عرض مشاركة مفردة
  #3  
قديم 19-06-2006, 02:22 AM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

الطلائع تتخصص في إعاقة بعضها البعض :

تستبشر الجماعات المحبوسة في أساها و بؤسها ، خيرا ، عندما يأتيها خبر بأن طلائع فك أسرها ، و إطلاق طاقاتها ، قد تقدمت نحوها ، فتتحرك الآمال بالنفوس ، و يصبح الحراك في الجماعات يتناغم مع حراك القادم الجديد .. لكن قد يطول الانتظار للقادم ، وقد يكون ظل القادم إذا ما وصل أثقل من ظل البؤس السائد .. فتصبح الجماعات تترحم على بؤسها القديم من ويل بؤسها الجديد . وهذا ما يفسر دفع الشوق عند أبناء الأمة الى أعماق تاريخها ، حيث تبنى صور زاهية جميلة .. وقد لا تكون كذلك ، لكن الابتعاد عنها ، هو مرتع مريح من هول ما تعيشه تلك الجماعات .

لن نحاكم طلائع الماضي البعيد ، فهم أجدادنا ، فإن أصابوا ـ وما أكثر المرات التي أصابوا بها ـ فقد أورثونا مجدا و علما ، لا زلنا نحن إليه ، و إن أخطئوا فإننا ورثنا أخطائهم ، لا لنجعلها نقيصة عندهم ، فإن كان من سيدفع ثمن تلك الأخطاء ، فهم ( نحن ) .. و علينا التهوين من تلك الأخطاء ، والاستفادة من الكيفية التي تجعلنا لا نكرر الوقوع بها ..

أما محاكمتنا (لأحد) إن جاز تسميتها بذلك ، فهي محاكمة لطلائعنا الراهنة ، ليس بقصد الإساءة و الإقصاء لها ، بل بقصد صناعة مقتربات ، للتنسيق بين مسيرة تلك الطلائع (متحاذية) .. ولكن ما الذي سنحاكمه بتلك الطلائع ، هل نحاكم طبيعة خطابها ، أم نحاكم سلوك كل منها تجاه غيرها من الطلائع الأخرى .. سيقول قائل : أوليس السلوك الذي تمارسه أي طليعة ، يلتصق التصاقا عضويا بطبيعة الخطاب و شكله ؟

تتناحر الطلائع و تعيق بعضها البعض ، وتستنكف عن حوار بعضها البعض في أوقات يكون الحوار متيسرا و قابلا للحدوث .. وتضطر لمثل هذا الحوار عندما تتناقص قوتها ، ويبرز لها عامل يجبرها على الحوار ، لينتزع من كل طرف من أطراف الحوار (المفترض) ، مكاسب تزيد عن مكسب كل طرف ، بل تزيد عن مكاسب الأطراف مجتمعة .. تماما كمن يعطي لمحامي حصة أكثر من حصته(هو) في حق اختلف عليه ، ويأس من تحصيله ..

لقد بنت الطلائع في منطقتنا خطابها ، على مقارعة فريق محلي ، و نسجت تفاصيله الأدبية ، وفق حركة ذلك الفريق ، وكانت تزين خطابها بركائز ذهنية تتصل بعمق الموروث الحضاري لجمهور المخاطبين .

فكانت معظم الخطابات تكتب أو تعد على ضوء نشاط طليعة أخرى ، فالآخر بخطاب أي طليعة هو طليعة أخرى ، وتكتب البيانات و أدبيات أي طليعة ، على إثر تحرك أو صدور خطاب من تلك الطليعة ، فكانت خطابات الطلائع عبارة عن مساجلات فيما بينها ، ملها الجمهور ، الذي كان ينتظر توجها نحو المستقبل وفق خطاب يتلاءم مع مخزونه التراثي و إمكانية تحقيقه وفق قدرات المجتمع و تكيفها مع الظروف السياسية المحيطة ..

لقد كانت خطابات الطلائع ، بيانات أدبية ، ذات صبغة وجدانية ، تعتمد إثارة الهمم الطيبة ، وتهاجم غيرها من الطلائع . لقد كانت خالية من الصبغة السياسية المعاصرة المحترفة ، مما جعل انجذاب الجمهور نحوها ، انجذابا لحظيا ، لا يتمسك بها أو الدفاع عن تلك الطلائع إلا إذا كانت قد وصلت للحكم ، أو أنها كانت تعبر في عينة من الوقت عن إرهاصات المواطن ، فيتعاطف معها لحظيا ووقتيا ..

إن احتراف الطلائع وتمكنها من نبش خصائص بعضها البعض ، هي النتيجة الأكثر وضوحا والأكثر أثرا .. والتي نفرت الجمهور من التقرب لمؤازرة أي طليعة ، كما قدمت خدمة ذهبية للأنظمة الحاكمة ، لجعلها تبدو أنها أفضل حال من أي طليعة ، سيما وأن الخطاب السياسي الذي يكشف مساوئ تلك الأنظمة لا يصل بشكل واسع لجمهور أي قطر عربي ، بالقدر التي تصل به الخطابات التي تذكر مساوئ أي طليعة ..
__________________
ابن حوران