عرض مشاركة مفردة
  #2  
قديم 30-05-2006, 03:59 AM
صمت الكلام صمت الكلام غير متصل
كنتـُ هيّ ..!
 
تاريخ التّسجيل: Mar 2006
الإقامة: QaTaR
المشاركات: 4,043
إفتراضي

دخول الجامعة المصرية :

في العام ذاته فتحت الجامعة المصرية أبوابها ، فترك الأزهر والتحق بها وسمع دروس احمد زكي (باشا) في الحضارة الاسلامية واحمد كمال (باشا) في الحضارة المصرية القديمة ودروس الجغرافيا والتاريخ واللغات السامية والفلك والادب والفلسفة على يدأساتذة مصريين وأجانب فكان دخوله للجامعة المصرية بداية مرحلة جديدة في تلقي العلوم وتثقيف النفس وتوضيح الرؤية وتحديد الهدف !

انتهى طه حسين فى هذه الفترة من اعداد رسالته للحصول على درجة الدكتوراه ( وكانت عن أبي العلاء ) ، ونوقشت الرسالة فى الخامس عشر من شهر مايو 1914 ليحصل بها على أول درجة دكتوراه تمنحها الجامعة المصرية لأحد طلابها والتى احدثت عند طبعها فى كتاب ضجة هائلة ومواقف متعارضة وصلت إلى حد مطالبة أحد النواب فى البرلمان بحرمان طه حسين من درجته الجامعية لأنه ألف كتابا فيه الكثير من علامات التنوير فقالوا أن ما فيه كان ( الإلحاد والكفر ) علماً بأنه كان أول كتاب قدم الى الجامعة المصرية واول رسالة دكتوراه منحتها الجامعة المصرية لأحد طلابها .

لم يكتف طه حسين حينذاك بتدخل سعد زغلول رئيس الجمعية التشريعية بالبرلمان آنذاك لاقناع هذا النائب بالعدول عن مطالبه بل رد على خصومه وقتها بقوة وبشجاعة في أن كل ما كتبوه عنــه لم يجد فيه شيئا يستحق الرد عليه كما وصفهم حينها بانهم يلجأون إلى طرق معوجة فى الفهم ومناهج قديمــة فى التفكير !!

دفعه طموحه واجتهاده لاتمام دراساته العليا في باريس ، وبالرغم من اعتراضات مجلس البعثات الكثيرة ، الا انه اعاد تقديم طلبه ثلاث مرات ، ونجح في نهاية المطاف في الحصول على الموافقة ليرحل نحو تحقيق حلم جديد هو الحصول على الدكتوراه من فرنسا ( بلاد الخواجات ) .

رحلته إلى باريس :

اذا كانت الرحلة الاولى ذات الاثر العميق في حياة طه حسين وفكره وهي انتقاله من قريته المنسية في صعيد مصر الى القاهرة ... فإن الرحلة الاخرى الاكثر تأثيراً وكانت الى فرنسا في عام 1914 حيث التحق هناك بجامعة ( مونبلييه ) لكي يبعد عن باريس أحد ميادين الحرب العالمية الاولى في ذلك الوقت ... وهناك في مونبلييه درس اللغة الفرنسية وعلم النفس والادب والتاريخ ولأسباب مالية أعادت الجامعة المصرية مبعوثيها في العام التالي 1915 ولكن في نهاية العام عاد طه حسين الى بعثته ولكن الى باريس هذه المرة حيث التحق بكلية الاداب بجامعة باريس وتلقى دروسه في التاريخ ثم في الاجتماع حيث أعد رسالة اخرى على يد عالم الاجتماع الشهير "اميل دوركايم" وكانت عن موضوع "الفلسفة الاجتماعية عند ابن خلدون" حيث اكملها مع "بوجليه" بعد وفاة دوركايم وناقشها وحصل بها على درجة الدكتوراه في عام 1919م ثم حصل في العام ذاته على دبلوم الدراسات العليا في اللغة اللاتينية .


قصته مع سوزان شريكة حياته :

تعرف الدكتور طه حسين على السيدة سوزان عندما كانت تقرأ مقطعا من شعر رايسين فأحب نغمات صوتها وعشق طريقة إلقائها وتعلق قلبه بهذا الطائر الأجنبي الذى حط فى في أعشاش قلبه الحزينة متذكرا قول بشار بن برد والاذن تعشق قبل العين أحيانا ..

لقد كان حب عميد الأدب العربى لهذه الفتاة الفرنسية بمثابة التزاوج الروحى بين ضفتى المتوسط ومحاكاة حضارة الشرق مع الغرب ، كما أشار إلى هذا الحب الكاتب الفرنسى الكبير روبيرت لاندرى حيث قال وذات يوم بينما طه حسين فى مقعده فى قاعة المحاضرات فى جامعة السوربون سمع صوتا جميلا يرن فى اذنيه صوت صبيه حنون تقول له بعذوبة : إنى أستطيع أن أساعدك فى استذكار الدروس، وكانت صاحبة الصوت ما هي إلا ( سوزان ) الطالبة الفرنسية المنحدرة من عائلة كاثوليكية وقد ظلت مترددة فترة طويلة قبل ان توافق على الزواج من طه حسين الرجل المسلم، وذلك بعد ان استطاع أحد أعمامها أن يقنعها وكان ذلك العم قسيسا وقد قال لها : مع هذا الرجل يمكن ان تثقى بانه سيظل معك إلى الأبد وسوف تسعدى ابدا « فتزوجته فى التاسع من اغسطس1917 وفعلاً ربما تعيش المراة مع رجل أعمى أحبها بقلبه قبل أن يراها بعينيه أجمل واسعد أيامها بدلاً من أن تتزوج رجل لديه عينين يرى بهما كل نساء الدنيا فيهفو قلبه لتلك وتتعلق روحه بأخرى .. فكيف وهي تتزوج من دكتور وأديب ورجل لديه الإصرار على قهر الإعاقة التي ولدت لتكون سبباً في دخوله التاريخ الأدبي من أوسع أبوابه !

ولان السيدة سوزان كان لها الأثر العظيم فى حياته بعد ذلك ، فقد قال الدكتور طه حسين عن يوم لقائه بها ( كأنه تلك الشمس التى اقبلت فى ذلك اليوم من ايام الربيع فجلت عن المدينة ما كان قد اطبق عليها من ذلك السحاب الذى كان بعضه يركب بعضا والذى كان يعصف ويقصف حتى ملأ المدينة أو كاد يملؤها اشفاقا وروعا واذ المدينة تصبح كلها اشراقا ونوراً ) .

هذا الشاب الذي جاء من قريته فقيراً، كان يتناثر الأكل على ملابسه عندما يأكل، وكان هندامه يعرف كيف يعتني به، فجاءت سوزان التي غيرت حياته كاملة، وأصبح ممتناً لها، حتى عندما كانت نائمة أشار إليها وقال لابنته : إن هذه المرأة جعلت من أبيك إنسانا آخر!

وتقول سوزان في كتابها بأن طه حسين كان يعاني من نوبات كآبة، فعندما تأتي هذه النوبات، ينعزل ولا يقابل أحداً، ولا يتكلم ولا يأكل، وكانت زوجته تعرف بحكم معرفتها من بلدها بأن هذا يسمى اكتئاباً، لكنها خشيت من طه ان يعالج من هذا الاكتئاب حتى لا تجرحه، حيث كان شديد الحساسية بسبب اعاقته البصرية، فلم ترد ان تزيد الأمر عليه. كانت تقول بأن نوبات الاكتئاب، أو كما كانت تسميها بأنه سيقط في بئر عميق لا يستطيع أحداً الوصول إليه.. إذا يتعزل العالم، ولا يعود يرغب في أي شيء مهما كان، حتى أبنائه رغم حبه الجارف لهم كان يتجنبهم ويعيش عزلة تامة، منقطعاً عن كل ما حوله. وتقول زوجته بأن لو كان هناك شيء يساعده على ان يتخلص من هذه النوبات فلا شك بأن إنتاجه سوف يكون أفضل وأكثر !


عودته إلى مصر والأزمات في انتظاره :

في عام 1919 عاد طه حسين الى مصر فعين استاذاً للتاريخ اليوناني والروماني واستمر كذلك حتى عام 1925 حيث تحولت الجامعة المصرية في ذلك العام الى جامعة حكومية وعين طه حسين استاذا لتاريخ الأدب العربى بكلية الآداب .

رغم تمرده على الكثير من آراء أساتذته الا ان معركة طه حسين الاولى والكبرى من اجل التنوير واحترام العقل تفجرت في عام 1926 عندما اصدر كتابه "في الشعر الجاهلي" الذي احدث ضجة هائلة بدأت سياسية قبل ان تكون ادبية ، كما رفعت دعوى قضائية ضد طه حسين فأمرت النيابة بسحب الكتاب من منافذ البيع واوقفت توزيعه... ونشبت معارك حامية الوطيس على صفحات الصحف بين مؤيدين ومعارضين لهذا الكتاب.

وفي عام 1928 وقبل ان تهدأ ضجة كتاب الشعر الجاهلي بشكل نهائي تفجرت الضجة الثانية بتعيينه عميداً لكلية الآداب الامر الذي اثار ازمة سياسية اخرى انتهت بالاتفاق مع طه حسين على الاستقالة فاشترط ان يعين اولاً .. وبالفعل عين ليوم واحد ثم قدم الاستقالة في المساء وأعيد "ميشو" الفرنسي عميداً لكلية الآداب، ولكن مع انتهاء عمادة ميشو عام 1930 اختارت الكلية طه حسين عميداً لها ووافق على ذلك وزير المعارف الذي لم يستمر في منصبه سوى يومين بعد هذه الموافقة وطلب منه الاستقالة.

وفي عام 1932 حدثت الازمة الكبرى في مجرى حياة طه حسين... ففي شباط 1932 كانت الحكومة ترغب في منح الدكتوراه الفخرية من كلية الآداب لبعض السياسيين... فرفض طه حسين حفاظاً على مكانة الدرجة العلمية، مما اضطر الحكومة الى اللجوء لكلية الحقوق ...

ورداً على ذلك قرر وزير المعارف نقل طه حسين الى ديوان الوزارة فرفض العمل وتابع الحملة في الصحف والجامعة كما رفض تسوية الازمة الا بعد اعادته الى عمله وتدخل رئيس الوزراء فأحاله الى التقاعد في 29 آذار 1932 فلزم بيته ومارس الكتابة في بعض الصحف الى ان اشترى امتياز جريدة "الوادي" وتولى الاشراف على تحريرها، ثم عاد الى الجامعة في نهاية عام 1934 وبعدها بعامين عاد عميداً لكلية الاداب واستمر حتى عام 1939 عندما انتدب مراقباً للثقافة في وزارة المعارف حتى عام .1942
__________________
الرد مع إقتباس