الحلقة الخامسة والأربعون
في أيام رمضان تتوقف الدروس في الجامع سوى تلك التي تعني
بالشهر الفضيل
والصوم والوعظ ونحوه.. كما سبق بيانه ..
في طريق عودة شيخنا للمنزل قبيل غروب الشمس حيث يمكث لقراءة حزبه في المسجد ..
يدعو الشيخ كل من رآه من طلبته وغيرهم لمرافقته لتناول الإفطار في منزله...
أما أنا فكنت افطر كل يوم من تلك الأيام في بيته..
وقبل أذان العشاء بقليل يتوجه الشيخ مشيا على قدميه للجامع ..
ويصلي بالناس العشاء والقيام ..
و يقرأ كل ليلة نصف جزء من القرءان تقريبا
ويصلي إحدى عشرة أو ثلاثة عشر ركعة كما هي السنة..
يختمها بقنوت خاشع وخاضع .. ولا يقنت أحيانا قليلة..
بقيت في عنيزة خمسة عشر يوما أو ثمانية عشر يوما تقريبا ..
ثم استأذنت شيخنا للذهاب للطائف لزيارة العائلة والبقاء عندهم..
حتى قدومه لمكة.. حيث أرغب في رفقته وصحبته هناك ..
فقال الشيخ لي: على بركة الله .. واللقاء في مكة..
فرحت بهذا الشرف حيث سأكون رفيقا لشيخنا في تلك الأيام الفضيلة..
حجزت من مطار القصيم مرورا بالرياض إلى الطائف ..
وأكدت الحجز بمشقة كبيرة ..
ودعت شيخنا بعد صلاة الفجر و أوصلني أحد رفقائي للمطار ضحى..
وكانت تلك أول سفرة لي للطائف بعد ذهابي لإحضار حاجياتي..
وصلت للمطار .. وتوجهت لكاونتر السفر ..
فقال لي الموظف: الطائرة تأخرت !!
فقلت له: وكم ساعة تأخرت؟؟
قال : لا ندري ؟؟
ولكن طائرتكم المغادرة للرياض سوف تذهب أولا من الرياض إلى منطقة الجوف
ثم تعود للقصيم لتنقل المسافرين إلى الرياض...ّ!!
وهي حتى هذه اللحظة لم تغادر من الرياض والمفروض أنها غادرت فجرا ..
ونصيحتي لك تبدل حجزكم لجده .. فهي مغادرة بعد ساعتين....
ترددت بين الخيارين ..
ولكن في النهاية عزمت على البقاء للسفر على رحلتي الأصلية ..
حيث أن رحلتي المغادرة من الرياض للطائف ستكون قريبا من العصر..
فأملت أن أدركها ..
ألح علي أحد زملاء السكن أن أسافر على جده فهي أضمن ولكنني أبيت !!
غادرت رحلة جده حوالي الساعة الحادية عشرة حيث تأخرت قليلا ..
انتظرت رحلتي في المطار من الساعة الثامنة صباحا وحتى قريبا من العصر ..
وبلغ بي الجهد والانتظار والملل مبلغه ..
حيث لم يعد لي أي خيار آخر سوى تلك الرحلة ..
وأخيرا جاءت طائرتي حوالي الساعة الخامسة عصرا... ولم تكد تصل..
انطلقنا للرياض .. ووصلنا بعد أربعين دقيقة ..
ولكن للأسف رحلة الطائف كانت قد غادرت الساعة الثالثة عصرا!!
توجهت لكاونتر المبيعات لأستفسر عن الرحلة التالية للطائف..
فوجدت طوابير هائلة من البشر تقف في صفوف مبعثرة وغير مرتبة ،
يستجدون موظفي الخطوط العابسين المشمئزين!!
وقفت مع الناس حتى أذن علينا المغرب فغادرنا الموظفان الكريمان دون أن يخبرا الناس .. أين وجهتهما !!
وبقينا حوالي النصف ساعة والأرتال واقفة فيهم الكبير في السن والمريض وصاحب الحاجة ، ولا تسل عن تأفف الناس وتضايقها ؟؟
وأخيرا رجع أصحاب السعادة وهم فرحون ويتمايلون ويضحكون بعد
تناول وجبة الإفطار وأداء الصلاة طبعا بكل خشوع واطمئنان !!
ولا بأس قليلا من نيل قسط من الراحة والاسترخاء ومعرفة آخر الأخبار !!
عاد صاحبانا وهما يمضغان العلك!!
ليرطبا نسماتهما الزكية من روائح الطعام الشهي واللذيذ !!
كانا في قمة النشوة والنشاط بحيث أنهما لم ينهيا سوى عدد ضئيل من
المسافرين( الضعفاء) حتى أذن عليهما لصلاة العشاء، فانصرفا راشدين فخورين
لأداء صلاة الفرض ومعها ربما !!كم ركعة من التراويح!! ليروحا عن نفسيهم
من عناء العمل والمكدة على الناس!!
قد يقول البعض أنني أبالغ ولكن والله هذا ما حصل ذلك اليوم..
وهو شيء مشاهد للأسف ولا يخفى على الجميع..
ونراه ونشاهده بوتيرة مختلفة من مطار لآخر ومن زمن لآخر ..
والله من وراء القصد..