الفصل الثالث
رسالة المناضل ناصر السعيد الى الملك سعود
تمهيد
هذه الرسالة التي أصدرها في هذ الوقت، الذي انكشفت فيه للملأ اجمع خيانات الملك سعود الحقيرة وتآمره على الجمهورية العربية المتحدة، وتدبير خطته اللعينة مؤامرة الملك سعود القذرة. لقد بعثتها بتاريخ 15 / 6 / 1957.
إلى المتآمر سعود.. حيث انتفخت أوداجه حنقاً لسبب بسيط، وهو أن في هذه الرسالة الحقيقة.. الحقيقة المرّة التي لا تسوخ لكل الملوك والعبيد.. ولقد كانت تلك الأيّام السالفة لا تسمح لأحرار الجزيرة العربية بنشر مثل هذه الرسالة أو غيرها، لأنّ القائمين على نهج السياسة العربية المتحررة، يرون في ذلك أمراً يبعد الملك (سعود) عن حظيرة الركب التحرري، ويجعله يترامى أكثر فأكثر في أحضان الاستعمار.. ولكننا نحن الذين عرفنا (سعود) المتآمر، أنه مركب نفسياً واجتماعياً على الاثم والفسق والفجور.. على اللصوصية والرذيلة والانحطاط الخلقي، على الكذب والبهتان والتآمر والاغتيالات الفردية، إشباعاً لنزواته الشيطانية، وشهواته الحيوانية الرخيصة، ندرك تماماً أنه لا يمكن إصلاحه أبداً، لأن البطانة الفاسدة التي تحيط بعرشه، والمجتمع المترف العفن الذي نشأ فيه، وترعرع بين أكنافه، كل ذلك جعل من الملك سعود خادماً ذليلاً بل مطية طيعة للمتسعمرين، وحمار أسفار لسادته الأمريكان!!!.
وهكذا أثبتت المؤامرة الدنيئة ـ التي لم تكن الأولى والأخيرة ـ على ما كنا نتوقعه ونعرف عن هذه الخائن الماجن العاق لشعبه والعميل الذليل.
ناصر السعيد 7 / 3 / 1958
قبل بدء الرسالة: اضع هذه الأضواء الكاشفة على خياناتك يا سعود، حينما عاهدت الله والشعب ألا تخون، فخنت الله والشعب، وحكمت بالطاغوت، وبعت البلاد لأعداء الله والشعب.. وفيما يلي مقتطفات من خطاب العرش وميثاقك الغليط يوم توليك العرش..
الشعب لم يبايعك يا سعود..
بل بايعته وختنه
(اعاهد الله ان أحكم بالعدل وأساوي بين الصغير والكبير وأعمل لاسعاد هذا الشعب العزيز ورفاهيته ورقى البلاد سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، ساهراً على مصالح البلاد وتأمين حقوق أبنائها مذللاً كل عقبة تعترض سيرنا في هذا السبيل ضاربين على كل أسلوب معيب، وسنولى قواتنا العسكرية والوطنية عنايتنا. فأطلب ممن لهم خبرة في شؤون البلاد من أبناء شعبنا العزيز، أن يتقدموا بما لديهم من آراء لاصلاح وضعنا هذا).
5 من ربيع الأول 1373 "سعود"
ألم تقرأ الدستور الذي تزعم أنه دستورك؟
{ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام، وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد، وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالاثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد}.
{ولا تنقضوا الايمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلاً}.
{والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون}.
{وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل}.
{ولا تعتدوا ان الله لا يحب المعتدين}.
{ولا تسرفوا.. ولا تبخسوا الناس أشيائهم.. ولا تعثوا في الأرض مفسدين}.
{ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق، ومن قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطاناً}.
{من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفساً بغير نفس أو فساداً في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً}.
{وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميراً}.
{ان الملوك اذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون}.
{ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار}
"قرآن كريم"
اخطار إلى الطاغوت سعود
يا سعود
هذه مقتطفات من القرآن الكريم الذي تزعم أنه دستورك، أردت أن أضيق صدرك بها قبل الرسالة أيضاً، لأنها تدعو إلى العدل السياسي والعدل الاجتماعي.. تفرض العلم على الرجل والمرأة، وتساوي بينهما في جميع الحقوق والواجبات الاجتماعية والوطنية. تندد بالظلم والفقر الذين هما أكبر سمات عهدك المشؤوم. تحارب الاقطاع والكسب غير المشروع وسفك الدماء البريئة، وانتهاك الحرمات والحريات والتعذيب والنهب والسلب واللصوصية والخيانة والرذيلة التي تمرغت في وحلها، وكرعت من مستنقعاتها الآثمة، واتسم بها عهدك فكتبت على محياك أبداً..
كفانا زيفاً وتدجيلاً، وحسبك هذه المتاجرة المفضوحة باسم الدين، وان الدين ليبرأ إلى الله منك ومن أعوانك ومن حاشيتك الفاسدة، وولاتك ومستشاريك الذين نهبوا البلاد وأظهروا فيها الفساد..
ولم تكتف أيها الطاغوت الطاغي، يا من ارتديت مسوح الرهبان، وتظاهرت بالصلاح والتقوى، بما ارتكبت من جرائم وآثام في داخل الجزيرة العربية، بل سولت لك نفسك الشريرة أن تتآمر على الجمهورية العربية المتحدة، وتغتال زعيم العروبة جمال عبد الناصر..
تآمر ما وسعك التآمر، وأظلم ما وسعك الظلم. واستعن ما استطعت يا (حرامي) الحرمين ويا عبد الدولار ـ بأسيادك المستعمرين الأمريكان ـ على خنق الحريات، وتقتيل الشعب، وتكبيله بالقيود، فلن تفلت من قبضة الشعب الأبي الذي انتفض كالعملاق ينشد حقه في الحرية والحياة الكريمة، ويطالب برؤوس جلاديه ومستعبديه.. وما يومك الاسود ـ يا سعود ببعيد!!
ناصر
من ناصر السعيد إلى الملك سعود
من ناصر السعيد الى الملك سعود:
هذه الرسالة التي أحاول أن أضعها بين يديك تضم حياة شعبنا الدامية، ولخطورة المسائل التي ستتناولها هذه الرسالة، عملت على نشرها للرأي العام ليطلع على حقائقها، وليكون عاملاً مهماً في التأثير عليكم لتلبية حقوق شعبنا الطبيعية التي حرم ولا يزال محروماً منها، في حين تتمتع بهذه الحقوق بعض الأقطار العربية التي هي أقل منا مورداً وخيرات طبيعية..
على ضوء القرآن:
ان ما يقال عن بلادنا بأنها تحكم حكماً إسلامياً على ضوء تعاليم القرآن الكريم، أكبر فرية في التاريخ الحديث، جعلتك تفخر دائماً بطريقة حكمك هذه ، وتعتبرها أكثر سلامة وأقوى ضماناً لمصالح شعبنا، وتغمز في أكثر المناسبات الى أنظمة الحكم في الأقطار العربية الأخرى.
ولكن الأيام اثبتت، والقرائن دلت، والأوضاع شهدت، بأن شعبنا وفقاً لطريقة حكمك هذه يسير نحو التأخر والتجهيل، والفقر والمرض والأدواء الفتاكة على مختلف اشكالها، ولو أخذنا قطراً عربياً كالعراق ـ مثلاً ـ رغم الحكم الارهابي فيه وسيطرة عملاء الاستعمار والصهيونية على مقاليده، تنفيذاً لسياسة أسيادهم، لوجدنا العراق أكثر منا تقدماً ونهضة اقتصادية واجتماعية وتعليمية، على حين أننا لا زلنا نتخبط في دياجير الجهل والأزمات الاقتصادية والاجتماعية وضحالة الثقافة العلمية..
الدين الوسيلة:
ولكن الدين هو الوسيلة التي يتذرع بها كل من أراد أن يستهجن بني الانسان ويشوه الحقيقة، وهو السلم الذي يتسلق عليه من بغى من أمثالك على أكتاف الضعفاء والمستضعفين.
فلقد عذب محمد (ص) ورشق بالحجارة وطورد باسم الدين، وأوذي أبو ذر الغفاري، ومات منفياً باسم الدين، كما قتل أحمد بن حنبل باسم الدين، ورفع الملك فاروق وأمثاله إلى درجة الأنبياء باسم الدين، وأطلق الرصاص على جمال عبد الناصر باسم الدين، إلى أن جاء دورك ومن معك فرحتم تضحكون على الذقون، وتسفكون وتسرقون الشعب، وتقطعون الأيدي والأرجل وتمجنون، وتحكمون ظلماً باسم الدين، حتى ان ـ ايزنهاور ـ اوهمك باسم الدين قائلاً: "أنه يخشى على الأراضي المقدسة من مبدأ جمال عبد النصار الهدام، لذا فهو يحرص جيداً على اقرار الأمن، ودفع المساعدات وإصلاح المطارات والموانئ الحربية والبرية والبحرية، وتجديد اتفاقية قاعدة الظهران الذريعة لصد خطر جمال!"… أرأيت كيف أصبح الدين وسيلة حتى لسيد الخائنين؟..
ومع ذلك كله تقول بأن دستورك القرآن، وتعلم أنك تستهجن كتاب الله الذي هو أجل من أن يطلق عليه هذا الأسم، وقال عنه دستور أو نظام؟.
القرآن حتفكم:
اذا أصررت على أن يكون دستورك القرآن، فليتكلم القرآن ولتنطق آياته البينات.
{أن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها اذلة وكذلك يفعلون} {وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا}.
ولقد كان جالوت ملكاً عندما خسف الله به وبداره الأرض.. وكذلك فرعون وهامان وقارون وملك بابل وملك سبأ..
{فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصباً، ومنهم من أخذته الصيحة، ومنهم من خسفنا به الأرض، ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون}.
وامدت مقاومة الله إلى قتل اتباع الملوك ومستشاريهم والمقربين منهم، {وقتل داود جالوت} وكان جالوت من أعداء طالوت.. فجاء الإسلام بعيداً عن روح الملكية البغيضة وحكم الفرد، حتى انه لم يرحم أي حاكم منحرف عن تطبيق الحكم، ولو كان هذا الحاكم من أصحاب الرسول.
كذلك قتل الشعب عثمان، ولن ننسى أبداً دور محمد عليه السلام في تحطيم الملوك.. فعندما رشحت قبائل الاوس والخزرج عبد الله بن سلول ليكون ملكاً في المدينة، قاومه النبي بشدة، حرصاً منه على ألا تحل الملكية المقيتة في أرض الجزيرة العربية المقدسة محل النبوة، ولم يقتصر جهد محمد عند هذا الحد، بل قاوم جميع الملوك كالمناذرة والغساسنة والحميريين وملوك مصر والفرس والروم، حتى طهر الأرض من رجسهم.
الحكم في الإسلام جمهوري وليس بالوراثة:
ويأبى الدين إلا أن تحكم الجماهير نفسها بنفسها، وتنتخب رئيسها حتى لا يكون الحكم وراثة، والشعب سلعة تباع وتشترى تسلم وتستلم من مالك إلى آخر. فيقول القرآن {وأمرهم شورى بينهم}، ويقول عمر عندما سأله أصحابه أن ينزل لأحد أو يستخلف أحداً (مالي ولأوزاركم أحملها حياً وميتاً)، فرفض أن يكون لابنه عبد الله شيء من الأمر، وقال: (حسب آل عمر أن يحاسب منهم رجل ويسأل عن الأمة ظلم فيها أم عدل).
نبي الله بشر وليس صاحب جلالة.
وها هو ذا صاحب الرسالة الإسلامية يتبعه مئات الملايين من المسلمين لم يعلن نفسه ملكاً، ولم يقل: أنني أخذتها بالسيف وأنا شرعها وفرعها(1) بل جاء لتحطيم الملكيات الزائفة العروش النخرة والجماجم المتحجرة، وهو القائل عليه السلام: (انما أنا بشر مثلكم يوحى إليه)، وأنا ابن امرأة من قريش تأكل القديد، ومن ظلمته فليقتص من جلدي). وكان ينام على حصير فيدخل عليه عمر بن الخطاب، واذا به قد أثر في جنبه فقال له:
ـ ألا تتخذ فراشاً ليناً يا رسول الله؟!
فأجاب عليه السلام:
ـ ماذا يا عمر؟ أتظنها كسروية؟ إنها نبوة لا ملك..
وكان ذات يوم يوزع مال الأمة لمصلحة الأمة، لا لمصلحة الحاشية ومن لف لفها، فأخذ أحد المواطنين نصيبه جذباً عنيفاً، وقال: زدني يا محمد فليس المال مالك ولا مال أبيك! فغضب عمر، ولكن محمداً ابتسم في حنان وقال:
ـ دعه يا عمر، ان لصاحب الحق مقالاً..
أرايت هذا التواضع الذي لم تعرفه دهاليز قصورك وفرشك. إلا أنه الدين الصحيح!
اذن على أي مادة من "الدستور!" تستندون؟ وبأي دين بعد الله وآياته تؤمنون؟ وأي حديث "شريف" يبيح مدينة الناصرية(2) وأخواتها؟ أي دين يبيح هذا الترف والإسراف والمنكر وإضاعة أموال الشعب والمتأجرة بمئات الألوف في الرقيق الأبيض والأسود، والزواج بالمئات والطلاق بالمئات، وافقار الشعب وخنق حرياته، وبيع أرضه وحرماته ومقدساته للمستعمر الزنيم.
وعذرك ان المالية في "جيبك الخاص"، والشعب "رعيتك"، والأرض وما فيها وما تحتها وما عليها ملكك، مدعياً أنك أخذتها بالسيف. هذا الذي يرجع تاريخه إلى ـ غزوة اليمن المشهورة ـ والتي رجعت فيها خائباً مدحوراً تجر أذيال الهزيمة.
هذا السيف الذي يعلم الله انه لم يشهر يوماً في وجه الأعداء، ولم يعرف إلا في مجالسك، ولم يظفر إلا برقاب الشعب الذي قاد الكفاح وولاك العرش وضحى بالأرواح حتى جعلك ملكاً. ولله در من قال:
وحين رست ركائبكم بنجد
تنكرتم لمن قاد الهجينا
|