عرض مشاركة مفردة
  #2  
قديم 25-05-2006, 12:33 PM
أبو إيهاب أبو إيهاب غير متصل
مشرف
 
تاريخ التّسجيل: Mar 2004
المشاركات: 1,234
إفتراضي

وليس من حقنا أن نلوم سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام إذا اتخذ مواقف ضد التعصب ، أو كان متحمسا لنشر الدعوة ، أو اتخذ مواقف عائلية بين زوجاته ، من وجهة نظره هو . فهذه المواقف الإنسانية الصرفة ، حينما تحيد قيد أنملة عما يرتضيه الله سبحانه له ... الذى قال لرسوله "وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ {48} سورة الطور" ... يسارع الوحى بتصحيحه ليكون القدوة للمسلمين ، فيقول له "عبس وتولى ....." .. "لم تحرم ما أحل الله لك ....." .. "عفى الله عنك لم أذنت لهم ...." .. "... وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ ..." ، وهكذا ، تحرسه عناية الرحمن فى كل خطواته .
وهكذا نرى القرآن الكريم يصف الأنبياء وصفا دقيقا لا مغالاة فيه ، فهم معصومون من الذنوب الكبيرة ، وذلك ليس كما فعلت التوراة التى نسبت إليهم كل نقيصة وشوهت صورتهم الحقيقية ، وأتباع الإنجيل ، الذى وصل بهم الأمر إلى تأليه سيدنا عيسى عليه السلام وغالوا فيه غلوا أخرجه من البشرية ، بالرغم من أن بشريته واضحة كل الوضوح فى نفس الأناجيل . وهكذا فالتفريط من جانب التوراة ، والإفراط من جانب النصارى أدى إلى تشويه الصورة الفعلية للأنبياء عليهم الصلاة والسلام .
اتقد البعض الإسلام بعدم واقعيته الإيجابية ، وعدم اعترافه بشكل كاف ، بضعف الإنسان وميوله المتأصلة نحو الشر . ولو راجعنا الكلام السابق ، فالإسلام ، وبخاصة القرآن الكريم ، يضع فى اعتباره كاملا نزوع الإنسان لتحطيم نفسه ، وهذا الأمر ليس هو كل رسالة الإسلام . هداية الوحى ، ليس فقط ليجعلنا واعين لمشاعرنا المختلفة ، وذكر نعم الله سبحانه علينا ومغفرته لذنوبنا ، ولكن هذه الهداية أيضا لتشجعنا على التغلب على ضعفنا هذا وإصلاح أنفسنا . وبالرغم من هذه الأمور من الصعوبة علينا ، إلا أنه يحثنا على عدم فقد الأمل والمحاولة تلو المحاولة . الإستسلام لله يكون على خطوات ويحتاج إلى الصراع المستمر .
فسبحانه يوضح لنا فى القرآن الكريم ، أنه لا يطلب منا المثالية ومحاربة رغابتنا وشهواتنا ، تك الأمور التى لم يطالب بها المصطفين من عباده . بالأحرى ، يجب أن نكون مطمئنين من حب الله لعباده ، ويطلب من الجميع أن يقدموا أنفسهم طوعا لإرادته .
يلاحظ بعض المتحولين الجدد للإسلام من الغربيين ، أن ما ذكر عن سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام فى القرآن الكريم ، مختلف كثيرا عما هو فى كتب السيرة وبعض التفاسير وخطب الجمعة الأسبوعية . وحرى عن القول ، أن المرء يرى صورة مختلفة عما ورد فى القرآن . فالقرآن يركز على صفات معينة للنبى عليه الصلاة والسلام ، بينما المصادر الأخرى تتكلم عن معجزاته عليه السلام ، وتفاصيل انتصاراته فى الغزوات ، وقيادته العبقرية ، والطاعة الثابتة من أتباعه ، ونشر القواعد والأسس للدين ، والروحانية العظيمة له . وهذه هى السمات التى تؤثر فى الناس ، خصوصا المسلمين الأوائل ، وذلك لأنها تؤكد لهم أنه هو النبى المرسل من عند الله .
على كل حال ، فحينما نقرأ القرآن يتضاءل لدينا الغموض ، وتتضح لنا صفات رسول الله ، ونرى أمامنا إنسان ...
يستحى من ضيوفه حينما يطيلون المكوث عنده "سورة الأحزاب الآية 53"
إنسان يعامل أصحابه بعد أحداث غزوة أحد باللين ، ليس فظا غليظ القلب "سورة آل عمران الآية 159"يبحث عن الأعذار للآخرين "سورة التوبة الآية 43"
والذى يستغفر لأعدائه حتى نهاه الله عن ذلك "سورة التوبة الآية 80"
وصف بأنه رؤوف رحيم "سورة التوبة الآية 128"
وصف بأنه رحمة للذين آمنوا "سورة التوبة الآية 61"
ورحمة للعالمين "سورة الأنبياء الآية 107"
وتلهفه الشديد واهتمامه لنجاح دعوته ، وحرصه على مصير أتباعه "سورة النحل الآيات 37 ، 127 وسورة الكهف الآية 6" للدرجة التى أدت إلى تذكيره مرارا بأن مهمته فقط هى توصيل الرسالة "سورة الأنعام الآية 107 .. سورة هود الآية 12" .
وأن هداية الرسل هى البلاغ ، وهداية التمكين هى لله سبحانه وتعالى فقط "سورة البقرة الآية 272" . وأنه ليس فى إمكانه هداية من يحب ، وأن الله يهدى من يشاء "سورة القصص الآية 56" .
هذه بعض اللمحات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم التى وردت بالقرآن ، ولكنها نقاط رئيسية تبين شخصيته عليه السلام .
الرغبة فى معرفة المزيد عن هذه الشخصية ، بطريقة أكثر قربا منه ، فى الواقع لا تقاوم ، خصوصا من أولئكم الذين عاشوا فى ظل الكتب السابقة ، حيث احتل الأنبياء مواقع مركزية . لايخوض القرآن فى تفاصيل دراماتيكية عن الصراعات الداخلية للرسول ، بل يتركنا بتلميحات وإشارات مختصرة . لانرى بوضوح مشاعره الداخلية من خوف وألم وشكوك ، كما نراه فى الإنجيل عن سيدنا عيسى عليه السلام حينما كان يحارب الرغبة فى الصحراء "متى : 4 .. لوقا : 4" ، أو أثناء الليل فى "جيثسمان" قبل القبض عليه "متى : 26 .. مرقص : 14 .. لوقا : 22" ، أو فى معاناته الأخيرة على الصليب "متى : 27 .. مرقص : 15 .. لوقا : 23" . وحتى فى المصادر الأخرى الإسلامية من كتب السيرة والحديث الشريف ... والتى سنناقشها فيما بعد ... نتعلم منها بياناته وردود أفعاله ، ولكن نادرا أفكاره الخاصة الداخلية .
ما أعنيه ، أننا نادرا ما نجد أنفسنا منفردين مع النبى عليه السلام ، وقد أتيح لنا نعمة الإحساس بشعوره الداخلى . وبدلا من ذلك ، نجد أننا نعرفه من خلال وسيط ثالث ، إما عن طريق الله سبحانه وتعالى كما ورد بالقرآن الكريم ، أو عن طريق الصحابة رضوان الله عليهم . ربما كان هذا الوضع مقصودا فى ذاته ، حتى لا نفعل كما فعلت النصارى مع نبيهم ، وأن يكون توجهنا خالصا لوجه الله الكريم . وهذا يوضح جزئيا ، لماذا كان الرسول دائما يخاطب بصفته الرسول أو النبى .