عرض مشاركة مفردة
  #1  
قديم 02-07-2006, 02:42 PM
abunaeem abunaeem غير متصل
Banned
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2006
المشاركات: 660
إفتراضي التفكير السياسي

التفكير السياســــي



التفكير السياسي يختلف كل الاختلاف عن التفكير التشريعي وان كان من نوعه.‎لان التفكير التشريعي هو لمعالجة مشاكل الناس , والتفكير السياسي هو لرعاية شؤون الناس . الا ان هناك فرقا بين التفكيرين . وكذلك هو يناقض التفكير الادبي كل المناقضة , لان التفكير الادبي انما يعني باللذة والنشوة بالالفاظ والتراكيب . ويطرب للمعاني وهي في قوالب الالفاظ تساق بالاسلوب الادبي . اما بالنسبة للتفكير الفكرى فان فيه تفصيلا , فاذا كان التفكير السياسي تفكيرا بنصوص العلوم السياسية والابحاث السياسية , فان التفكير السياسي والتفكير الفكرى , يكادان يكونا نوعا واحدا . فهما متماثلان ومتشابهان الى حد كبير , الا ان التفكير الفكرى يشترط فيه ان تكون المعلومات السابقة في مستوى الفكر الذى يبحث , حتى وان كانت ليست من نوعه ولكن متعلقة به , اما التفكير السياسي فانه وان احتاج الى معلومات سابقة في مستوى الفكر , ولكنه يحتاج الى معلومات سابقة في نفس الموضوع ولا يكفي ان تكون متعلقة به او مشابهة له او مما تصلح لتفسير التفكير , لذلك فان التفكير بالنصوص السياسية هو من نوع التفكير بالنصوص الفكرية.
اما اذا كان التفكير السياسي , تفكير بالاخبار والوقائع , وربطا للحوادث فانه يخالف جميع انواع التفكير . ولا تنطبق عليه ولا قاعدة من قواعده , بل لا تكاد تربطه قاعدة , ولذلك هو اعلى انواع التفكير , واصعب انواع التفكير .اما كونه اعلى انواع التفكير فلانه هو التفكير بالاشياء والحوادث , والتفكير بكل نوع من انواع التفكير , ولذلك هو اعلاها جميعا , صحيح ان القاعدة الفكرية التي تبني عليها الافكار وتنبثق عنها المعالجات هي اعلى انواع التفكير , ولكن هذه القاعدة هي نفسها فكر سياسي , وفكرة سياسية , واذا لم تكن فكرة سياسية وتفكيرا سياسيا , لا تكون قاعدة صحيحة , ولا تصلح لان تكون قاعدة . ولذلك فانا حين نقول ان التفكير السياسي هو اعلى انواع التفكير , فان ذلك يشمل القاعدة الفكرية , اى التي تصلح لان تكون قاعدة فكرية . واما كونه اصعب انواع التفكير , فانه لعدم وجود قاعدة له يبني عليها ويقاس عليها , ولذلك فانه يحير المفكر , ويجعله في اول الامر معرضا للخطأ الكثير , وفريسه للاوهام والاخطاء . وما لم يمر بالتجربة السياسية , وبدوام اليقظة والتتبع لجميع الحوادث اليومية , فانه من الصعب عليه ان يتمكن من التفكير السياسي , ولذلك فان التفكير السياسي بالاخبار والوقائع يتميز عن جميع انواع التفكير , ويمتاز عليها امتيازا ظاهرا .

فالتفكير بالنصوص السياسية , وان كان يشمل التفكير بنصوص العلوم السياسية ونصوص الابحاث السياسية , ولكن التفكير السياسي الحق , هو التفكير بنصوص الاخبار والوقائع , ولذلك كانت صياغة الاخبار هي التي تعتبر نصوصا سياسية حقة . واذا كان المرء يريد التفكير السياسي , فان عليه التفكير بنصوص الاخبار , ولا سيما صياغتها وكيفية فهم هذه الصياغة . لان هذا هو الذى يعتبر تفكيرا سياسيا , وليس التفكير بالعلوم السياسية والابحاث السياسية . لان التفكير بالعلوم السياسية والابحاث السياسية يعطي معلومات , تماما كالتفكير بالنصوص الفكرية , ويعطي فكرا عميقا او مستنيرا , ولكنه لا يجعل المفكر سياسيا , وانما يجعله عالما بالسياسة , اى عالما بالابحاث السياسية والعلوم السياسية , ومثل هذا يصلح لان يكون معلما ولا يصلح ان يكون سياسيا . لان السياسي هو الذى يفهم الاخبار والوقائع , ومدلولاتها , ويصل الى المعرفة التي تمكنه من العمل سواء اكان له المام بالعلوم والابحاث السياسية , او لم يكن له المام , وان كانت العلوم السياسية والابحاث السياسية تساعد على فهم الاخبار والوقائع , ولكن مساعدتها هذه انما تقف عند حد المساعدة في جلب نوع المعلومات عند الربط , ولا تساعد في غير ذلك , ولهذا فانه ليس شرطا في التفكير السياسي . الا انه مع الاسف الشديد فانه منذ ان وجدت فكرة فصل الدين عن الدولة , وتغلب على اصحابها موضوع الحل الوسط انفرد الغرب , نعني اوروبا وامريكا باصدار المؤلفات والكتب في العلوم السياسية والابحاث السياسية , على اساس فكرته عن الحياة , وعلى اساس الحل الوسط , وعلى اساس الشكليات التي تعطي الفكر الوسط , الذى وجد للتوفيق والمصالحة , وحين جاءت الفكرة الشيوعية واعتنقتها روسيا الدولة الشيوعية , فانه كان يؤمل ان تخرج ابحاث سياسية على اساس فكر ثابت لا على اساس الحل الوسط . ولكن مع الاسف , فان روسيا ظلت ملحقة بالغرب , ولذلك فان العلوم السياسية , والابحاث السياسية ظلت سائرة في نفس الطريق , مع اختلاف في الشكل لا في المضمون , ولذلك فانه يمكننا ان نقول ان الابحاث السياسية والعلوم السياسية, التي خرجت حتى الان هي ابحاث سياسية لا يطمئن العقل الى صحتها , وعلوم سياسية اشبه بما يمسى علم النفس مبنية على الحدس والتخمين فوق كون اساسها هو الحل الوسط , لذلك فانه حين يجرى التفكير في نصوص هذه العلوم والابحاث , لا بد ان يكون المرء في حالة يقظة على الافكار . وفي حالة حذر من الانزلاق مع اخطائها , لانها تتضمن افكارا مخالفة للواقع , وابحاثا هي غاية الخطأ . وانا مع كوننا نفضل ان تعامل معاملة التشريع الغربي فلا تقرأ ولا تدرس , لان فيها ما هو متعلق بالتشريع وليس بالسياسة , مثل انظمة الحكم , ولكن نظرا لانها من نوع الابحاث الفكرية , وفيها ابحاث سياسية , فانه من هذه الجهة لابأس من قراءتها ودراستها ولكن مع اليقظة والحذر .

ولنأخذ بعض الافكار كنموذج لما تتضمنه الابحاث السياسية لدى الغرب , فالقيادة في الغرب جماعية تتمثل في مجلس الوزراء , واخذها الشرق فجعل لها شكلا اخر وقال بالقيادة الجماعية . وهذا مخالف للواقع , وبني على الحل الوسط . لان الملو ك المستبدين في اوروبا كانوا افرادا , وضج الناس من استبداد الملوك , واعتبروا سبب ذلك هو فردية القيادة , فقالوا ان القيادة للشعب لا للفرد , وجعلوها في مجلس الوزراء . وهذا حل وسط , لان مجلس الوزراء ليس الشعب , ولا منتخبا من الشعب , ولان رئيس الوزراء هو الذى يتولى قيادة الوزراء , وبذلك كانت القيادة ليست للشعب , ولا للفرد , بل لرئيس الوزراء ومجلس الوزراء , فكان هذا النظام حلا وسطا بين ان تكون القيادة للفرد , وبين ان تكون للشعب فهو ليس حلا لموضوع القيادة , بل هو مراضاه للفريقين . وفوق ذلك فان واقع السير ان القيادة ظلت فردية في جميع انواع الانظمة الديمقراطية . فهي في الواقع اما ان يتولاها رئيس الدولة كرئيس الجمهورية مثلا , او يباشرها رئيس الوزراء نفسه . فواقع القيادة انها فردية ليس غير , ولا يمكن ان تكون جماعية ولا بحال من الاحوال . وحتى لو جعلت جماعية , او سميت جماعية , فان سير الحكم نفسه يحول القيادة الى قيادة فردية لانه لا يمكن ان تكون الا فردية.

وعند الغرب جعلت السيادة للشعب , فالشعب هو الذى يشرع , والشعب هوالذى يحكم , والشعب هو الذى يملك الارادة ويملك التنفيذ . وهذا مخالف للواقع , ومبني على الحل الوسط . لان الملوك المستبدين كانت لهم الادارة , وكان لهم التقرير . فكانوا هم الذين يشرعون , وهم الذين يحكمون . وضج الناس من استبداد هؤلاء الملوك . واعتبروا سبب ذلك كونهم يملكون الارادة , ويملكون التقرير , فيملكون التشريع ويملكون الحكم . فقالوا ان السيادة للشعب , فهو الذى يشرع , وهو الذى يحكم . فجعلوا التشريع لمجلس منتخب من الشعب , وجعلوا التنفيذ لمجلس الوزراء , ورئيس الوزراء , او لرئيس الدولة , وهذا حل وسط . لان مجلس النواب وان كان منتخبا من الشعب , ولكنه لا يشرع , وانما الذى يشرع هو الحاكم . ومجلس الوزراء او رئيس الجمهورية هو الذى يحكم . وهو وان كان منتخبا من الشعب او وافق عليه ممثلو الشعب . فانه ليس في ذلك ان الشعب يحكم , وانما فيه فقط ان الشعب يختار الحاكم . فكان هذا حلا وسطا . وفوق ذلك فانهم يصرحون بان السيادة للقانون , ويعتبرون الحكم الصالح هو الذى فيه السيادة للقانون . فكان هذا النظام حلا وسطا , ومغالطة للنفس . وفوق ذلك فان واقع الحكم هو غير هذا . فواقع الحكم الصالح هو ان يختار الشعب حاكمه , وان تكون السيادة للقانون . فلا سيادة للشعب مطلقا , ولا حكم للشعب ولا بحال من الاحوال وعند الغرب ان الحكم شيء , وان الامور العاطفية والدينية شيء اخر . فعندهم ان سلطة الكنيسة غير سلطة الدولة , وان الاعمال العاطفية , من فعل الخيرات والعطف على الفقراء , ومواساة الجرحى , وما شاكل ذلك , لا شأن للدولة فيها . وهذا مبني على فكرة فصل الدين عن الدولة , وعلى الحل الوسط , ومخالف للواقع . لان الملوك المستبدين كانوا يتحكمون في الكنيسة , وكانوا لا يقومون بمواساة الناس من جرحى ومرضى وفقراء ونحوهم . لذلك ضج الناس . فكان الحل الوسط في فصل الكنيسة عن الدولة , وفي فصل الاعمال العاطفية عن الدولة . فنشأت عندهم سلطة للكنيسة غير سلطة الدولة , ونشأت عندهم الجمعيات الخيرية , وجعيات الصليب الاحمر وما شاكل ذلك . ولكن لما كان واقع الحكم هورعاية شؤون الناس كل الناس , والدين من الشؤون , والاعمال العاطفية من الشؤون , ولذلك كانت الدولة تشرف على الكنائس ,‎ولكن باسلوب غير ظاهر, وتشرف على الجمعيات الخيرية وجمعيات الصليب الاحمر ولكن باساليب خفية , ولذلك كانت هذه النظرية مخالفة للواقع حقيقة , وان كان ظاهرا وجود الفصل بين الحكم وغيره .

هذه ثلاث افكار كنموذج لخطأ الافكار السياسية التي تضمنتها الابحاث السياسية لدى الغرب , واذا قيل هذا في الافكار السياسية المتعلقة بالانظمة فانه يقال كذلك في الابحاث السياسية المتعلقة بالاشياء والوقائع , وهذه وان كان فيها بعض الحقائق التي لا يملك العقل مغالطة فيها , فانها مملوءة بما يخالف الحقيقة , ومملوءة بالمغالطات . فمثلا حين يتحدثون عن السياسة الانجليزية من انها مبنية على ثلاثة امور : هي علاقة انجلترا بامريكا , وعلاقة انجلترا باوروبا , وعلاقة انجلترا بالدول التي كانت مستعمرات لها واستقلت , او ما يسمى بالكومنولث , فان حديثهم هذا صحيح , لانه وصف لواقع لا يمكن ان تقع المغالطة فيه , ولكنهم حين يتحدثون عن السياسة الانجليزية من حيث سلوكها في المحالفات , وموقفها من الاصدقاء او الاعداء ونظرتها للشعوب والامم , فانهم فوق ما يكون في حديثهم من مغالطات وتضليل , فانه يكون كذلك مخالفا للواقع وجناية على الاحداث والوقائع , وقل مثل ذلك في حديثهم عن اية دولة من الدول , سواء اكانت دولة غربية , او دولة غير غربية , وسواء اكان حديثا تاريخيا لامور مضت , او كان حديثا عن وقائع جارية , وحوادث تقع امام الاعين . فان لهم من المهارة في التضليل وتزييف الحقائق , ما يخفي حتى على بعض المبصرين . ولذلك كان التفكير بالعلوم السياسية والابحاث السياسية , ايا كانت , لا يصح ان يكون الا مع اليقظة والحذر .

اما التفكير السياسي بالوقائع والحوادث الجارية , فهو التفكير الذى يصح ان يكون تفكيرا سياسيا بما تعنية هذه الكلمة , وهو الذى يجعل المفكر سياسيا . وهذا التفكير يحتاج الى خمسة امور رئيسية مجتمعة :


فاولا : يحتاج الى تتبع جميع الوقائع والحوادث التي تقع في العالم , اى يحتاج الى تتبع جميع الاخبار , ونظرا لاختلاف الاخبار من حيث الاهمية وعدم الاهمية , ومن حيث الصدفة والقصد في الواقعه والحادثه او في سوق الخبر عنها , ومن حيث الاقتضاب والاسهاب . فانه مع المران ومع الزمن يصبح تتبع الاخبار , لا لجميع الاخبار بل لما هو لا بد من معرفته في حلقات المعرفة .

ثانيا : يحتاج الى معلومات , ولو اولية ولو مقتضبة , عن ماهية الوقائع والحوادث , اى عن مدلولات الاخبار , سواء اكانت معلومات جغرافية , او معلومات تاريخية , او معلومات فكرية , او معلومات سياسية , او ما شاكل ذلك مما يستطيع معه الوقوف على واقع الواقعه او الحادثة , اى على حقيقة مدلولات الاخبار .