عرض مشاركة مفردة
  #1  
قديم 17-05-2006, 03:22 PM
tijani tijani غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Sep 2004
الإقامة: Netherlands/Marocco
المشاركات: 32
إفتراضي منطق الإبادة أو الخروج على الفطرة

منطق الإبادة أو الخروج على الفطرة
(موازنة بين الهولوكست اليهودي وإبادة المسلمين)



بقلم التجاني بولعوالي
شاعر وكاتب مغربي مقيم بهولندا
http://www.tijaniboulaouali.nl


الخروج على الفطرة الأصلية
من سنن الله تعالى أنه جعل الخلق ينبني على ثنائيات مختلفة ومتضادة، تهب الوجود سر الحياة والاستمرار والديمومة، وكأنما عن الاختلاف يتولد الائتلاف، ومن التضاد تنبثق لحمة التناسق، دون أن نشعر في واقع حياتنا بالفوارق الطبيعية البارزة، التي تنشأ بين تلك المتضادات، في أعيننا وأذهاننا، فنتأقلم، بلا وعي منا، مع هذا الوجود الذي يتركب، أصلا، من أزواج مختلفة، وأضداد متباينة، وكأن الزوج أو الضد لم يوجد إلا ليكمل ضده أو زوجه الآخر، ولو أنه يختلف عنه اختلافا كبيرا.

إذا كانت سنة الله تعالى تسري بشكل عفوي في الوجود، وهي منزهة عن التكلف أو الاصطناع، فإن تجلي هذه السنة في الخلق، من خلال سلوكات الإنسان، هو الذي يفرغها من معانيها الحقيقية، ويبعدها عن حقائقها الأصلية، وهو يمارس بذلك نوعا من التمرد عن القانون الإلهي، والانحراف عن الأصل الفطري، وهكذا ينشأ التضاد السلبي على أنقاض التضاد الإيجابي في الطبيعة والوجود والحياة، وهو تضاد محكوم بالنفس البشرية المنزاحة نحو المحظور، دون مراعاة لتعاليم السماء، وأعراف الناس، مما يترتب عن ذلك منزلقات خطيرة في عالم الإنسان، ترجح كفة الشر عن كفة الخير، وهي مأخوذة بحب الذات وكره الغير، إلى درجة أن أغلب أحداث التاريخ الإنساني ناجمة عن هذا التنكر الصريح للفطرة الأولى، التي يبدو فيها الإنسان بريئا خاضعا خضوعا تاما لما يمليه عليه اعتقاده، وهو تنكر سببه الإغراق الطائش في هوى النفس الأمارة بالسوء، وهي تتوكأ على عكاز الشيطان، وبمجرد ما تسلب هذا العكاز تسقط سقوطا مشينا لا مخرج منه!

وهذا السقوط المشين هو ما آلت إليه البشرية، وهي تزعم أنه تقدم وتحرر ونماء، لكنه على المستوى العميق تقدم مادي مبني على تخلف أخلاقي، وتحرر من الفطرة النقية، ونماء محاصر بتحديات أكبر مما حققته الإنسانية من تنمية، حتى أنك لو أنفقت كل ما توصل إليه الإنسان من مكتسبات فكرية ومادية واقتصادية وتكنولوجية... في ما يتخبط فيه العالم من مخاطر تهدد الطبيعة والإنسان، فإنك لن تتمكن من حل ولو جزء بسيط منها، فأي تقدم هذا، وأي تحرر، وأي نماء!

إن الإنسان الذي وضع في مذكرة مشاريعه الكبرى فكرة التحكم في الطبيعة وتسخيرها، صار محكوما بالطبيعة، سواء من خلال مواردها المتنوعة التي دون توفرها، قد تصبح حياة البشر مهددة بالانقضاء والانقراض، لذلك نرى أن خوف الإنسان من نفاد هذه الموارد واستنزافها، يزيد يوما بعد يوم، مما يصعد لديه شعور السطو على منابع موارد الطبيعة الأساسية، التي هي ضرورية للمجتمع الإنساني، أو من خلال مناخاتها المتقلبة التي تجعل حياة الإنسان محكومة بمناخ البيئة التي يعيش فيها، رغم التقدم الهائل الذي شهدته البشرية عبر مراحل التاريخ الحديث والمعاصر، مما يثبت أنه مهما حاول الإنسان التحكم في الطبيعة ومواردها وأحوالها، فإنه يكتشف مدى نسبية المكتسبات والابتكارات العلمية والصناعية والتكنولوجية التي يتم التوصل إليها.

ومع ذلك، نلمح أن الإنسان مسكون بنزوة التحدي والكبرياء وادعاء القوة، لا يعترف، إلا نادرا، أو إلا لدى بعض المؤمنين، بضعفه الجلي أمام قوى الطبيعة ومخاطرها بصفة خاصة، وفي سائر أطوار حياته بصفة عامة، (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ) الروم آية 54، ولو أن الخالق تبارك وتعالى سخر له هذه الطبيعة، كما ورد في بعض آي القرآن الكريم، (وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَار/وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارََ) إبراهيم آية 32/33، (وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) النحل آية 12، (وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) النحل 14، وغير ذلك من الآيات القرآنية المعبرة عن تسخير الله تعالى مصادر الطبيعة ونعمها للإنسان، لكن لاستخدامها استخداما سليما خلوا من التعدي والتجاوز، والاستنفاع بها استنفاعا معتدلا خلوا من التبذير والإسراف، وإلا انقلبت هذه الطبيعة عليه، كما ينقلب السحر على صاحبه، خصوصا إذا ما استخدمها استخداما منحرفا، محفوفا بالضرر والاستنزاف والاستهلاك العشوائي، الذي يهدر موارد الطبيعة التي لا تتجدد أو أنها تتجدد بعد أمد طويل، مما يخل بالتوازن الطبيعي، فتترتب عن ذلك شتى المعضلات المستعصية والكوارث القاتلة والظواهر المبهمة والأوباء الغريبة، من مثل ثقب الأوزون، وارتفاع درجة حرارة الكرة الأرضية، والبراكين والزلازل وغير ذلك، وكأن الطبيعة تعبر بهذه الظواهر المشاهدة عن تألمها العميق وغضبها الدفين مما يلحق بها من إهدار وإهلاك.


يتبع...
__________________
التجاني بولعوالي
شاعروكاتب مغربي مقيم بهولندا