عرض مشاركة مفردة
  #27  
قديم 16-06-2006, 10:10 AM
B.KARIMA B.KARIMA غير متصل
عضو فعّال
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2005
الإقامة: أرض الله واسعة
المشاركات: 327
إفتراضي

لقد كان طرح العبيكان متخاذلا إلى حد بعيد, بل إنه ذهب إلى تحريم العمليات الاستشهادية البطولية في فلسطين, واستشهد في هذا السياق بقوله تعالى: "ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة", وهو جزء من الآية الكريمة من سورة البقرة: " وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين" (195). وهكذا وردت الآية في سياق الإنفاق, وقد ذكر المفسرون أن معنى التهلكة هنا هو ترك الإنفاق في سبيل الله, لا ما قد يتبادر إلى الذهن من أنه التهور واقتحام المخاطر. وقد روى البخاري عن حذيفة أن الآية نزلت في النفقة. وروى ابن أبي حاتم مثله, وقال: وروي عن ابن عباس ومجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير وعطاء والضحاك والحسن وقتادة والسدي ومقاتل بن حيان نحو ذلك. روى أبو داود عن أسلم بن عمران قوله إن رجلا من المسلمين حمل على الروم في القسطنطينية حتى دخل فيهم, ثم خرج, فصاح الناس: ألقى بيده إلى التهلكة, فقال أبو أيوب الأنصاري: إنكم لتتأولون هذه الآية على غير التأويل, وإنما نزلت فينا معشر الأنصار,إنا لما أعز الله دينه, وكثر ناصروه, قلنا فيما بيننا: لو أقبلنا على أموالنا فأصلحناها, فأنزل الله هذه الآية. قال عطاء عن ابن عباس عن تفسير الآية: ليس ذلك في القتال, إنما هو في النفقة, أن تمسك بيدك عن النفقة في سبيل الله. ومضمون الآية – كما يقول ابن كثير – هو الأمر بالإنفاق في سبيل الله, في سائر وجوه القربات والطاعات, خاصة صرف الأموال في قتال الأعداء, وبذله فيما يقوى به المسلمون على عدوهم, والإخبار عن ترك فعل ذلك بأنه هلاك ودمار لمن لزمه واعتاده (تفسير ابن كثير).

الحديث عن العمليات الاستشهادية في فلسطين لا يمكن فصله عن ما يجري من مقاومة مشروعة في العراق, فالمستهدف في الحالين هو وجود الأمة واستقلالها وكرامتها. وقد تحدث علماء فلسطين والعراق عن مشروعية المقاومة في البلدين وضرورتها, وأصدرت هيئة علماء المسلمين في العراق بيانات عديدة تمجد المقاومة العراقية, وتحث على دعمها واستمرارها حتى جلاء آخر أميركي غاصب عن أرض الرافدين (هناك عمليات قتل واختطاف مشبوهة لا تتم لمقاومة المحتل بصلة, وربما كانت وراءها الأصابع نفسها التي تغتال علماء العراق وأدباءه وشعراءه بشكل يومي تقريبا). أما المقاومة في فلسطين فمشروعيتها لا تحتاج إلى بيان, ومتى كان النهار يحتاج إلى دليل؟

إن الخطاب الاستسلامي التبريري الانبطاحي يسيء إلى هذه الأمة المجاهدة بأسرها, ويشجع المتطرفين في البيت الأبيض والبنتاغون على المزيد من المغامرات في بلداننا تحت لافتات التحرير والإصلاح والدمقرطة وحقوق المرأة وغير ذلك من مفردات القائمة التي تغذيها العنصرية وروح التعصب الديني. وفتاوى الشيخ عبد المحسن العبيكان تصب في هذا التوجه, بل إنها في دلالاتها وسياقها تسهم في تلميع الاحتلال, وتسويغ وحشيته, وتجريم مقاوميه وتثبيط هممهم. لقد كانت المقاومة تتلقى رصاصات عدد من البنادق المستأجرة التي لا ترى لأمتنا سبيلا للتحرر والحداثة إلا من خلال الانسحاق على عتبات الأميركيين والصهاينة,, فإذا بها تفاجأ برصاصات من حيث لا تحتسب, من شيوخ يتصدرون الفضائيات ويفتون للناس. لكن المقاومة لن تضيرها ألاعيب ومخططات الاستخبارات الأجنبية الهادفة إلى تشويهها وجرها إلى معارك خاسرة, كما لن تضيرها فتاوى هزيلة معزولة متكلفة ومصادمة للنقل والعقل معا.