عرض مشاركة مفردة
  #4  
قديم 28-06-2006, 07:19 AM
الرد الرد غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2006
المشاركات: 93
إفتراضي

والمشهور: أن الحجاز بعض الجزيرة، فلما مات النبي r لم يتفرغ أبو بكر لإخراجهم، فأجلاهم عمر، وهم زهاء أربعين ألفاً، ولم ينقل أن أحداً من الخلفاء أجلاهم من اليمن مع أنها من الجزيرة، فدل على أن المراد: الحجاز فقط...
قال (وهي مكَّة والمدينة واليمامة وقراها): كذا فسَّرها الشافعي، فالطائف مع واديها وهو وج من قرى مكة، وخيبر من قرى المدينة.
وقال في (الوسيط) و (النهاية): إن في بعض الكتب تصحيف اليمامة بالتهامة، قال ابن الصلاح: وهو غلطٌ موشح بعجمة؛ فإن تهامة لا تدخلها الألف واللام، واليمامة تلزمها الألف واللام.
وجزيرة العرب: من أقصى عدن إلى ريف العراق، وفي العرض من جدة وما والاها من ساحل البحر إلى أطراف الشام. ونقل الهروي عن مالك: أن الجزيرة: المدينة خاصة، والصَّحيح عنه كما قال الشافعي...-ثم بين سبب تسمية جزيرة العرب بذلك، و موقع اليمامة..-
قال (ولو دخل بغير إذن الإمام): أي أو نائبه ( أخرجه وعزَّره إن علم أنه ممنوع)؛ لأن الدخول إنما أجير للحاجة، فوقف على رأي الإمام أو نائبه، ويعزر عند العلم بالمنع؛ لجرأته على حرمات الله، فإن جهل ذلك و أمكن صدقه..فلا، لأنه لا يعرف حدود الله العامة.
فرع: لا يدخلون سائر المساجد إلا بإذن؛ لأنَّ النبي r ربط ثمامة بن أثال في المسجد، وأنزل ثقيفاً فيه، وكذا سبي بني قريظة والنضير.
و جواز الإذن منوط بالحاجة مثل: أن يسلم أو يسمع القرآن أو يستفتي، و لا يدخلون للأكل والشرب، بخلاف المسلم، قال ابن الصباغ وغيره.
و الآذنُ لَه: الإمام أو نائبه، وكذا آحاد المسلمين على الأصح...
قال (فإن استأذن: أُذن له إن كان مصلحة للمسلمين، كرسالةٍ و حمل ما يحتاجُ إليه) أي: يحتاج إليه المسلمون من ميرة أو متاعٍ، وفي معناه: عقد الهدنة للمصلحة، واحترز عما إذا لم تكن مصلحة؛ فلا يجوز....
قال ( و لا يقيم إلا ثلاثة أيام) أي فأقل؛ لما روى ابن أبي شيبة عن نافع عن ابن عمر: ( لا تتركوا اليهود والنصارى بالمدينة فوق ثلاث، قدر ما يبيعون سلعتهم)، و لأن الثلاث في حكم القلة شرعاً، ولا يُحسب منها يوم الدخول والخروج، كما سبق في صلاة المسافر...
قال (ويمنع من دخول حرم مكة) لقوله تعالى { إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا}، ويدل على أن المراد به هنا: الحرم قوله تعالى {وإن خفتم عيلةً فسوف يغنيكم الله من فضله} أي إن خفتم انقاطع التجارة والميرة، إذ من المعلوم أن الجلب ليس إلى المسجد نفسه.
قال (فإن كان رسولاً..خرج إليه الإمام أو نائبه يسمعه)؛ حسماً للباب، هذا إذا امتنع من أدائها إلا إليه، وإلا بعث إليه من يسمع و ينهى إليه، كذا إن دخلَ لتجارة، خرج إليه من يشتري منه، فإن جاء كافر ليناظر..خرج إليه من يناظره.
فرعٌ: جوَّز ابنُ كجٍّ للطبيب الذَّمي دخول الحرم، ونص الشافعي يعارضه؛ فإنَّه منع دخول الطبيب والصانع في البناء وغيره. قال إبراهيم المرورذي: والمعنى في منع المشركين من الحرم: أنهم أخرجوا النبي r منه، فعاقبهم الله بالمنع من دخوله بكل حالٍ.".
11/ قال الحافظ ابن حجر (ت852هـ) في (الفتح)(6/171) بعد ذكر الأقوال التي نقلها البغوي وغيره مما تقدم في (جزيرة العرب) :" وسميت جزيرة العرب: لإحاطة البحار بها، يعني بحر الهند وبحر القلزم و بحر فارس وبحر الحبشة، وأضيفت إلى العرب لأنها كانت بأيدهم قبل الإسلام وبها أوطانهم ومنازلهم، لكن الذي يمنع المشركون من سكناه منها الحجاز خاصة، وهو مكة والمدينة واليمامة و ما والاها لا فيما سوى ذلك مما يطلق عليه اسم جزيرة العرب؛ لاتفاق الجميع على أن اليمن لا يمنعون منها مع أنها من جملة جزيرة العرب، هذا مذهب الجمهور.
وعن الحنفية يجوز مطلقاً إلا المسجد.
وعن مالك يجوز دخولهم الحرم للتجارة.
وقال الشافعي: لا يدخلون الحرم أصلاً إلا بإذن الإمام لمصلحة المسلمين خاصة".
12/ و نقل الحافظ بدر الدين العيني (ت855هـ) في (عمدة القاري)(كتاب الجهاد والسير/ باب جوائز الوفد) (14/299) نحواً من كلام ابن حجر، وزاد نقلاً مهماً وهو قوله:
:"وهاهنا فرعٌ ذكره في (التوضيح): وهو يمنع كل كافر عندنا وعند مالك من استيطان الحجاز، و لا يمنعون من ركوب بحره، ولو دخل بغير إذن الإمام أخرجه وعزره إن علم إنه ممنوع فإن استأذن في دخوله إذن الإمام أو نائبه فيه، إن كان مصلحة للمسلمين، كرسالة وحمل ما يحتاج إليه.
و عن أبي حنيفة: جواز سكناهم في الحرم، ويمنع دخول حرم مكة قال تعالى {إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام}، والمراد به هنا: جميع الحرم، وقال صلى الله عليه و سلم ( إن الشيطان أيس أن يعبد في جزيرة العرب )، فلو دخله ومات لم يدفن فيه، وإن مات في غير الحرم من الحجاز وتعذر نقله دفن هناك.. قلت- أي العيني- مذهب أبي حنفية أنه لا بأس بأن يدخل أهل الذمة المسجد الحرام؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أنزل وفد ثقيف في مسجده وهم كفار، رواه أبو داود، و الآية محمولة على منعهم أن يدخلوها مستولين عليها و مستعلين على أهل الإسلام، من حيث التدبير والقيام بعمارة المسجد، فإن قبل الفتح كانت الولاية و الاستعلاء لهم، ولم يبق ذلك لهم بعد الفتح، أو هي محمولة على كونهم طائفين الكعبة حال كونهم عراة كانت عادتهم في الجاهلية".
و تنظر مسألة دخول الكفار الحرم في (المغني)(13/245-246) و (البيان)(12/294) و (الجامع لأحكام القرآن) (8/104-106).
هذا ما تيسر التذكير به عن هذه الأحاديث، وبذلك يظهر للمنصف البعد بين فهم أهل العلم لهذه الأحاديث، وبين فهم الخوارج لها!! ومن ذلك:
أنَّ لفظ جزيرة العرب الوارد في الأحاديث هو من العام المخصوص، كما تقدَّم.
و أنَّ الإذن لهم بالدخول للحجاز هو من حق الإمام أو نائبه، وذهب بعض أهل العلم إلى أنَّ ذلك أيضاً لآحاد الناس من المسلمين.
و أيضاً لم يذكر أحدٌ من أهل العلم أنَّ إخراجهم هو قتلهم أو أسرهم! أبداً، وإنما عدم تمكينهم من استيطان الحجاز! ولهم الاستيطان في غيرها! و أنَّ البحر لا يأخذ حكم البرِّ!
وغير ذلك من المفارقات الواضحة -لمن تأمل ما نقلته- بين فهوم أهل النظر والأثر، وبين فهوم أهل الجهل والهوى!!
قال الإمام ابن القيم رحمه الله في (نونيته) (2/278- مع شرحها توضيح المقاصد):
تباً لكم لو تعقلون لكنتمُ .... خلف الخدور كأضعف النسوان
من أين أنتم والحديث وأهله .... والوحي والمعقول بالبرهان
ما عندكم إلا الدعاوى والشكا .... وى أو شهادات على البهتان
هذا الذي والله نلنا منكمُ .... في الحرب إذ يتقابل الصفان
والله ما جئتم بقال الله أو .... قال الرسول ونحن في الميدان
إلا بجعجعة وفرقعة وغمغمة .... وقعقعة بكل شنان
ويحق ذاك لكم وأنتم أهله .... أنتم بحاصلكم أولو عرفان
و بحقكم تحموا مناصبكم وأن .... تحموا مآكلكم بكل سنان
وبحقنا نحمى الهدى ونذب عن .... سنن الرسول ومقتضى القرآن"
وقال أيضاً (2/383):
والجهلُ داءٌ قاتلٌ وشفاؤه .... أمران في التركيب متفقان
نصٌّ من القرآن أو من سنَّةٍ ... وطبيب ذاك العالم الرَّباني إلى أن قال:
والله ما قال امرؤ متحذلقٌ ... بسواهما إلا من الهذيان".
و في هذا القدر كفاية لمن كان له قلبٌ أو ألقى السَّمعَ وَ هُو شَهِيْدٌ، وصلَّى الله علَى نَبِيِّنَا مُحمَّدٍ وآله وصحبه وسلَّم.
وكتبه
عبدالله بن عبدالرَّحيم البخاري-كان الله له-.
المدينة النَّبوية/ قباء
في 5/6/1426هـ