ودخول البرلمانات ؟
نفس الحكاية ، وإضافة إلى كون هذه البرلمانات مبنية على ما يناقض الشرع ، هؤلاء أيضا يكرسون الواقع السياسي المزيف ، ويلبسونه رداء الشرعية ، ثم في النهاية يخرجون بمكاسب وهمية، مع أنها تزيد خلافاتهم ، وانقساماتهم ، وصراعاتهم ، لأنها في الحقيقة مكاسب حزبية شخصية ، وليست للأمة ، ولهذا وجدت السلطات إن إقحام الحركة الإسلامية في اللعبة السياسية الــــتي خيوطها بيد السلطة ، يشغلها أولا عن مشروعها ، ويوقع بينها العداوة والبغضاء ثانيا ، ويفقدها الصدقية عند الناس ثالثا ، ويحولها إلى (لحى مستأجرة ) في خدمة أطماع السلطة رابعا ،
وهذا واقعها واضحا لاتخفى منه خافية .
حسنا يا شيخ بالنسبة لمشروع النهضة ، يأتي دائما الحديث عن السلاح سبيلا للوصول إلى نهضة الامة؟
لن تنهض الأمة من غير السلاح ، الجهاد هو سبيل عزها ، لكن السؤال هو متى وأين ؟ وقد ذكرت سابقا غير مرة أنه يجب أن نفرق بين نهج التعامل مع الاحتلال ، ونهج التعامل مع السلطات المنحرفة الـــتي ابتليت بها أمتنا .
الخلط بين النهجين خطـأ بل خطر ، وضابط الأمر أن الجهاد وسيلة تغيير في مشروع أمة تحمل رسالة رحمة وإصلاح وخير ، ولهذا كانت عناوين الإسلام كلها عناوين السلام ، والإيمان ، والإحسان ، والرحمة، والخير ، والجهاد وسيلة لتحقيق هذه الغاية ، ولهذا إذا تحول مشروع الجهاد إلى مستنقع دم لامخرج منه ، فهذا مؤشر يجب أن يحدث يقظة ، ولاعيب في استيقاظ الاجتهاد بعد اكتشاف الانحراف.
ويجب أن ننتبه إلى أن العدوّ قد يكون قتاله مشروعا لكن يترجح نقل المعركة عن البيئة ، كما في مؤتة مثلا ، فالجهاد ليس خبط عشواء ، إنه مشروع لاينجح إلا بتوفر عومل النجاح .
والمقصود أنه لابد له من بيئة تحتضن الجهاد ليحقق تلك الغاية ، الصلاح ،والرحمة ، والخير ،والسلام ، والأمن ، ودخول الناس في الدين ، وإعلاء كلمة الله تعالى .
،وهذه سيرة النبي صلى الله عليه وسلم دلالتها واضحة على هذا ، فقد أُمر بكف الأيدي في العهد المكي ،
واستنصر أهل المدينة فنصروه ، وبث الدعاة فيها ، حتى قال جابر رضي الله عنه ، عن ذلك العهد ، لم يبق دار من دور الأنصار إلا ودخله الإسلام ،
فلما أعد المحضن وهاجر إليه ، انطلق الجهاد من بيئة تتبناه ، ولو انطلق في العهد المكي لم ينجح .
بل أخطر من هذا قد يتحول إلى فائدة للعدو يستثمره ، وقد يكون أعظم هدية تقدم له !
وأنا هنا لا أتكلم عن واقع ارض معينة ، فأهل مكة أدرى بشعابها، وأهل الجهاد في كل بلد أعرف بأحوالهم ، ونحترم إجتهادهم ، ونقدر تضحياتهم .
ولكن في الجملة ، يجب الأخذ بعين الاعتبار ، هذه القضية ، وهي أن البيئة، التــي تحتضن مشروع الجهاد هي سر نجاحه ،
وهي لاتحتضنه إلا إذا آمنت بمشروعه السياسي ،هذا واقع لايجوز إغفاله ، ولهذا يجب أن تعتني الحركة الجهادية بتقديم مشروع سياسي شرعي واضح المعالم ، مستبين الخطوات ، وتكون قادرة على دعوة الناس إليه .
ولهذا تكون عوامل نجاح المشروع الجهادي في مقاومة المحتل أوفر ،
ومن هنا نرى جهاد المحتلين استمر ناجحا في فلسطين ، والشيشان، وكشمير، والفلبين والعراق ..إلخ ، بينما كانت ولازالت مشاريع التغيير المسلح الذي يصصدم بسلطة قابضة على شعوب مغلوب على أمرها ، ينتهي إلى طريق مسدود .
وما الحل إذن ؟
أولا يجب أن نعلم أنه لايمكن للأمة أن ينطلق توجهها الحضاري ، من غير نظام سياسي شرعي سليــم ، يقوم على أنقاض هذه الأنظمــة الحالية ؟
بمعنى ؟
بمعنى أن طاقات الامة الحضارية تتحول إلى أصفار من غير نظام سياسي مرشد ، يوظفها ويجمعها ، ويصهرها في بوتقة التوجه الحضاري لها ،
وسبب تخلف أمتنا وتحول الشعوب حتى العلماء والمفكرين إلى تأثيرهامشي ، أن نظامنا السياسي المتعفن ، قائم على جاهلية تحارب الإسلام ،
ومع ذلك فليتها جاهلية تحمل شيء من العدالة تفيد شعوبها مثل الغرب ، بل النظام السياسي العربي العفن كله قائم على ركنين فقط : ـ
نظام يسرق ، وينهب ، ويسخر ثروة الأمة ، ومكتسباتها له ، وللأجنبي ، والضمير في له يعود إلى العوائل الحاكمة حتى لو كانت جمهوريات في الظاهر ، فإنها سرعات ما تتحول إلى عوائل ومن يدور في فلكها !
ومنظومة أمنية ، متوحشة ، وقاسية على شعوبها ، تحقق له هذا الهدف .
ألا يوجد استثناء ؟
ياليت !
لكن بعض الدول لديها مؤسسات تقول إنها تحمي المواطن والرقي بالشعوب ؟
كل شيء مزيف ، الحقيقة هي ما ذكرت ، لكن لانه لابد من مظاهر خداعة تستر هذه الحقيقة ، ولهذا تأتي الديكورات التي يسمونها دولة المؤسسات ، وفصل السلطات ، والمجالس النيابية ،وحرية الصحافة !
حتى المفــتي الرسمي ، وهيئات الفتوى الرسمية ، وشيخ الديار! كلهم ديكورات في الحقيقة ، فلايمكن للمفـــتي أن يصدر فتوى إلا بعدما يأذن رئيس جهاز الأمن ، حتى لو كان في حال سكر أو عهر ـ عفوا ـ تلك الليلة ينتظرونه حتى يفيق فينظر في الفتوى!!
هذا هو واقعنا شئنا أم أبينا ؟
هل سمعت بمفــــتي حصل بينه وبين رئيس الدولة صدام مثلا ، ثم أصبحت مشكلة سياسية ، مثل ما يحدث في مثلا بين بعض الحكومات والمعارضة على سبيل المثال .
ياليت
هــا ،، أنت الآن تقول ياليت؟
ليس المقصود طبعا مجرد المعارضة ، لكنه واقع مرير مشاهد .
لكن يوجد تفاوت في الانظمة في الظلم وهامش الحرية للشعوب ؟
نعم يوجد تفاوت هذا لاينكر ، لدينا مثلا يوجد ما يسمى بمؤسسات المجتمع المدني تعيق يد الظلم قليلا ، وتمنح هامشا من الحرية ، كما يوجد أعراف أجتماعية تفرض نوعا من العدالة النسبية ، وتحامي الظلم ، وثمة قوانين تمنح حقوقا ما ، تخفف كثيرا من التعسف في استعمال السلطة .
بعض الناس يقولون هذا الظلم في النظام العربي من الشعوب نفسها هي السبب ؟
لانخليها من المسؤولية بلا ريب ، لكن لاينبغي أن ننسى أمرا مهما ، إن إبقاء الشعوب لدينا في (ثقافة الرق للحاكم ) ، أعني تكريس شعور الإنسان بأنه مجرد رقيق للدولة ، مراقب في كل تحركاته ، ومعاقب إذا خالف ( ولي الأمر ) على معنى أن ( الأمر ) هنا هو أمر المواطن التابع ، كما الطالب في المدرسة ، وليس أمر الأمة ولا الإسلام!، وللأسف نقول حتى إن النظام ليس وليا لأمر من جعلهم رقيقا له ، بل صار وليا لأمر الأعداء !
ولهذا حتى لو دمّر الحاكم أمر الأمة والإسلام ، يبقى (ولي أمر ) ! فما أدري عن أي (أمر) يتحدثون ؟!!
أقصد إبقاؤه الشعوب في هذه الحالة مقصود ، ومدروس ، حتى من الغرب نفسه ، فهم يريدون أن تبقى شعوبنا تعيش ( ثقافة الرق للدولة ) لأنها بذلك تتحول إلى أصفار ، ولايمكن لها أن تتحرك إلا كالقطيع .
فاذا تمت السيطرة على رأس السلطة ، فإن الشعوب تسير كالقطعان .
هذه الشعوب، صارت هكذا ، لأنها ضحية ، فيجب أن لاننسى هذا فنقسو عليها في الحكم ؟
ضحية ؟!
نعم ضحية للسلطات بقبضتها الأمنية ، الـــتي ربتها على طاعة الهراوات وانتظار المعاشات وشكر طويل العمر!
وضحية أيضا للعلماء والمفكرين المزيفين الذين يقولون لها : هكذا هو المواطن الصالح ، أو هذا هو الدين المنزل !
__________________
لله در الفضيل بن عياض حيث يقول : لا تستوحش من الحق لقلة السالكين ، ولا تغتر بالباطل لكثرة الهالكين . وأحسن منه قوله تعالى : ( ولقد صــدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقاً مـن المؤمنين)
|