عرض مشاركة مفردة
  #4  
قديم 30-06-2006, 05:01 PM
الطاوس الطاوس غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Feb 2006
المشاركات: 1,090
إفتراضي

إن الناظر في التكتلات الإسلامية المعاصرة يجد أنّ كلّ حزب إسلامي أخذ بجزء من الشريعة وعني به على قصور جلي في معرفة فصوله، ثم أخذ منه اسما له، مُهملا لباقي أبواب الشريعة الغراء، ضاربا عنها صفحا، مزهدا فيها، وبعض رؤوس الأحزاب وللأسف الشديد تجده يستهين بالتوحيد والفقه، ويسمي بعض السنن النبوية الشريفة قشورا، ويغمز في من يجدّ ويجتهد في تعليم الناس أحكام الطهارة والحيض والنفاس.
قال الشيخ العلاّمة محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله بعد ما ذمّ الحزبية: (...ولذلك نعتقد جازمين أن كل جماعة لا تقوم قائمتها على هذا الأساس من الكتاب والسنة ومنهج السلف الصالح دراسة واسعة جدا محيطة بكل أحكام الإسلام كبيرها وصغيرها أصولها وفروعها، فليست هذه من الفرقة الناجية من التي تسير على الصراط المستقيم الذي أشار إليه الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح).
وقال كذلك رحمه الله عن الأحزاب الإسلامية المتناطحة: (..هذه الأحزاب لا نعتقد أنها على الصراط المستقيم بل نجزم بأنها على تلك الطرق التي على رأس كل طريق منها شيطان يدعو الناس إليه)(14).
وأختم هذا الباب بذكر بعض مضار الحزبية، وما ينجم عنها من مفاسد على الأمة، دون بسط أو إسهاب، ولعلها تحرر في موطن آخر بشيء من التوسع كما وعدت سابقا إن شاء الله تعالى:
أولا: إن الحزبية الضيقة تَحصُر الولاء والبراء في بنود الحزب الاجتهادية، وتُضعفه في حقّ الله، وهذا العمل أدى بأفراد الحزب إلى الدعوة الخلق إلى الولوج في مربع الحزب بخطاب إسلامي حديث، لا إلى معرف الإسلام الحنيف من مفهوم السلف الكرام، قال الله تعالى في سورة الأحزاب: (يا أيها النبيّ إنّا أرسلناك شاهدا ومُبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا مُّنيرا).
فقد ذكر الله في هذه الآية قيدين عظيمين يجب أن يتحلى بهما ناصر الدين، ونافع الخلق بالحق المبين:
1- قوله تعالى(داعيا إلى الله)؛ أي: أن تكون دعوتُه قائمةً على ربط البرية بالله تعالى بإخلاص وصدق، فمن نثر بنوده لربط الخلق بالحزب أو المنظمة أو بنفسه كما يعمد إلى ذلك رؤوس التصوف، فيكون قد حاد عن القصد المطلوب، ووقع في الشرك والعياذ بالله.
2- وقوله تعالى(بإذنه)، أي أنه يحتاج في دعوته إلى إذنٍ لربط الخلق بالحق، والمراد؛ أنه يربط الناس بالله عن طريق الشرع الحكيم، فمن سلك طريق الكشف أو الذوق أو السياسة، أو الإبادة الجماعية باسم الجهاد فيكون قد ابتدع في الدين.

قال الشيخ السعدي رحمه الله في تفسير آية الأحزاب: (أي أرسله الله يدعو الخلق إلى ربهم، ويشوقهم لكرامته، ويأمرهم بعبادته التي خلق لها، وذلك يستلزم:
-استقامته على ما يدعو إليه، وذكر تفاصيل ما يدعو إليه، بتعريفهم لربّهم بصفاته المقدّسة، وتنزيهه عما لا يليق بجلاله، وذكر أنواع العبودية، والدعوة إلى الله بأقرب طريق موصل إليه، وإعطاء كلّ ذي حق حقه، وإخلاص الدعوة إلى الله لا على نفسه وتعظيمها، كما قد يعرض لكثير من النفوس في هذا المقام، وذلك كله بإذن ربّه له في الدعوة، وأمره وإرادته وقدره)(15).
ثانيا: إن الحزبية تعطي المنتسب إلى الحزب حقوقا ليست لغيره من المسلمين، وتربيه تربيةً على أخوة مبنية على مبادئ الحزب وشعاره، وفي هذا إهدار للأخوة الإسلامية، واستبدالها بتحالفات بدعية، وبطائق حزبية؛ تضيق الصدور، وتوغل القلوب.
ثالثا: إن كثرة الأحزاب في المجتمعات الإسلامية، ألغت البيعة العظمى للإمام الأعظم أو حاكم المسلمين، وأفرزت بيعات بدعية عددها لا يحصر، وصارت لكل جماعة بيعة لرأس الحزب التي هي منزوية تحت لوائه، وهذا الصنيع أدى كما قلت إلى هدم أصل عظيم وهو عقد البيعة لولي أمر المسلين على السمع والطاعة بالمعروف، ولهذا تجد أتباع هذه الأحزاب ينفرون الناس من طاعة الحاكم المسلم، ويبالغون في ذكر مثالبه على رؤوس المنابر، وأوجه مجلاتهم، و في الوقت نفسه يمجدون رأس حزبهم ويطغون في ذكر مناقبه وبعضها مزور، وفي كل عام يقيمون حفلا تمجيدا لمآثره!، وإحياء لليلة ولادته أو وفاته!.
رابعا: إن الحزبية تضيق دائرة الإسلام، وتحجِّم صراطه المستقيم، فيمسي الناس لا يرون الإسلام إلا من منظور الحزب الفلاني أو الجماعة العلانية.
خامسا: إنّ الحزبية المقيتة كانت نواة للجماعات المسلحة التي تنهج طريق المواجهة المسلحة، والاغتيالات، فأوقعت الأمة في فتن مدلهمة، وشرور كبيرة، وكانت ذريعة لراصدين العداء للإسلام الذي جاء به النبيّ صلى الله عليه وسلم، فانقضوا على الأبرياء من المتمسكين بأصول هذا الدين وأجهزوا عليهم بحجة محاربة الإرهاب والتطرف، والله تعالى أعلم.
منقول......
__________________
وأئمة أهل البدع أضر على الأمة من أهل الذنوب، ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل الخوارج، ونهى عن قتال الولاة الظلمةابن تيمية
واعلموا أن هذا العلم دين، فانظروا ما تصنعون، وعمن تأخذون، وبمن تقتدون، ومن على دينكم تأمنون؛ فإن أهل البدع كلهم مبطلون، أفّاكون، آثمون. الإمام الاوزاعي
ومن كان محسنًا للظن بهم، وادعى أنه لم يعرف حالهم، عُرِّف حالهم، فإن لم يباينهم، ويظهر لهم الإنكار، وإلا أُلْحق بهم، وجُعل منهم. ابن تيمية