رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة
والمؤمنون يرون ربهم في الآخرة بأبصارهم ويزورونه ويكلمهم ويكلمونه قال الله تعالى (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة) القيامة 22 ـ23 وقال تعالى (كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون) المطففون 15 . فلما حجب أولئك في حال السخط دل على أن المؤمنين يرونه في حال الرضى وإلا لم يكن بينهما فرق.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنكم ترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته". حديث صحيح متفق عليه، وهذا تشبيه للرؤية بالرؤية لا للمرئي بالمرئي فإن الله تعالى لا شبيه له ولا نظير .
القضاء والقدر
ومن صفات الله تعالى أنه الفعال لما يريد لا يكون شيء إلا بإرادته ولا يخرج شيء عن مشيئته وليس في العالم شيء يخرج عن تقديره ولا يصدر إلا عن تدبيره ولا محيد عن القدر المقدور ولا يتجاوز ما خط في اللوح المسطور أراد ما العالم فاعلوه ولو عصمهم لما خالفوه ولو شاء أن يطيعوه جميعا لأطاعوه خلق الخلق وأفعالهم وقدر أرزاقهم وآجالهم يهدي من يشاء بحكمته قال الله تعالى (لا يسأل عما يفعل وهم يسألون) الأنبياء 23 قال الله تعالى (إنا كل شيء خلقناه بقدر) القمر 49 وقال تعالى (وخلق كل شيء فقدره تقديرا) الفرقان 2 وقال تعالى (ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها) الحديد 22 وقال تعالى (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا) الأنعام 125
وروى ابن عمر أن جبريل عليه السلام قال للنبي صلى الله عليه وسلم: ما الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره فقال جبريل صدقت. رواه مسلم . وقال النبي صلى الله عليه وسلم آمنت بالقدر خيره وشره وحلوه ومره .
ومن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم الذي علمه الحسن بن علي يدعو به في قنوت الوتر وقني شر ما قضيت .
ولا نجعل قضاء الله وقدره حجة لنا في ترك أوامره واجتناب نواهيه بل يجب أن نؤمن ونعلم أن لله علينا الحجة بإنزال الكتب وبعثة الرسل قال الله تعالى (لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل) النساء 165
ونعلم أن الله سبحانه وتعالى ما أمر ونهى إلا المستطيع للفعل والترك وأنه لم يجبر أحدا على معصية ولا اضطره الى ترك طاعة وقال الله تعالى (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) البقرة 286 وقال تعالى (فاتقوا الله ما استطعتم) التغابن 16 وقال تعالى(اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم) غافر. فدل على أن للعبد فعلا وكسبا يجزى على حسنه بالثواب وعلى سيئه بالعقاب وهو واقع بقضاء الله وقدره .
الإيمان قول وعمل
والإيمان قول باللسان وعمل بالأركان وعقد بالجنان يزيد بالطاعة وينقص بالعصيان . قال الله تعالى (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة) البينة 5 فجعل عبادة الله تعالى وإخلاص القلب وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة كله من الدين .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق". فجعل القول والعمل من الإيمان وقال تعالى (فزادتهم إيمانا) التوبة 124 وقال (ليزدادوا إيمانا) الفتح 4 .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه مثقال برة أو خردلة أو ذرة من الإيمان فجعله متفاضلا".
الإيمان بكل ما أخبر به الرسول
ويجب الإيمان بكل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم وصح به النقل عنه فيما شاهدناه أو غاب عنا نعلم أنه حق وصدق وسواء في ذلك ما عقلناه وجهلناه ولم نطلع على حقيقة معناه مثل حديث الإسراء والمعراج وكان يقظة لا مناما فإن قريشا أنكرته وأكبرته ولم تنكر المنامات .
ومن ذلك أن ملك الموت لما جاء إلى موسى عليه السلام ليقبض روحه لطمه ففقأ عينه فرجع إلى ربه فرد عليه .
ومن ذلك أشراط الساعة مثل خروج الدجال ونزول عيسى ابن مريم عليه السلام فيقتله، وخروج يأجوج ومأجوج وخروج الدابة وطلوع الشمس من مغربها وأشباه ذلك مما صح به النقل .
وعذاب القبر ونعيمه حق وقد استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم منه وأمر به في كل صلاة.
وفتنة القبر حق وسؤال منكر ونكير حق والبعث بعد الموت حق وذلك حين ينفخ إسرافيل عليه السلام في الصور (فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون) يس 51 .
ويحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلا بهما فيقفون في موقف القيامة حتى يشفع فيهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ويحاسبهم الله تبارك وتعالى وتنصب الموازين وتنشر الدواوين وتتطاير صحف الأعمال إلى الأيمان والشمائل (فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا وينقلب إلى أهله مسرورا وأما من أوتي كتابه وراء ظهره فسوف يدعو ثبورا ويصلى سعيرا) الإنشقاق 7 12
والميزان له كفتان ولسان توزن به الأعمال (فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون) المؤمنون 102 ـ103 .
ولنبينا محمد صلى الله عليه وسلم حوض في القيامة ماؤه أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل وأباريقه عدد نجوم السماء من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا.
والصراط حق يجوزه الأبرار ويزل عنه الفجار
ويشفع نبينا صلى الله عليه وسلم فيمن دخل النار من أمته من أهل الكبائر فيخرجون بشفاعته بعدما احترقوا وصاروا فحما وحمما فيدخلون الجنة بشفاعته .
ولسائر الأنبياء والمؤمنين والملائكة شفاعات قال تعالى (ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون) الأنبياء 28 ولا تنفع الكافر شفاعة الشافعين .
والجنة والنار مخلوقتان لا تفنيان فالجنة مأوى أوليائه والنار عقاب لأعدائه وأهل الجنة فيها مخلدون (إن المجرمين في عذاب جهنم خالدون لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون) الزخرف 75 .
ويؤتى بالموت في صورة كبش أملح فيذبح بين الجنة والنار ثم يقال يا أهل الجنة خلود ولا موت ويا أهل النار خلود ولا موت .
محمد خاتم النبيين
ومحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين وسيد المرسلين لا يصح إيمان عبد حتى يؤمن برسالته ويشهد بنبوته ولا يقضى بين الناس في القيامة إلا بشفاعته ولا يدخل الجنة أمة إلا بعد دخول أمته .
صاحب لواء الحمد والمقام المحمود والحوض المورود وهو إمام النبيين وخطيبهم وصاحب شفاعتهم أمته خير الأمم وأصحابه خير أصحاب الأنبياء عليهم السلام .
وأفضل أمته أبو بكر الصديق ثم عمر الفاروق ثم عثمان ذو النورين ثم علي المرتضى رضي الله عنهم أجمعين لما روى عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال كنا نقول والنبي صلى الله عليه وسلم حي أفضل هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي فيبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فلا ينكره. وصحت الرواية عن علي رضي الله عنه أنه قال خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر ولو شئت لسميت الثالث.
وروى أبو الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ما طلعت الشمس ولا غربت بعد النبيين والمرسلين على أفضل من أبي بكر .
وهو أحق خلق الله بالخلافة بعد النبي صلى الله عليه وسلم لفضله وسابقته وتقديم النبي صلى الله عليه وسلم له في الصلاة على جميع الصحابة رضي الله عنهم وإجماع الصحابة على تقديمه ومبايعته ولم يكن الله ليجمعهم على ضلالة .
ثم من بعده عمر رضي الله عنه لفضله وعهد أبي بكر إليه . م عثمان رضي الله عنه لتقديم أهل الشورى له .
ثم علي رضي الله عنه لفضله وإجماع أهل عصره عليه .
وهؤلاء الخلفاء الراشدون المهديون الذين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ".
وقال صلى الله عليه وسلم: "الخلافة من بعدي ثلاثون سنة". فكان آخرها خلافة علي رضي الله عنه .
ونشهد للعشرة بالجنة كما شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أبو بكر في الجنة وعمر في الجنة وعثمان في الجنة وعلي في الجنة وطلحة في الجنة والزبير في الجنة وسعد في الجنة وسعيد في الجنة وعبد الرحمن بن عوف في الجنة وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة .
وكل من شهد له النبي صلى الله عليه وسلم شهدنا له بها كقوله الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة 44 وقوله لثابت بن قيس إنه من أهل الجنة .
ولا نجزم لأحد من أهل القبلة بجنة ولا نار إلا من جزم له الرسول صلى الله عليه وسلم لكنا نرجو للمحسن ونخاف على المسيء
ولا نكفر أحدا من أهل القبلة بذنب ولا نخرجه عن الإسلام بعمل .
ونرى الحج والجهاد ماضيا مع طاعة كل إمام برا كان أو فاجرا وصلاة الجمعة خلفهم جائزة .
قال أنس قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ثلاث من أصل الإيمان الكف عمن قال لا إله إلا الله ولا نكفره بذنب ولا نخرجه من الإسلام بعمل والجهاد ماض منذ بعثني الله عز وجل حتى يقاتل آخر أمتي الدجال لا يبطله جور جائر ولا عدل عادل والإيمان بالأقدار." رواه أبوداود .
ومن السنة تولي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومحبتهم وذكر محاسنهم والترحم عليهم والاستغفار لهم والكف عن ذكر مساوئهم وما شجر بينهم واعتقاد فضلهم ومعرفة سابقتهم قال الله تعالى (والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا) الحشر 11 وقال تعالى (محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم) الفتح 29 .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لاتسبوا أصحابي فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه".
ومن السنة الترضي عن أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين المطهرات المبرآت من كل سوء أفضلهم خديجة بنت خويلد وعائشة الصديقة بنت الصديق التي برأها الله في كتابه زوج النبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة فمن قذفها بما برأها الله منه فقد كفر بالله العظيم .
ومعاوية خال المؤمنين وكاتب وحي الله أحد خلفاء المسلمين رضي الله عنهم .
ومن السنة السمع والطاعة لأئمة المسلمين وأمراء المؤمنين برهم وفاجرهم ما لم يأمروا بمعصية الله فإنه لا طاعة لأحد في معصية الله. ومن ولي الخلافة واجتمع عليه الناس ورضوا به أو غلبهم بسيفه حتى صار الخليفة وسمي امير المؤمنين وجبت طاعته وحرمت مخالفته والخروج عليه وشق عصا المسلمين.
ومن السنة هجران أهل البدع ومباينتهم وترك الجدال والخصومات في الدين وترك النظر في كتب المبتدعة والإصغاء إلى كلامهم وكل محدثة في الدين بدعة .
وكل متسم بغير الإسلام والسنة مبتدع كالرافضة والجهمية والخوارج والقدرية والمرجئة والمعتزلة والكرام والكلابية ونظائرهم فهذه فرق الضلال وطوائف البدع أعاذنا الله منها .
وأما بالنسبة إلى إمام في فروع الدين كالطوائف الأربع فليس بمذموم فإن الاختلاف في الفروع رحمة والمختلفون فيه محمودون في اختلافهم مثابون في اجتهادهم واختلافهم رحمة واسعة واتفاقهم حجة قاطعة .
نسأل الله أن يعصمنا من البدع والفتنة ويحيينا على الإسلام والسنة ويجعلنا ممن يتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحياة ويحشرنا في زمرته بعد الممات برحمته وفضله آمين .
وهذا آخر المعتقد والحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم
__________________
قال ابن القيم رحمه الله
العلـــم قــال اللــه قــال رســوله ___ قــال الصحابـة هـم أولـو العرفـان
مـا العلم نصبك للخلاف سفاهة ___ بيـــن النصــوص وبيـن رأي فقيـه
|