إذن فالذي يريد الجهاد ؛ عليه أولا أن يجتهد في إصلاح حاله .. (لأن من خان حي على الصلاة.. خان حي على الجهاد).
والذي يريد الجهاد يجب أن يصلح الحال في إقامة التوحيد، وعبادة الله سبحانه وتعالى، وأن يفرد الله بالعبادة لا يشرك معه غيره.
يقول أبو واقد الليثي: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنين ونحن حُدثاء عهد بكفر، فمررنا بسدرة يعكف عندها الكفار وينوطون بها أسلحتهم، (يعني يعلقون السيوف تبركاً ورجاء النصر)، فقلنا يا رسول الله : اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، فقال صلوات ربي وسلامه عليه: الله أكبر.. إنها السنن قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى: اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة)،
فتأمل..
النبي في زحمة المعارك والقتال ؛ وقد بلغ الأمر مبلغة ؛ وكان صلى الله عليه وسلم محتاجاً لكل نفر ، ومع ذلك لما وقع منهم شيء يقدح بالتوحيد والعقيدة أنكره عليه الصلاة والسلام، ولم يقل لأجاهد بهم أولا ثم بعد ذلك أعلمهم التوحيد .
لا .. لم يقل ذلك ...
لأن الجهاد أصلا لم يُشرع إلا من أجل تحقيق التوحيد وشهادة ألا اله إلا الله وحده لا شريك له... هذه الكلمة التي قامت بها الأرض والسماوات؛ وخلقت لأجلها جميع المخلوقات؛ وبها أرسل الله تعالى رسله؛ وأنزل كتبه وشرع شرائعه ؛ ولأجلها نصبت الموازين ووضعت الدواوين؛ وقام سوق الجنة والنار ؛ وبها انقسمت الخليقة إلى المؤمنين والكفار ؛ والأبرار والفجار؛ وهي الحق الذي خلقت له الخليقة وعنها وعن حقوقها السؤالُ والحسابُ؛ وعليها يقع الثواب والعقابُ ؛ وعليها نصبت القبلة وعليها أسست الملة ؛ ولأجلها جردت سيوف الجهاد وهي حق الله على جميع العباد؛ فهي كلمة الإسلام ومفتاح دارِ السلام وعنها يسأل الأولون والآخِرون؛ فلا تزول قدما العبد بين يدي الله حتى يسأل عن مسألتين ماذا كنتم تعبدون وماذا أجبتم المرسلين فجواب الأولى بتحقيق لا إله إلا الله معرفة وإقرارا وعملا ؛ وجوابُ الثانية بتحقيق أن محمدا رسول الله معرفةً وإقراراً وانقيادً وطاعةً .
إذاً الذي يريد الجهاد يصلح العقيدة أولا ، والذي يريد الجهاد يجاهد الجهاد الشرعي ( لا الجهاد العاطفي) فيريد أن يقاتل قومية، لا...لأننا إذا قاتلنا هؤلاء اليهود وغيرهم إنما نقاتلهم لعقيدة ودين ، دينُنا يرتفع وهو دين الإسلام، ودينهم يذِل لأنه دينُ البطالين الذين حرّفوا به .
فنحن لا نقاتل الكفار من أجل قومية عربية وإن كان من تحت لوائها كافرا كما ترى من واقع الكثير فانه حينما يطالب بقتال الكفار لا يدفعه لذلك إلا العروبة دون النظر لاختلاف الدين؛ وأما المسلم فيعلم أننا بقتالنا للكفار إنما يدفعنا لذلك إقامة دين الإسلام العظيم ونشره بين صفوف البشرية ؛ ولذلك لما أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجلٌ مقنع بالحديد؛ فقال يا رسول الله أقاتل أوأسلم؟؟ قال أسلم ثم قاتل؛ فأسلم ثم قاتل فقتل فقال رسول الله: صلى الله عليه وسلم عمل قليلا وأجر كثيرا.
والذي يريد الجهاد لا بد أن يقيم أوامر الله ويبتعد عن نواهيه ....فيقيم الصلاة ويحافظ عليها مع المسلمين، ويقيم الصيام ويحافظ عليه، ويؤدي الحج، ويؤتي الزكاة، ويؤتي ما الله جل وعلا أمر به، ويحذر وينتهي عما نهى الله عنه، هذا الذي لا بد أن يفعله من أراد الجهاد.
والجهاد إخواني له فضل عظيم ، سواء كان الجهاد في محاربة أهل النفاق الذين يُلَبِّسون على الناس دينهم والذين كَثُرت مقالاتهم في الصحف ليل ..نهار.
أحد هؤلاء الخبثاء بالأمس يكتب يقول: عدت مريضا في أحد مستشفياتنا الحكومية فوجدت ملصقا مثبّتا على أحد جدران الغرفة فقرأته فإذا به حديث شريف مؤداه انه إذا ما دعا مسلم لمسلم مريض سبع مرات فإن هذا المريض سوف يتعافى ، ويقصد هذا المنافق الخبيثُ - قوله صلى الله عليه وسلم : (من عاد مريضا لم يحضر أجله فقال عنده سبع مرار أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك إلا عافاه الله من ذلك المرض ) ؛ ثم يعلق ساخرا بقوله : فاذا كانت وزارة الصحة تعتمد نص هذا الحديث ؛ فلماذا إذن تفتح المستشفيات والعيادات وتستنـزف الميزانية العامة موظفةً الأطباء والكوادر الطبية وجالبة الأدوية من شرق وغرب... لماذا إذن لا يكتفى بهذا الحديث الذي عمم على غرف المستشفيات ؟؟؟!!! .
انظروا إلى السخرية من قِبل هذا المنافق الحقير ؛ يسخر بسنة النبي صلى الله عليه وسلم .
فأمثال هؤلاء هم الأولى بالجهاد أولاً ، والذين يجاهدونهم ويشاركون في جهادهم هم أعظم الناس عند الله قدراً وإن كانوا هم الأقلين عددا ؛ وهم خاصةُ أهل العلم لأنهم يردون على هؤلاء وأمثالهِم ممن يُلبِّسون الدين، وبعضُهم من كبار الفساق والمجنة، بل وبعضهم لعله يصلي مع الناس ويصوم مع الناس وهو منافق لا يرفع بالدين رأساً وقد جعل الله سبحانه وتعالى للمنافقين صفات يتأملها كل من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
فلم يُسمِّ اللهُ تعالى لنا المنافقين لحكمة، ولكن أعطانا صفاتِهم، حتى ننظر ونطبق هذه الصفات؛ فمن انطبقت عليه صفاتُهم فهو منهم ؛ ولا كرامة ولا نُعمى عين ، لا يخالط ولا يجالس ولا يمدح ولا يُصلى عليه إن مات ، ولا يُصلى عليه مجاملة لأنه منافق.
فالذي يريد الجهاد يوالي أولياء الله سبحانه، والذي يريد الجهاد يُعادي أعداء الله، هذا أعظم الجهاد أيها الفضلاء، ومن ثَمَّ يأتي جهاد السيف والسنان.
فإن النبي لمصلى الله عليه وسلم لم يبتدأ حرب الكفار بادئ بدء ، إنما أصلح من حوله من الناس وعلمهم التوحيد وإقامةَ الدين، وإقامة الصلوات والمحافظة عليها، ومكارم الأخلاق ثم بعد ذلك بدأ بهم الفتوح صلوات ربي وسلامه عليه.
فكيف تريدون أن تنطلقوا بالناس إلى أعلى البناء ولم تتقنوا أصله وأساسه؟؟
..{ أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خيرٌ أم من أسس بنيانه على شفا جرف هارٍ فانهار به في نار جهنم والله لا يهدي القوم الظالمين }.
وليس هذا أننا نهون من شأن الجهاد بالسيف والسنان ؛ بل إنّ قتال الكفار على أرض المعارك فضل عظيم يختص الله به مَن شاء مِن عباده.
والنبي صلوات ربي وسلامه عليه يقول: ( من مات ولم يغزُ ولم يحدث نفسه بغزو؛ مات على شعبة من النفاق ). فلا بد أن يستشعر الإنسان هذه الغاية؛ وأن يسأل الله سبحانه الشهادة بصدق، و ( من سأل الشهادة بصدق بلّغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه ) كما قال صلوات ربي وسلامه عليه.
فالجهاد ذروة سنام الإسلام وقبتُه ؛ ومنازلُ أهلِه أعلى المنازل ؛ واللذةُ به أمرٌ لا يناله الوصف؛ ولا يدركه من ليس له نصيب منه ؛ وكل من كان به أقوم كان نصيبُه من الالتذاذِ به أعظم؛ ومن عسَر فَهمه عن إدراك هذا؛ فليتأمل إقدامَ القوم على قتل آبائهم وأبنائهم وأحبابهم ومفارقةَ أوطانهم وبذلَ نحورهم لأعدائهم؛ ومحبتَهم للقتل وإيثارَهم له على البقاء؛ وإيثارَهم لومَ اللائمين وذمَّ المخالفين على مدحهم وتعظيمهم .
ومن كان مرادُه وحبُّه الله ؛ وحياتُه في معرفته؛ ومحبتُه في التوجه إليه وذكرِه وطمأنينتُه به وسكونُه إليه وحده عرف هذا وأقر به.
والمجاهدون في سبيل الله هم جند الله الذين يقيم بهم دينَه؛ ويدفع بهم بأسَ أعدائه ويحفظُ بهم بيضةَ الإسلام؛ ويحمي لهم حوزةَ الدين؛ وهم الذين يقاتلون أعداء الله ليكون الدينُ كلُّه لله؛ وتكونَ كلمةُ الله هي العليا؛ وقد بذلوا أنفسهم في محبة الله ونصرِ دينِه وإعلاءِ كلمتِه ودفعِ أعدائِه .
والجهاد في سبيل الله باب من أبواب الجنة ينجي الله به من الهم والغم؛ وقد تظاهرت آياتُ الكتاب وتواترت نصوصُ السنة على الترغيب في الجهاد والحث عليه ومدحِ أهله والإخبارِ عما لهم عند ربهم من أنواع الكرامات؛ ويكفي في ذلك قوله تعالى : {يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم} فتشوقت النفوس إلى هذه التجارة الرابحة التي دلهم عليها رب العالمين ؛ فقال : {تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم} فكأن النفوس ضنت بحياتها وبقائها ؛ فقال: {ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون} يعني أن الجهادَ خيرٌ لكم من قعودكم للحياة والسلامة .
وقال صلى الله عليه وسلم : ( لا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم في جوف عبد مسلم ).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن في الجنة مائةَ درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض ).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا يُكلم أحد في سبيل الله والله أعلم بمن يكلم في سبيله إلا جاء يوم القيامة والجرح يثعب دما اللون لون دم والريح ريح مسك ) .
فيا لله ما أحلى هذه الألفاظ وما ألصقها بالقلوب وما أعظمها جذبا لها وتسييرا إلى ربها وما ألطف موقعها من قلب كل محب وما أعظم غنى القلب وأطيب عيشه حين تباشره معانيها.
إلا لحكمة.
وكأن المعنى إذا أردتم أن تكونوا من المجاهدين حقاً ، فاتركوا الحرام واتبعوا الحلال؛ وارتفعوا بهمتكم عالياً ، وارتفاع الهمة أول دلائله توحيدُ الله سبحانه وتعالى وتصحيح المسار مع الله جل وعلا ؛ فإنكم إن فعلتم ذلك ارتفعتم وزال عنكم الذل الذي غرقتم فيه.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا الشهادة بصدق وأن يبلغنا منازل الشهداء؛ ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا لطاعته، واجتناب معاصيه.
هذا واعلموا أن العزة كلها في اتباع النبي صلى الله عليه وسلم الذي بلغ الرسالة؛ وأدى الأمانة ؛ ونصح لنا حق النصح؛ وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين من ربه سبحانه؛ وما ترك طريق خير إلا دلنا عليه ولا طريق شر إلا حذرنا منه، وإذا أردنا الهداية في الدنيا والأمن في الآخرة ، فعلينا باتباع سنته صلى الله عليه وسلم فهو أنصح الخلق للخلق، وهو الذي أنقذنا الله سبحانه وتعالى به من الظلمات إلى النور، ووفقنا للتوحيد الذي حُرم منه أناس كثيرون.. بسبب شقوتهم.
وكلما كان المسلم أشد متابعة للنبي صلى الله عليه وسلم كلما كان موفقا للخير والسداد ؛ وكلما كان قرير العين بربه سبحانه؛ ومن قرت عينه بالله سبحانه قرت به كلُّ عين ؛ وأنس به كل مستوحش وطاب به كل خبيث؛ وفرح به كل حزين وأمن به كل خائف؛ وشهد به كل غائب؛ وذكرت رؤيته بالله؛ فإذا رؤي ذُكر الله فاطمأن قلبه إلى الله ؛ وسكنت نفسه إلى الله؛ وخلصت محبته لله؛ وجعل خوفه ورجاءه كله لله؛ فإن سمع سمع بالله ؛ وإن أبصر أبصر بالله ؛ وإن مشى مشى بالله؛ فبه يسمع؛ وبه يبصر ؛ وبه يبطش؛ وبه يمشي؛ فإذا أحب فلله؛ وإذا أبغض فلله؛ وإذا أعطى فلله؛ وإذا منع فلله؛ قد اتخذ الله وحده معبودَه ومرجوَّه ومخوفَه وغايةَ قصده ومنتهى طلبه؛ واتخذ رسولَه وحده دليلَه وإمامَه وقائدَه وسائقَه؛ فوحد الله بعبادته ومحبته وخوفه ورجائه؛ وأفرد رسوله بمتابعته والاقتداءِ به والتخلقِ بأخلاقِه والتأدبِ بآدابِه؛ وكان له في كل وقت هجرتان: هجرة إلى الله بالطلب والمحبة والعبودية والتوكل والإنابة والتسليم والتفويض والخوف والرجاء والإقبال عليه وصدق اللجوء؛ والافتقارِ في كل نَفَسٍ إليه؛ وهجرةٌ إلى رسوله في حركاته وسكناته الظاهرة والباطنة بحيث تكون موافقة لشرعه الذي هو تفصيل محاب الله ومرضاته ولا يقبل الله من أحد دينا سواه.
وعجبا لأقوام يريدون شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم وورودَ حوضه ؛ وهم أبعدُ الناس عن شرعه واقتفاءِ سنته..
ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها إن السفينة لا تجري على اليبس
فنسأل الله سبحانه أن يجعلنا من المهتدين بهدي نبيه؛ المتبعين لآثاره؛ وأن يرزقنا شفاعته؛ ونعوذ بالله من مرديات الأهواء ومضلات الفتن.
اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد؛ يعز فيه أهل طاعتك ويذل فيه أهل معصيتك؛ يؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر[/size]
__________________
وأئمة أهل البدع أضر على الأمة من أهل الذنوب، ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل الخوارج، ونهى عن قتال الولاة الظلمةابن تيمية واعلموا أن هذا العلم دين، فانظروا ما تصنعون، وعمن تأخذون، وبمن تقتدون، ومن على دينكم تأمنون؛ فإن أهل البدع كلهم مبطلون، أفّاكون، آثمون. الإمام الاوزاعي ومن كان محسنًا للظن بهم، وادعى أنه لم يعرف حالهم، عُرِّف حالهم، فإن لم يباينهم، ويظهر لهم الإنكار، وإلا أُلْحق بهم، وجُعل منهم. ابن تيمية
|