عرض مشاركة مفردة
  #2  
قديم 17-05-2006, 03:24 PM
tijani tijani غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Sep 2004
الإقامة: Netherlands/Marocco
المشاركات: 32
إفتراضي منطق الإبادة أو الخروج على الفطرة

منطق الإبادة أو الخروج على الفطرة
(موازنة بين الهولوكست اليهودي وإبادة المسلمين)


بقلم التجاني بولعوالي
شاعر وكاتب مغربي مقيم بهولندا
http://www.tijaniboulaouali.nl


بين الهولوكست اليهودي وإبادة المسلمين
ومادام الإنسان يعتبر محور قصة الحياة التي تجري فصولها على خشبة الطبيعة، فإننا ارتأينا أن نتطرق في هذه الورقة إلى الإبادة التي تعرض إليها المسلمون عبر مراحل التاريخ، ونحن نستحضر أحداث المحرقات الألمانية التي تم أثناءها التنكيل باليهود، وهي معروفة بالهولوكست (Holocausts)، فعرف الصهاينة كيف يوظفون عبر التاريخ المعاصر تلك الأحداث لصالحهم، فينجحون في استقطاب العطف العالمي، بمختلف وسائل السياسة والدعاية، التي جعلت مما أصابهم على يد النازية في أواخر النصف الأول من القرن الماضي، يرقى إلى أن يكون أسطورة يهودية جديدة، تنضاف إلى أساطيرهم القديمة!

وهذا لا يعني أننا نشكك فيما تعرض إليه اليهود من تحريق وتقتيل ومحق من قبل هتلر، وإنما نشكك في جملة من المعلومات والأرقام التي دعموا بها هذا الحدث التاريخي، وذلك استنادا إلى معطيات وتفسيرات أكثر من مؤرخ ومفكر غربي، ففيما يتعلق بالأعداد التي تم قتلها وتحريقها، التي يدعي اليهود أنها تقدر بحوالي ستة ملايين، وهو رقم جد مبالغ فيه، خصوصا وأن العدد الإجمالي لليهود الذين كانوا آنذاك يستوطنون ألمانيا والدول الأوروبية التي احتلتها، كان يربو بقليل على ثلاثة ملايين، وهذا المعطى ورد في الكتاب اليهودي السنوي: (5702)؛ فمن أين جاء الرقم ستة؟! ثم إن هناك أكثر من مصدر غربي يشير إلى أن عدد اليهود الذين تمت تصفيتهم في المحرقات الألمانية يحدد في المليون وربع مليون قتيل، كما جاء في كتاب (القضاء على يهود أوروبا) لكاتبه رؤول هلبرج، أو في أقل من المليون كما ذكر معهد التاريخ بباريس.

ثم إن هذا العدد من الضحايا المتراوح بين ما يقل عن المليون أو يزيد عليه، لا يشكل إلا نسبة جد ضئيلة (5%) بالنظر إلى ضخامة ضحايا الحرب العالمية، الذين يقدرون بالخمسين مليون قتيل، كما أن ثمة نسبة لا يستهان بها من ضحايا اليهود، كانت نتيجة المجاعة التي عمت، في العشرية الثالثة من القرن الماضي أغلب بقاع العالم، غير أن اليهود استطاعوا، بخداعهم المعروف، ودهائهم الخبيث، أن يوظفوا تلك الأحداث لصالح أغراضهم السياسية والأيديولوجية، فيتمكنوا بعد مدة وجيزة من تاريخ تلك المحرقات من أن ينالوا وطنا، بمباركة من الغرب الاستعماري، ومعاضدة من مختلف الدول الغربية، كمكافأة سمينة على ما ألحقه بهم هتلر من محق وإبادة!

كذلك لم نستحضر هذه اللمحات التاريخية المتداولة في أدبيات التاريخ اليهودي المعاصر، إلا لنؤكد أن اليهود عرفوا كيف يضخمون حدثا تاريخيا عاديا، نقول إنه عادي، لأن ذلك كان متزامنا مع استعمار مئات الشعوب، ومنها الشعوب العربية والإسلامية، التي كانت تقتل بالملايين، فوظفوه بأسلوب ذكي، في حين سكتت الشعوب الأخرى وهي راضية بالاستقلال النسبي والمشروط!

وفيما يرتبط بالحالة العربية والإسلامية، جدير بنا أن نذكر أن شعوبنا تعرضت لأضعاف مضاعفة مما أصاب اليهود في ألمانيا، وثمة معطيات تاريخية تقدر بالأرقام ضحايا الإبادات و(الهولوكسات) التي تعرض إليها المسلمون عبر مختلف مراحل التاريخ، لكن لم يعرفوا كيف يوظفونها، ليس بالتسول لدى المحافل الدولية والاستعطاف وطلب الشفقة، وإنما بوضع الغرب المتغطرس أمام أخطائه الرهيبة التي لا تغتفر، والتي يتحتم عليه أن يكفر عنها، بالتعويض المادي والمعنوي، أو بالقوة والعقاب.

وهذه بعض التقديرات المنشورة في عدد من المصادر الرقمية، حول ضحايا المسلمين أثناء مختلف الأحداث التاريخية:
- إبادة أكثر من نصف مليون مسلم على يد المسيحيين أثناء مختلف الحملات الصليبية، التي امتدت بين القرن 11 الميلادي والقرن 15.
- مقتل أكثر من مليون مسلم على يد المغول، الذين سيطروا على بغداد سنة 656هـ، ونكلوا بالمسلمين شر تنكيل، حتى تلونت مياه دجلة والفرات بلون الدم، كما يذكر المؤرخون.
- مئات الآلاف من المسلمين منهم من تمت تصفيته، ومنهم من أجبر على تغيير ديانته، ومنهم من تم استصدار ممتلكاته ونفيه، وذلك أثناء سقوط الأندلس، بسقوط غرناطة سنة 897 هـ.
- قتل واستبعاد وتشريد أكثر من مليون مسلم أثناء قيام التمرد والثورة ضد الدولة العثمانية، التي كانت نهايتها سنة 1918م.
- إبادة وتشريد أكثر من ثلاثة ملايين مسلم أثناء وبعد الاستعمار الأوروبي للعالم العربي والإسلامي، عقب الحربين العالمية الأولى والثانية.
- قتل وتشريد أكثر من خمسة ملايين مسلم من قبل الحملات التي قام بها القيصر الروسي على مختلف المناطق الإسلامية المجاورة لروسيا.
- التنكيل بأكثر من مليون مسلم بسبب المد الاشتركي الذي مارسه السوفيات على ما كان يعرف سابقا بالجمهوريات الروسية.
- إبادة أكثر من المليون ونصف مليون مسلم في الصين والفيتنام وكمبوديا ومختلف بقاع الشرق الأقصى، وذلك منذ الحرب العالمية الثانية.
- قتل وتشريد أكثر من نصف مليون مسلم في بورما منذ الحرب العالمية الثانية.
- إبادة أكثر من نصف مليون مسلم في الهند وكاشمير، منذ سنة 1947م.
- إبادة أكثر من نصف مليون مسلم في البوسنة والهرسك من قبل الصرب والكروات، وذلك في بداية العشرية التاسعة من القرن المنصرم.
- قتل أكثر من مائة ألف مسلم في كوسوفو وألبانيا، خلال منتصف العشرية التاسعة من القرن الماضي.
- إبادة وتشريد ونفي أكثر من خمسة ملايين فلسطيني، من قبل الصهاينة، وذلك منذ احتلالهم لفلسطين سنة 1948م.
- التنكيل بأكثر من خمسة ملايين مسلم أثناء الغزو الروسي لأفغانستان.
- مقتل أكثر من مليون طفل عراقي أثناء العشرية التاسعة من القرن الماضي، من جراء الحصار الذي مارسته أمريكا والأمم المتحدة على العراق.
- بالإضافة إلى تصفية عشرات الآلاف من المعتقلين في سجون الدول العربية والإسلامية، المدعمة من الغرب، ومقتل آلاف العراقيين المدنيين أثناء حرب الخليج الأولى والثانية على العراق.

بناء على هذه المعطيات التقريبية التي تقدر عدد ضحايا المسلمين، الذين تعرضوا إلى شتى أصناف التقتيل والتنكيل والتصفية والنفي والتشريد والاستبعاد وغير ذلك، يتبين مدى ضراوة الإبادة التي مورست على المسلمين عبر التاريخ، من مختلف الجهات الأجنبية، سواء بهاجس التوسع السياسي الاستراتيجي، أو الطمع في ثروات العالم الإسلامي، أو الصراع الديني الذي حاولت من خلاله الحركة الصليبية عرقلة الامتداد الإسلامي، وهذا معروف ومدون لدى الغرب، الذي لم يفكر بتاتا في إنصاف أهل الإسلام، ولو بالكلمة الصادقة في حق هذا الدين العظيم، أو الاعتراف الجميل بفضل الحضارة الإسلامية على الحضارة الغربية، لكن كيف له أن يصنع ذلك، مادام يعتبر طرفا مهما في معادلة تلك الإبادة التي مست المسلمين.

ثم إن الهلوكست الذي مارسه هتلر على الشعب اليهودي، فكانت ضحيته المليون قتيل، ليس إلا قطرة من يم الإبادات التي تعرض إليها المسلمون، غير أن اليهود تمكنوا من أن يستغلوا ذلك، استغلالا إعلاميا وسياسيا وأيديولوجيا وثقافيا، وفي بضعة عقود تأتى لهم ما كانوا يفتقدونه قبل حدث المحرقة، من وطن وعطف دولي وتعويضات مادية خيالية وغير ذلك، في حين زاد مفعول إبادة المسلمين، التي تم شرعنتها في المحافل الدولية، وبمباركة من بعض المحسوبين على الإسلام، فصار كل من يرفض الغرب يباد باسم الحرب على الإرهاب، وكل من يدافع عن وطنه يمحق باسم الحرب على الإرهاب، وهكذا دواليك.

عود على بدء، إن سعي الإنسان إلى إبادة أخيه الإنسان قصد الانفراد وحده بسلطة العالم، يندرج في إطار الانحراف عن الفطرة الأصلية التي خلق عليها، وهكذا ينشأ التضاد السلبي على أنقاض التضاد الإيجابي في الطبيعة والوجود والحياة، وهو تضاد محكوم، كما سبقت الإشارة، بأهواء النفس ورغبتها في التملك والسطو والاستحواذ، مما سبب شتى الويلات للإنسانية والطبيعة، وهي ويلات تظل مستمرة رغم التقدم الباهر الذي يحققه الإنسان، بل وتشتد كلما اشتد تطور الإنسان، وكأن الله تعالى يُعجز الإنسان بهذه الإشكالات والتحديات التي يبدو أمامها جهولا ويائسا وحقيرا، رغم ضخامة المشاريع الصناعية والتكنولوجية والعلمية التي تمكن من تحقيقها، لأنه اختار أن ينحرف عن الطريق المستقيم مندفعا خلف هوى النفس وحب السلطة والانقياد للشيطان! وبمجرد ما يعود الإنسان إلى رشده، ويؤؤب إلى فطرته الأصلية، تنكشف الظلمة، وتتبدد العتمة، فلا نسمع عن إنسان يقتل إنسانا، من أجل برميل نفط، أو شبر أرض، أو لأنه يعبد الله!
__________________
التجاني بولعوالي
شاعروكاتب مغربي مقيم بهولندا