عرض مشاركة مفردة
  #57  
قديم 12-05-2006, 02:49 PM
كونزيت كونزيت غير متصل
مشرفة
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2004
الإقامة: الحجاز
المشاركات: 1,156
إفتراضي

قرأت في كتاب الحيدة والذي يروي قصة المناظرة المشهورة بين أحد علماء السلف ( نسيت اسمه ) وبين بشر المريسي إمام الجهمية وذلك في مجلس أمير المؤمنين المأمون..
حيث وصف ذلك العالم كيف أنه أصابته هيبة الموقف بين يدي الخليفة بالقشعريرة والارتباك، فلاحظ ذلك المأمون وكان رجلا داهية .. فأخذ يتحدث مع الشيخ في أمور خارج الموضع الذي جاء
من أجله نحو أحوال المدينة التي قدم منها وكيف الغلاء والرخص في الأسواق وهل جاءهم غيث وما حال الزرع والضرع ونحو ذلك.... يريد من ذلك كله أن يلطف الجو
المشحون ويذهب الروع عنه ...
وهكذا فعل شيخنا ذلك اليوم ..
أخذ يتحدث مع الوالد ويسأله عن عمله وكيف أحوال الطائف وعن الأمطار ونحو ذلك
كنت أرقب في وجه والدي الابتهاج..
وأخذت أسارير وجهه بالانفراج رويدا رويدا حتى إذا ما شعر الشيخ بتهيئته بدأ شيخنا في الحديث في الموضوع الأهم!!
قال الشيخ : تعلمون أن الأخ فلان ( كنت أتمنى أن يناديني بالابن وأظن الشيخ تعمد ذلك لحكمة يقصدها فتأمل!!) قد جاء لعنيزة من أجل طلب العلم وقد لاحظت منه حرصا على العلم وصدقا في الطلب فقربته مني وصحبته معي في بعض أسفاري فرأيت منه ما أسرني وتأكدت من أمانته وحرصه على التحصيل العلمي..
غير انه قام أحد طلبتنا بالاتصال عليكم وتأكد من حاله وأنه هارب من بيته وجاء بغير إذن والديه فغضبت منه وحصل أن اتصلت عليكم مرارا فدار بيننا الحديث الذي تعلمه وحددنا هذا الزمان لكي نلتقي واحضر لكم ابنكم فلان لكي ترونه ونقرر في حاله ماهو الأصلح والأرشد له ..
سكت الشيخ ثم بدأ الوالد في الحديث ...
من عادة والدي إذا أراد الحديث الجاد أن يخلع شماغه ويضعها على حجره ويتكلمبصوت خافت وهادئ...
قال : فلان فعل فعلا لم يفعله أحد من الناس ، عصاني وعصى أمه وترك دراسته وهرب من المنزل ..
قاطعه الشيخ !!
وقال : يا أبا محمد لا داعي أن تذكر لي ما سبق أن سمعته منك ...خاصة وأن وقتي ضيق
للغاية ولدي محاضرة الليلة والناس تنتظرني في الخارج ..
سوف أعرض عليك أمرا وأنت قرر ما تراه في ابنك..!!
شيخنا رجل حازم ويحب الدخول في صلب الموضوع مباشرة ، ولا يحب الانشغال بتفاصيل قد تبعد عن الواقعة الحادثة لتنتقل نقدا وتمحيصا لما مضى وفات..
قال له :
أريدك أن تترك فلانا عندي في عنيزة وسوف أسجله في المدرسة الثانوية لكي يكمل دراسته ، ولك علي يا أبا محمد أن أراقبه وأربيه كما أراقب وأربي أحد أبناءي وثق تماما أنه سيكون تحت رعايتي ومسئوليتي بعد رعاية الله سبحانه فلا تمنعه من العلم وطلبه....
أيها الإخوة والأخوات يصيبني الخجل وأكاد أذوب من الحياء حينما سمعت هذه الكلمات من شيخنا رحمه الله ..
والله الذي لا إله سواه لم أتوقع أن يقول شيخنا ما قال ولا خطر في بالي ..
حينما تقرءون سيرة شيخنا وذلك حينما انتقلت عائلته للرياض وكان شيخنا من تلاميذ العلامة الشيخ عبد الرحمن الناصر السعدي فكان لزاما أن ينتقل التلميذ للرياض مع عائلته ولكن الشيخ ابن سعدي طلب من والد الشيخ محمد أن يبقيه في عنيزة حتى يستمر في الطلب ..
أنا لا أقارن نفسي والله بهذين العلمين الكبيرين ولكن أحكي ذلك الموقف النبيل من شيخنا عليه سحائب الرحمة والرضوان ...
لم يدر في خلدي أن شيخنا سيقول ذلك ولم يكن متوقعا ما قاله الوالد..
قال والدي وبكل ثقة واطمئنان....
مادام فلان هو في رعايتك وتحت مسئوليتك فأنا أوافق على بقاءه في عنيزة
بشرط أن يكمل دراسته ويجتهد فيها ويبتعد عن رفقة السوء ..
وله علي ياشيخ محمد أن أرسل له نفقة شهرية قدرها ألفين ريال ..
الحلقة السابعة والثلاثون
أكاد أعجز أحيانا وأقف محتارا في صياغة بعض العبارات المناسبة في توصيف بعض الأحداث !!
إن لكل كلمة رنينا خاصا ولحنا مميزا ولكل عبارة وزن لا بد من مراعاة نغماته حتى تعطي الانطباع الصادق لما ترمي إليه !!
بالمختصر ذلك أكبر من طاقتي !!
ليتني شاعرا أو أديبا حتى أنطق بما يعتلج بدواخل نفسي ...
صدقوني أيها القراء الكرام أنني حينما أتذكر تلك الأيام أو أكتب عنها ..
فإنني أعيش في جنباتها كالسائل الحائر المسكين يحضر توزيع الغنائم أو الإرث!!
ما ذا كان حالي تلك اللحظات ؟؟
كيف اصف مشاعري حينما سمعت ماقاله شيخنا؟؟
كيف أصف حالي حينما سمعت والدي يقول ما يقول؟؟
بكيت والله ، بكيت بكاء فرح ومرارة معا ..!!
ذرفت الدمع وكاد أن يكون نهرا جاريا من دمي ...
بكيت من الألم الذي اكتويت به طوال تلك الشهور التي مرت علي كقرون ..
من الطائف لأبها للرياض لحائل ثم للقصيم وبينها أمور لو تعلمونها لا أخالكم تودون معرفتها !!
دعوها لي فأنا لوحدي أكتوي بها وأجري على الله ...
قمت لوالدي فقبلت يديه ولو قدرت لألبسته تاجا من ذهب أو سورته سوارا من ياقوت!!
ولكن هل هذا ما يريده أبي ؟؟
هل يريد أبي مني جزاء أو شكورا ؟؟
ماذا يريد كل أب من ولده؟؟
إن أجمل دعاء يحب كل واحد منا عن ولده أن يقال له...
جعله الله قرة عين لك ...
نريد أبناءنا أن يكونوا قرة عين وكفى !!
أما شيخنا محمد .. فسأبقى أبد الدهر أدعو له حتى يجمعني الله به بحوله وكرمه في جنات النعيم في مقعد صدق عند مليك مقتدر ...
لم تنتهي القصة ولم أختم المقال رغم قصره سوى لأعطيكم فرصة أيها السادة الكرام أيتها السيدات الكريمات لكي تستخلصوا العبر مما مضى ..وتعلقوا ماشئتم ..
وسوف ألقاكم بعد أسبوع من مقالي هذا لكي نستأنف الجزء الثاني من القصة..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخوكم ومحبكم مالك الرحبي أبو عبد الله..
__________________









الرد مع إقتباس