عرض مشاركة مفردة
  #6  
قديم 08-06-2006, 02:57 AM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

النخب و الطلائع :

النخب هم الأفراد الذين يبدعون و يتفوقون في بعض المجالات ، ولكنهم غالبا ما يكونوا فرادى ، لا تربطهم روابط مع جماعات معينة ( اصطناعية ) و بعد أن يذيع صيتهم أو يثبتوا قدراتهم المتفوقة ، قد يستدعوا للمشاركة في الحكم ، أو تتقرب منهم بعض الحركات السياسية و المدنية للدخول فيها ..

والطلائع ، هي مجموعات تصدرت حركة جماعات ، أنشئت حول محور فكري ، فانبثقت تبشر بهذا الفكر بين منظمات المجتمع المدني ، أو في صفوف الشعب أو التنظيمات العسكرية ، فالسابقون من تلك الحركات ، يسمون طلائع ..

في كل مجال هناك نخب ، فتختار الجهات الرياضية منتخبا يمثل البلاد ، من رياضيين مبدعين محترفين .. وتشكل جماعات الفن والآداب والفكر والعلوم نخبا مهمة في كل بلد من بلاد العالم .. و عندما يكثر هؤلاء على مر التاريخ ، يزينوا رصيد بلدانهم بنجوم سطعت ، ويسهموا في حبك النسيج الفكري للمجتمع والتمهيد للبناء فوقه ، و لا تستنكف الدولة عن الاعتراف بأثرهم و إبراز أدوارهم ، حتى لو سبقوا عهد تلك الدولة ، أو لم يكونوا على اتفاق كامل مع ما تلتزمه الدولة من خط فكري .. كما الحال في كتاب روسيا و موسيقييها قبل الاتحاد السوفييتي ، وكما يحدث في بلادنا العربية ، ( احمد شوقي ونزار قباني وبدر شاكر السياب و سليمان العيسى ) وغيرهم ..

عندما تجنح النخب الى الكلام في السياسة ، فإن من يمتدحها و يبرز دورها ، هم من آمنوا بمقولاتها السياسية ، في حين تلاحق و تنسج حولها الأقاويل لترميها بأسوأ الأوصاف ، إذا لم يكن كلام تلك النخب ، لا يرضي من هم في الحكم أو من يعارضوا تلك النخب .. فلذلك إن جر تلك النخب أو انجرارها للكلام في السياسة ، أو العمل ضمن أجهزة الدولة ، سيحرم المجتمعات التي تعيش فيها من معين دائم لرفد المخزون الفكري للمجتمع ..

لذلك نجد كلاما خالدا لابن المقفع ، وابن خلدون وابن رشد و فيكو و ديكارت ، ونجد لغطا كبيرا حول الجواهري و مظفر النواب و شاذل طاقة ، وقبلهم ماركس وإنجلز .. وان كانت طول المدة ستعيد إنصاف من تم القدح به في زمن حياته .

في وضع الطلائع ، يكون الضوء المسلط على رمز الحركة التي تنبثق منها الطلائع ، يغطي على باقي الأفراد ، وهذا يتم في الحركات السياسية الكبرى ، حيث تنسب كل المقولات السياسية لقلة قليلة من الطلائع ، و أحيانا تختصر في شخصية واحدة ، كما حدث عند الصينيين ( ماو سيتونغ و شوان لاي ) والفيتناميين ( هوشي منة و جياب ) والكوريين ( كيم إيل سونغ) و السوفييت بمجموعة محدودة (لينين ، ستالين ، خورتشوف ، بريجينيف ، جروميكو ، بودغورني ، جورباتشوف ).. رغم وجود الآلاف من تلك الطلائع التي أسهمت مساهمات كبرى في مشاغلة العالم بأسره .. وهذا ينسحب على حركات التحرر العربي في مختلف أطيافها ..

هل هموم النخب و الطلائع تمثل هموم المجتمع ؟

تدخل أحيانا (كنقابي) ، انتخابات عامة لنقابتك ، فتجد أن القائمين على تنظيم الانتخابات هم بالعشرات أو بضع مئات في أحسن الأحوال ، في حين يكون من يحق لهم التصويت ، عشرات الألوف من النقابيين المنضويين تحت اسم تلك النقابة ، ومنهم لا يعلم فقه تلك الانتخابات ، ومنهم لا يعلم الفرق بين النقابة والنادي ، ومنهم من يجر جرا للانتخابات ، أو يحمل على نفقة غيره ، ومنهم من تسدد عنه الاشتراكات ، نظير الإدلاء بصوته لمن يسددها !

ومع ذلك فإن العشرات التي تنظم الانتخابات ، والتي غالبا ما تنقسم الى قسمين أو ثلاثة في أحسن الأحوال ، تزعم أنها تتكلم باسم عشرات الألوف من النقابيين ، الذين بقوا منضويين تحت لواء النقابة ، للتكيف مع قوانين دولتهم التي لا تعطيهم إجازة مزاولة المهنة إن لم يكونوا قد سووا أوضاعهم المالية مع نقاباتهم !

وعندما يغمز أحد الكتاب بهشاشة هذا الحشد و عدم قوته ، ويستكثر على من يتكلم باسمه ، هذا السلوك ، فإن من يقومون بتنظيم الانتخابات ، سيردون ذلك الغمز ، بغمز في جانب الدولة ، حيث يقولون : وهل الحشود المرغمة على التصفيق للدولة ، كلها مؤمنة بفقه الدولة و سياستها ؟

والأدهى أنك ستبحث عن الآخر ، الذي يبقي جانب التوتر في أداء تلك النقابات لتتلمس ، جدارة تلك النخب أو طلائعها ، فيحتار دليلك ، حيث ستلقى أن الأطباء أو المهندسين أو الممرضين أو الجيولوجيين أو الصحفيين ، قد يكون كل من نزل في قوائم المرشحين ، هم من موظفي الدولة ، وأحيانا قد يكون النقيب هو الرجل الثاني في الوزارة !

أين الآخر في الخطاب ، وأين قوة حالة إحداث التوتر ؟ .. سيجيبك من آمن بهذا النهج : بأنه ليس المطلوب أن يكون هناك آخر ، بل يكفي أن يتم تنظيم المهنة ، وعدم إتاحة المجال للمخادعين أن يتسللوا إليها و إيذاء المجتمع !

فنقابة الحلاقين ، ليس بها آخر ، حتى الزبون فإنه سيقيم أمام الحلاق بضع دقائق ، كما يقيم في المطعم أو الفرن ، وقد لا يعود ، ولكن النقابة هي لضبط أبناء المهنة ، وليس تحشيد من ينتمي لها من أجل إحداث معركة !

ستجد هؤلاء النخب ، تحتل في عينة من الوقت ، مقاعد برلمانية ، وستجدها تكتب على صفحات الجرائد ، وتخرج على شاشات التلفزيون ، وتتكلم معطية لنفسها وزنا ، مشكوك فيه بكل تأكيد .. فقد احترفت فكرة البقاء كنخب ، تسلط عليها الأضواء ، وتبقى في حالة إشباع ( لتوكيد الذات ) لديها .. وتحترف بنفس الوقت فكرة إحباط وصول نخب جديدة لاحتلال مكانها ..

لقد استلهمت النخب العربية ، خبرات الحكومات العربية ، و احترفت التعايش مع تلك الحكومات ، فأصبحت كأنها خط دفاع ثاني عن تلك الحكومات ، و إن اختلفت معها بين حين و آخر على مسألة هامشية ، لا تعيش في ذاكرة المواطن ، حتى أن ذلك المواطن قد غسل يديه من فكرة جدوى تلك النخب ، كما غسل يديه سابقا من فكرة جدوى الإصلاح الحكومي عند الحكومات العربية .. فباتت الحكومات العربية والنخب العربية إطارين لصورة لا تنتمي لتلك الإطارين !

يتبع
__________________
ابن حوران