رشيد، وبالطريقة السعودية المعروفة.. وهي الاغتصاب باسم الكتاب والسنة!، تعبيراً عن فرحته في يوم كان كله حزن ومصيبة بسقوط القتلى، وسقوط الوطن وسقوط الكرامة، وكانت تلك أول صدمة لمن تآمروا مع ابن سعود وأحلوه في حائل خلسة وغدراً. لكن واحدة من النساء التي أراد اغتصابهن لم تتحمل أن يوجه لها هذا الحيوان السعودي المتوحش تلك الاهانة، ولم تقبل بمرور لحظات سروره الماجن دون الثأر لكرامتها وكرامة شعبها ولو بأي طريقة من الطرق وحسب المستطاع.. فزفّت إليه العروس اغتصاباً، وكانت قد أخفت مخرزاً بيدها، وما أن حاول الحيوان السعودي الاقتراب منها حتى أغمدت مخرزها في عينه وهي تصرخ: "لن تقرب مني أيها الملعون".. وهكذا فقد عبد العزيز آل سعود عينه.