أذكر مرة أنني كنت في ماليزيا ذلك البلد الآسيوي العملاق ..!!
وأسميه عملاقا ليس بسبب حداثته وتطوره فحسب !!
بل لثقافة شعبه المسلم والمتمسك بقيم الحضارة مع تمسكه بدينه ومبادئه!!
كنت بصحبة عدد من الأصحاب في منطقة اسمها (قنتن هايلاند ) وهي منطقة
ساحرة وخلابة تقع في شرق العاصمة كوالالمبور على بعد عشرين دقيقة تقريبا
(بالمناسبة !! سعر التذكرة على التلفريك شاملة ركوب الباص من العاصمة
وحتى محطة التلفريك مع ركوب التلفريك ، جميع ذلك ذهابا بخمسة ريالات فقط!!)
حينما وصلت مع أصحابي للطابور الواقف أمام العربات المعلقة والمسماة التلفريك ، هالني العدد الهائل من الناس ..
والذين يقفون في طوابير لا تكاد تعد ولا تحصى من البشر ..من النساء والأطفال والشباب والشيوخ..
فقلت لصحابي سنصل لأول عربة غدا إن شاء الله ..؟؟
فالتفت لي صاحبي وقال: أنت في بلد منظم ياعزيزي أنتظر وسترى !!
كان الصف يتحرك بانتظام وبدون توقف ولا يتقدم احد على الآخر كل يعرف سبيله وحدوده..!!
وصلنا لأول الصف بعد عشرين دقيقة تقريبا .. وهذا والله ما حدث!!
دعوني أكمل رحلتي فمالنا وما لماليزيا ؟؟
أخيرا وصلت لسعادة الموظف في كاونتر المبيعات ..
تصنعت ابتسامة وردية حتى أكسب وده وتعاطفه ورحمته..
وكأنني واقف في طابور للشحاته !!
تكلم معي دون أن ينظر لوجهي الكئيب!!
بكل برود وعنجهية قال :
مافي رحلات رح بر اصرف لك !!
فقلبت حساباتي ودرست وضعي النفسي والجسدي خلال ثانيتين !!
فلم يطق صاحبي الانتظار وقال لي : خلصنا يامطوع!!
قلت :يا أخي (وكدت أقفز من فوق الكاونتر واقبل يديه!! )
أنا مواصل من القصيم وتعبان .. شفلي أي مقعد ولو درجة أولى.. الله يخليك!!
قال ورفع يده ومسح بالأخرى على قفاه : رح سجل انتظار وبعدين أشتري
التذكرة من عندي!!
قلت وأنا أمسح بيدي : طيب لا مشكله ، بس إن رجعت عندك هل يجب علي
أمسك الطابور مرة ثانية؟؟
قال: طبعا !!
هذا النظام!!
ثم أمرني بالانصراف لينهي من بعدي من البؤساء!!
توجهت أجر ذيول الخيبة للكاونتر المذكور..
ويالله العجب !!
كل الوجوه عابسة ذلك اليوم ..
العسكر والموظفون و حتى عمال النظافة ..
أعوذ بالله ...كأننا في حرب ولسنا في مطار ..
حينما عبرت من عند نقطة التفتيش .. الداخلية ..
لم أجد مكانا لأقف عنده.. من الزحام وكثرت الرائح والغادي!!
ولا يكاد المرء يجد مساحة للهواء ليتنفس الهواء النظيف !!
كنت كلما مر بجواري موظف رسمي أمسك به و اسأله أين كاونتر الانتظار؟؟
يقول لي أحدهم .. يمين !!
والآخر يقول هناك أمامك ..
وآخر ينظر لي شزرا وباحتقار ولا يرد علي ..!! كأنني قتلت أباه وأمه!!
ولكن أخيرا دلني عامل النظافة جزاه الله خيرا ..!!
ويا للعجب ..
حينما وصلت للكاونتر .. رأيت أكداسا من البشر أغلبهم من الجاليات الآسيوية من الهند وبنغلادش وسيرلنكا وغيرها من البلدان ..
وأغلبهم بلباس الإحرام ..
مكدسة أمام موظف واحد لا تسل عن وصفه وعن ملامحه ؟؟
وعن تجهمه المفرط ؟؟
حينما ترى صفوفا من هذا النوع فالوسيلة الوحيدة للوصول للموظف ..
هو أن تخترق الأرتال بالدفع عن اليمين والشمال والمزاحمة وشد الشعور واللطم أحيانا!!
وإلا فوا لله لن تصل إليه أبدا..
أما أنا فبقيت واقفا بكل أدب أنتظر دوري ..
وكنت كلما اقتربت للموظف جاءت أمامي طوابير جديدة
فيعيدني العسكري الأسمر ذو الشوارب الذابلة !!
قائلا: من أول الصف يامطوع!!
شاهدت عاملا توجه لموظف الخطوط ويظهر انه مسئولهم أو مديرهم
فانكب على يده يقبلها ويبكي ويتلوى ويرفع تذكرته ويقول..
والله أنا من ثلاثة يوم مافي أكل وشرب ولا نوم أبغى أسافر للدمام..!!
فقال الموظف بعد أن شعر بالحرج من نظر الناس وتجمعهم لهذا المشهد المخزي!!
المشكلة من الكفلاء يرمون هذولا المساكين ولا يؤكدون حجوزاتهم!!
رمى السيد المشكلة على الكفلاء نور الله قلوبنا وعقولنا ؟؟
في كل مكان ترى الهمج من شبابنا للأسف !!
وقف مجموعة من الفتية متوسطي الأعمار والمراهقين!!
مستغلين تلك الفوضى والهرج والمرج !!
ودلوا رؤوسهم من فوق السور العلوي
في أعلى المطار فوق كاونتر الانتظار مباشرة !!
وصرخوا على العمالة المسكينة المتجمهرة أمام الموظف وقالوا لهم: تبغون
تسافرون مكة؟؟
روحوا هناك فيشيرون عليهم للكاونتر المجاور ..
فيتراكض الضعاف ويحدثون جلبة .. ثم يكتشفون أنهم خدعوا !!
فيعودون مرة أخرى ..
فيتمايل أولئك الفتية بالضحك والمزاح!!
مع أنه يحيط بموظف الخطوط مجندين من الشرطة بزعم تنظيم الصفوف والأرقام.. !!
وهيهات!! فهما لا يتحركان ساكنا وكأن الأمر لا يعنيهما ..
إن وظيفة هذين الأخوين الكريمين كما شاهدت بعيني هو السوالف والحديث مع بعضهما أو مع موظف الخطوط ولا بأس من التوسط لصديق أو قريب على حساب المساكين اللذين لهم الله تعالى!!
لا أريد أن أطيل عليكم وقد فعلت !!
بقصة فارغة وطويلة قد لا تكون مفيدة ..
ولكن يعلم الله تعالى أنني لم أصل للطائف سوى بعد مرور أكثر من أربعين ساعة من الانتظار والعذاب أخلف الله علينا خيرا !!