عرض مشاركة مفردة
  #2  
قديم 30-06-2006, 04:59 PM
الطاوس الطاوس غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Feb 2006
المشاركات: 1,090
إفتراضي

والحزبية من صفاتها أنها تأتي إلى باب من أبواب الشريعة وتتسمى به، وتهمل باقي ما أمر الله به، فتجد جماعة متحزبة على نشر الأخلاق والفضائل، جاهلة بعلم المسائل، وحق الله على الأواخر والأوائل، والمتمعن في المنخرطين في صفوفها يجدهم جُهل بلغة العرب، غرباء عن أهل الحديث وأهله، وبعضهم واقع في الشرك والبدع، منكرين لبعض أبواب الدين كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإن زعموا أنهم يقرون به، والله المستعان والهدي إلى طريق الرضوان.
وإذا نظرت في جماعة أخرى وجدت ديدنها علم السياسة المعاصرة الغربية، والجري وراء حصد مقاعد للوصول إلى قبب المجالس، لجلب المصالح على قولهم! ودفع المفاسد على توهمهم، معرضين عن تربية الأمة وتفقيهها، ساخرين مِّمن سلك طريق الأنبياء في إصلاح الأرض ودفع عنها المفاسد، ولكن إذا عسّوا في المجالس ولهسوا من لبن القبة! نسوا ما وعدو به الأمة في العقبى، إلا من رحم الله منهم، ولو عملوا هداهم الله بالشمولية كما أعلنوا، وحققوا فقه الأولويات كما صرحوا(6)، لأخرجوا جما غفيرا من دهاليز الجهل والبدع، ولنظفوا مؤسسات الأمة المالية من كبيرة الربا، والتحايل على أكلها، وغيرها من المصالح العظمى التي تتشوق الأمة لأن ترها أمامها في لباسها الشرعي الذي عريت منه حقبة من الزمن.
وإذا وسعت النظر قليلا رأيت أقواما آخرين يحصرون الإسلام الحنيف في باب الجهاد، ويتسمون بهذا الكتاب، ويطلقون على أنفسهم: الجماعة الجهادية، وبعضهم للتدليس واستقطاب أكبر عدد من الشباب؛ بالجماعة السلفية للقتال، لِعلمِهم هداهم الله إلى الحق أنّ الناس يحبون منهج السلف الصالح، وأنه لا يكون إلا حقا.
ونحن نقول لهؤلاء: إن الجهاد أمرٌ مشروع وهو من دين الله بلا ريب ولا شك، وهو ذروة سنام الإسلام، وإنما جاء الانحرافُ من سُوء فهمكم لهذا الباب العظيم، ولإتباعكم للمتشابه من النصوص، فآل بكم الأمر إلا أن مرّغتم اسم الجهاد في الأرض، وأظهرتموه للناس في صورةٍ مباينة تماما لما هو في كتاب الله وسنة رسول الله، وهدي السلف الصالح.
فهل يُنتظر منكم فلاح وخير وأمثلكم طريقة لم يجلس ربع ساعة عند كبار العلماء في هذا الزمان؟ وأكثركم قضى نصف حياته في ما حرم الله، فإذا استقام بدلا أن يصلح ما أفسد في غابر ماضيه بتعلم الشرع من بابه، والبكاء على خطيئته، واصل الإفساد باسم الدين والجهاد!
وما هو المشروع الذي تحملونه للأمة؟.
وعلى أي هيئة علمية كبرى عُرض؟.
وهل في الشرع والكون أنتم قادرون على إقامة دولة أصولها شرع الله وأعمدتها العدل والرحمة، وسيرتكم العملية تقول خلاف ذلك، فهل يستقيم الظل والعود أعوج!؟
وهل من أراد إقامة دولة كما يزعم أنها إسلامية، يسلك طريقة المستدمرين المسماة بالأرض المحروقة، فيبيد كل البشرية، ويهدم كل ما يقدر عليه من ممتلكاتها، ويحول الكرة الأرضية إلى نار ملتهبة؟
وهل يجوز عنكم فصل كتاب الجهاد عن كتاب الطهارة والصلاة والصوم؟
فما رأيكم لو ظهرت طائفة في المجتمع وتسمت بكتاب الصلاة وأطلقوا على أنفسهم بالجماعة الصلاتية، وآخرون بالجماعة الصيامية، وطائفة أخرى بالبيوعية، والرابعة بالزواجية!!، والخامسة بالطلاقية.... وهكذا.
فإنكم -إن كان لكم علم وأنا أشك في ذلك- ستصفونهم بالبدعة، وتأمرونهم بالدخول في الإسلام كافة، وحينها نقول لكم: أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم، وأنتم تزعمون الجهاد والحكم على العباد أفلا تعقلون!.
فعودوا يا قوم إلى الإسلام بكل فصوله، واتركوا الأوهام التي زججتم فيها زجا، فإن الجهاد طاعة لله كباقي الطاعات، فإذا فُعل في غير وقته كان باطلا وعلى القائمين به وبال، وإنّ حالكم كحال من حضر درسًا في وقت الضحى وفيه رغب العالم في صلاة العصر، وذكر ما ورد فيها من النصوص والحِكم البالغة، فقام متحمسٌ من الحلقة وصلى العصر في وقت الضحى، مبتهجا بسبقه إلى الصلاة، ومسرورا بامتثال الحكم التي جاءت فيها، وما علم أن صلاته باطلة، وأنه لو صبر حتى يحين زمان الصلاة العصر وصلى لكان خيرا له وأشد تثبيتا، ولأصاب الجادة والهدى، ولكن هكذا حال من يزعم الجهاد في هذا الزمان.
لا أقول هذا تقليبا للمواجع، ولكن تذكرة للغافل وتعليما للجاهل، ومع سؤال الله تعالى بقلب صادق أن يعيد جميع الجماعات الإسلامية إلى منهج أهل الحديث والأثر، وأن يغمسهم في روضة السنة على فهم السلف، وأن يوفقهم بأن يدخلوا في الإسلام كافة؛ توحيدا وفقها وأخلاقا، وسياسة، ولا يكون هذا إلا بنهج طريق السلف في العلم والتعليم والدعوة إلى الله.
وألخص في هذا المقال صورتين لمعنى الحزبية لضيق المقام، ولعلي أسهب في بيانها في جزء خاص إذا يسر الله تعالى:
الأولى:
عقد الولاء والبراء على موافقة شخص بعينه دون الرسول صلى الله عليه وسلم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (ومن نصب شخصا كائنا من كان فوالى وعادى على موافقته في القول والفعل فهو (من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا) الآية، وإذا تفقه الرجل وتأدب بطريقة قوم من المؤمنين مثل: أتباع الأئمة والمشايخ؛ فليس له أن يجعل قدوته وأصحابه هم العيار، فيوالي من وافقهم، ويعادي من خالفهم، فينبغي للإنسان أن يعوِّد نفسه التفقه الباطن في قلبه والعمل به، فهذا زاجر، وكمائن القلوب تظهر عند المحن.
وليس لأحد أن يدعو إلى مقالة أو يعتقدها لكونها قول أصحابه، ولا يناجز عليها، بل لأجل أنها مما أمر الله به ورسوله، أو أخبر الله به ورسوله، لكون ذلك طاعة ÷ ورسوله)(7).
وقال كذلك شيخ الإسلام رحمه الله: (وليس للمعلمين أن يحزبوا الناس، ويفعلوا ما يلقي بينهم العداوة والبغضاء، بل يكونون مثل الإخوة المتعاونين على البر والتقوى، كما قال تعالى: (وتعاونوا على البرّ والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان)، وليس لأحد منهم أن يأخذ على أحد العهد بموافقته على كل ما يراه، وموالاة من يواليه، ومعاداة من يعاديه(8)، بل من فعل هذا كان من جنس جنكز خان وأمثاله الذين يجعلون من يوافقهم صديقا وليا، ومن يخالفهم عدوا باغيا، بل عليهم وعلى أتباعهم عهد الله ورسوله بأن يطيعوا الله ورسوله، ويفعلوا ما أمر الله به ورسوله، ويحرموا ما حرم الله ورسوله...)(9).
وقال شيخ الإسلام رحمه الله: (...وأما «رأس الحزب» فإنه رأس الطائفة التي تتحزب، أي تصير حزبا، فإن كانوا مجتمعين على ما أمر الله به ورسوله من غير زيادة ولا نقصان فهم مؤمنون، لهم ما لهم وعليهم ما عليهم، وإن كانوا قد زادوا في ذلك ونقصوا من التعصب لمن دخل في حزبهمٍ بالحق وبالباطل، والإعراض عمن لم يدخل في حزبهم، سواء كان على الحق أو على الباطل، فهذا من التفرق الذي ذمّه الله تعالى ورسوله، فإن الله تعالى ورسوله أمرا بالجماعة والائتلاف، ونهيا عن التفرقة والاختلاف، وأمر بالتعاون على البر والتقوى، ونهيا عن الإثم والعدوان، وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر)، وفي الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدّ بعضه بعضا) وشبك بين أصابعه، وفي الصحيح عنه أنه قال: (المسلم أخو المسلم لا يسلمه ولا يخذله)، وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم قال: (انصر أخاك ظالما أو مظلوما) قيل: يا رسول الله أنصره مظلوما فكيف انصره ظالما؟ قال: (تمنعه من الظلم؛ فذلك نصرك إياه)، وفي الصحيح عنه أنه قال: (خمس تجب للمسلم على المسلم: يسلم عليه إذا لقيّه، ويعوده إذا مرض، ويشمته إذا عطس، ويجيبه إذا دعاه، ويشيعه إذا مات)، وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه من الخير ما يحبه لنفسه)، فهذه الأحاديث وأمثالها فيها أمر الله ورسوله بما أمر به من حقوق المؤمنين بعضهم على بعض...)(10).
يتبع......
__________________
وأئمة أهل البدع أضر على الأمة من أهل الذنوب، ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل الخوارج، ونهى عن قتال الولاة الظلمةابن تيمية
واعلموا أن هذا العلم دين، فانظروا ما تصنعون، وعمن تأخذون، وبمن تقتدون، ومن على دينكم تأمنون؛ فإن أهل البدع كلهم مبطلون، أفّاكون، آثمون. الإمام الاوزاعي
ومن كان محسنًا للظن بهم، وادعى أنه لم يعرف حالهم، عُرِّف حالهم، فإن لم يباينهم، ويظهر لهم الإنكار، وإلا أُلْحق بهم، وجُعل منهم. ابن تيمية