هذه هي القضية الجوهرية اليوم.
وعلمونا أيضا أن إعانة الأعداء على مقاصدهم، ومظاهرتهم على المجاهدين الذين يتصدون لمخططهم، ردة عن الدين، وخيانة لأمة المؤمنين، وكفر برب العالمين.
قال " المشلح " وقد أطرق وتجللته هيبة الحق : صدقت.
قال الشاب : وقد علمونا أيضا أن كل مكسب تكسبه الحملة الصليبية التي يطلق عليها زورا وغرورا " الحملة الدولية على الإرهاب "، في أرض الإسلام، وكل احتلال لبقعة منه، وكل خطوة في اتجاه أهدافهم، تعني خسارة فادحة للإسلام والمسلمين، وظهورا أكبر للكفار على المؤمنين.
وكلما تأجلت المواجهة مع مخططهم الخبيث، جزعا منهم، أو شكا في نواياهم، أو ركونا إلى الدنيا، زاد حجم الخسائر التي تتكبدها الأمة بمرور الزمن، ثم إنها قد تتراكم بسبب تأجيل المواجهة، حتى يصبح أمر الإسلام مندرسا، وحال المسلمين منتكسا.
قال " المشلح" : عوذا بالله.
قال الشاب : وعلمونا أن عز الأمة في الجهاد، فهو سبيل الرشاد، ولهذا فأعداؤنا لا يحاربون مفهوما إسلاميا كمحاربتهم لمفهوم الجهاد، حتى إنهم يحاربون نفس اسمه، ويرومون انتزاعه من فكر الأمة وضميرها، ولهذا يشوهون سمعة المجاهدين، ويرمونهم بكل قبيح.
وعلمونا أن الخوف من الأعداء، والوهن منهم، والرضوخ لهم، لن يرضيهم، بل سيزيدهم طغيانا وطمعا فينا، ولهذا قال الله تعالى ( ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا نصير ) .
ولهذا قال تعالى ( وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين * وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين ) .
وعلمونا أن موتا كريما نقاتل فيه دون ديننا وعقيدتنا فننال الشهادة، خير من حياة ذليلة نصبح فيها عبيدا للطغاة.
وعلمونا أن التاريخ سيشهد على هذه الحقبة التي حلت فيه جيوش الصليب، بلاد الإسلام، فمن العار على هذه الأمة أن لا يذكر عن هذه الحقبة من أمر الجهاد شيئا، كأن الأمة تحولت إلى قطعان تساق إلى الذبح سوق السائمة، يخضع الزعماء للصلبان، ويبارك علماء السوء هذه الرزية والخذلان.
وعلمونا أن المسلم إنما يعيش لرسالة الإسلام، ويموت في سبيلها، ولا يحني جبهته إلا لله تعالى، فهو بما يحمل من قلبه من توحيد الله، أعز من كل علج كافر، أو طاغوت خاسر، وأن المؤمن حر بإيمانه وعزة نفسه، وإن كبلوه بالحديد، وأوثقوه كالعبيد.
وهنا تحدرت الدموع من عيني الشيخ، وقد أزاح من منكبيه "المشلح"، ووضعه جانبا، ثم قال بصوت خاشع : حدثني عن ساحات الجهاد أيها الفتى الأفلح ؟
قال ساحات الجهاد وما أدراك ما هي، هناك زبدة لذة الطاعة، وخلاصة طمأنينة الإيمان، ولب سرور النفس، وجماع انشراح الصدر، هناك مقامات التوحيد الحق، حب الله تعالى في أحلى حلاوته، والصبر كله في أجلى صورته، والتوكل كله في أوثق حضوره وحضرته، والإحساس الدائم بالقرب من الله تعالى، وبعزة المؤمن، وإنك في تلك الساحات، لتحلق في سماء الحرية حقا، فترى الدنيا من تلك العلياء، تراها على حقيقتها حقيرة حقارة الطواغيت الذين يستعبدون بها ضعاف النفوس، وترى الآخرة كرأي العين، كأنك تعانق الحور العين، فليس للموت عندك معنى، سوى انتقال الأرواح إلى أرض الأفراح، حتى إنك تبكي إذا استشهد أخوك فاستراح، وحل في الجنان مع البيض الملاح، وبقيت حيا مع السلاح، ولولا قوله تعالى
( فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر )
لتفطر قلبك أسفا، على بقاءك في الدنيا مخلفا، وإنك تتلذذ بما يخالط شغاف قلبك من ذلك الشعور الغامر بأن الله تعالى يستعملك في جنوده، وأنك على ذروة سنام الإسلام، وأنك ستلحق بركب الشهداء، فتكون في تلك المنزلة العالية الظلال، كمرتبة كل شهداء الإسلام من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إلى الذين يقاتلون الدجال.
ولما رفع الشاب رأسه، أبصر لحية الشيخ وقد بللها الدمع الغزير، ثم قال الشيخ : يا فتى الجهاد، والله ما الحق إلا ما أنتم عليه، فخذني معك، فوالله لئن أموت على ما تموتون عليه خير مما نحن فيه، ليس لنا هم سوى الترقيع للطواغيت، وكلما رقعنا لهم خرقا، خرقوا آخر أكبر منه، حتى لم نجد لهم حلا إلا مذهب المرجئة الجهمية، ولئن سرنا وراءهم فسيخوضون بنا بحر الزنادقة الراوندية.
وهاهم يطلبون منا اليوم تحويل مسار الصراع، من كونه مواجهة بين الإسلام والصليبية، ومعركة بين المسلمين والصهاينة، ومنازلة مع مخطط صليبي صهيوني أعلن عزمه تغيير المنطقة وإعادة رسمها لتحقيق أطماعه، وهاهو يتدخل حتى في تغيير مناهجنا، ويطلب حذف أساس عقيدتها من ثقافتنا.
تحويل هذا إلى مسار آخر، يصبح فيه : العدو هم أهل الجهاد، والصراع الشرعي معهم لا مع الصليبين، ويعلن فيه كما يقول الصليبيون سواء أن المعركة مع "الإرهاب" هي الأهم والأولى، وأما ما يجري على الأمة فيما وراء هذا فلا يعنينا، فاحتلال فلسطين شأن فلسطيني، واحتلال العراق شأن العراقيين، واحتلال أفغانستان شأنهم هم، وأما ما يفرضه الصليبيون من إفساد في ديننا في بلادنا، فسينظر فيه " ولي الأمر " بما تقتضيه " المصلحة " !!
ثم كلما نصر الله المجاهدين على الصليبين في واقعة، اشمأزت قلوب هؤلاء الطواغيت، وأعادوا حملة مكافحة " الإرهاب والتكفير " جذعة، وأقحمونا معهم في هذه البدعة، كأنهم يخشون من تعاطف المسلمين مع الجهاد والمجاهدين !!
قال الشاب : الحمد لله الذي بصر قلبك، ونور بصيرتك، وأبصرك الحق
ولئن أخرجني الله من هذه الغياهب، فستنطلق معي إن شاء الله وتعانقا،ولما هم الشيخ بالخروج، تعلق به حارس الزنزانة وقد سمع كل حديثهما، فقال وألقى السوط من يده : ويحكما .. خذاني معكما
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،