تتمة..
فها أنا ذا أسوق هنا بعض النصوص الدالة علما أن (القسم بغير الله شرك).
1- عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي عليه الصلاة والسلام قال: "إن الله تعالى ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، ومن كان حالفاً فلحلف بالله أو ليصمت"، رواه مالك والبخاري وأصحاب السنن، وفي رواية لابن ماجه من حديث بريدة قال: سمع النبي صلى الله عليه سلم رجلا يحلف بأبيه فقال: "لا تحلفوا بآبائكم! من حلف له بالله فليصدق، من حلف بالله فليرض، ومن لم يرض بالله فليس من الله".
2- عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه سمع رجلا يقول: لا والكعبة، فقال ابن عمر: لا تحلف بغير الله؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك"، رواه الترمذي وحسنه ورواه ابن حبان وصححه، ورواه الحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين، وفي رواية الحاكم: سمعت رسول الله عليه الصلاة والسلام يقول: "كل يمين يحلف بدون الله شرك".
3- عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: "لأن أحلف بالله كاذباً أحب إلى من أن أحلف بغيره صادقاً"، رواه الطبراني موقوفاً، وقال المنذري: رواته رواة الصحيح، قال بعض أهل العلم تعليقاً على هذا الأثر: "وذلك لأن الحلف بغير الله كفر أو شرك كما صرح به الحديث السابق، والحلف بالله وهو كاذب معصية لها كفارة وفرق بين الاثنين".
4- وعن بريدة رضي الله عنه أن رسول الله عليه الصلاة والسلام قال: "من حلف بالأمانة فليس منا"، رواه أبو داود.
و هذه الأحاديث كما ترى صريحة الدلالة - بالجملة - علما على عدم جواز القسم بغير الله، وأما حديث ابن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما فصريح الدلالة على أن القسم بغير الله يعتبر شركا.
والقول بأن الحلف بغير الله لا يعتر شركاً بعد الاطلاع على هذه النصوص - ولا سيما حديث ابن عمر - ووصف من يقوك بذلك بأنها جماعة متشددة؛ فقول في غاية الجرأة؛ فيوقع قائله في فتنة ويعرضه لعذاب الله إذ يقول الله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}، قال الإمام أحمد: الفتنة الزيغ والله أعلم.
والدكتور شلبي ليس وحيد دهره أو فريد عصره في هذا الموقف الجريء، بل قد ابتليت هذه الأمة منذ أمد غير قصيرة بمجموعة ممن ينتسبون إلى العلم من هذا الصنف الذي عظمت لديهم الدنيا، وهانت لديهم الآخرة فلم يقيموا لها وزناً وسخروا علمهم للحصول على ثمن الرغيف، وإذا لم يتيسر ذلك إلا بالكذب على رسول الله أو تكذيبه والخروج على سنته فلا مانع لديهم أن يقترفوا كل ذلك طالما يحقق ذلك المصلحة الشخصية، اللهم عافنا فيمن عافيت!.
ولست أذهب بعيداً للاستدلال على ما ادعيت، ولدينا فتوى الدكتور الشلبي: "القسم بغير الله لا يعتبرشركا"، ثم نسب القول بأن ذلك إلى جماعة متشددة كما زعم.
وهذا القول كما ترى يكذب الحديث الذي تقدم ذكره قريبا؛ حديث عبد الله بن عمر، ولو وجهنا إلى المجموعة الشلبية الأسئلة الآتية:
1- هل الطواف بقبور ا لصالحين يعتبر شركاً؟
2- هل السجود على عتبة ضريح الحسين يعد شركاً ؟
3- هل التقرب إلى غير الله بالنذور والذبائح يعتبر شركاً؟
4- هل الاستغاثة بغير الله والتضرع إلى غيره فيما لا يقدر عليه إلا الله يعتبر شركاً؟
5- هل إقامة حفلات مولد النبي أو الحسين أو البدوي أو زينب يعتبر بدعة في الدين؟
6- هل اختلاط الجنسين في تلك الحفلات وفي مناسبات أخرى جاهلية يعتبر منكراً ؟
لو وجهت هذه الأسئلة وأمثالها للمجموعة المذكورة لكان الجواب هكذا بكل بساطة:
"إن بعض الجماعة المتشددة تعتبر ما جاء في رقم (1) إلى (4) شركاً، وما جاء في رقم (5) يعدونه بدعة، كما يعتبرون ما بعده منكرا، إلا أننا لا نوافقهم على ذلك، و ليس هناك شرك ولا بدعة ولا منكر، والناس إنما يفعلون ما يفعلون محبة للصالحين، وهم يفعلون لله، أما مولد الني فلا ينكره إلا أولئك الذين لا يحبون الرسول ولا الصالحين، ثم إن البدعة قد تكون حسنة كما تكون خبيثة؛ فلا ينبغي التشديد في هذه الأمور، والمسلمون بخير والحمد لله، وقلوبهم طيبة (موش عاوزه كلام)، ومسألة الاختلاط لا تؤدي إلى شيء كما هو الواقع؛ لأن الناس قد ألفوا ذلك، ثم إن الدين يسر ولم يجعل الله علينا في الدين من حرج".
هكذا يخطبون، وهكذا يضللون، وهكذا يزخرفون القول، سبحانك ما أحلمك يا رب العالمين!
والادهى والأمر أن هذه الحذلقة وهذا الكلام وهذه الخطبة الرنانة تقاطع بالتصفيق أو التكبير أحياناً! علام هذا التصفيق؟ وعلام التكبير؟ على الجهل؟ على المداهنة؟ بل على تكذيب الرسول والخروج على سنته؟ أعلى هذه المخالفة السافرة لأحكام الشريعة الإسلامية؟ علام؟
والعجيب من أمرنا نحن المسلمين أن هؤلاء هم العلماء المشار إليهم بالبنان، ما أعظم مصيبة المساكين في علمائهم فلم تنتشر هذه الجهالات التي تحدثنا عنها ومثلنا لها بعدة أمثلة، ولم يرج سوق البدع والمخالفات ولم تتمكن جاهلية الاختلاط والكفر بالحجاب والدعوة إلى السفور، ولم تحل القوانين الوضعية محل الشريعة الإسلامية في التحليل والتحريم وغير ذلك؛ فلم يقع شيء مما ذكر إلا تحت توجيهات وتأويلات المجموعة الشلبية، ولو سلمت الأمة الإسلامية من شر علماء السوء - بعبارة أخرى: لو صلح علمائها - لصلحت حياتها ولاستقام أمرها.
أكذوبة سادن البدوي
تحكى قصة مضحكة - ومن المصائب ما يضحك - عن سادن عند قبر أحمد البدوي، ملخصها: أن رجلا سرق سمكة مملحة وأكلها فاستحلفه المسروق منه بالله فأقسم بالله ثلاث مرات أنه لم يأخذها ولم يرها، فلم يحصل له شيء، فاستحلفه بأحمد البدوي فما كاد يتلفظ اسم البدوي حتى سبقت السمكة فلفظها.
هذا ما وصل إليه وضع عوام المسلمين بسبب تساهل جمهور علماء المسلمين المعاصرين الذين منهم المفتي (الشلبي)، ولا يخالطني شك أن الدكتور الشلبي ومجموعته يعلمون دون شك أن الحلف بغير الله شرك أو كفر، لكن السياسة الاقتصادية بالنسبة لهم ى تسمح أن يصرحوا خلاف ما عليه جمهور العوام.
هذا هو عذرهم غالباً؛ فما رأي القراء الكرام في مثل هذا العذر؟.
وقصارى القول أننا ندعو الدكتور أحمد شلبي إلى إعادة النظر في إجابة ليلة الجمعة 8/1/1399 في حكم القسم بغير الله؛ ليرجع إلى الحق، والرجوع إلى الحق فضيلة دائماً، وهو خير من التمادي في الباطل، وما قاله الدكتور في إجابته تلك باطل ولا شك.
فنسأل الله لنا له العفو والعافية والتجاوز عن أخطائنا وسيئاتنا؛ "كل بني آدم خطاء وخير الخطاءين التوابون"، رواه الترمذي وابن ماجه، وقال صاحب كشف الخفاء: سنده قوي والله ولي التوفيق.
1- عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي عليه الصلاة والسلام قال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيرا أو ليصمت". متفق عليه.
2- وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله! أي المسلمين أفضل؟ قال: "من سلم المسلمون من لسانه ويده".. متفق عليه.
3- وعن سهل بن سعد قال: قال رسول الله عليه الصلاة والسلام:"من ضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة"..
__________________
معين بن محمد
|