عرض مشاركة مفردة
  #2  
قديم 02-07-2006, 02:43 PM
abunaeem abunaeem غير متصل
Banned
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2006
المشاركات: 660
إفتراضي

رابعا : تمييز الحادثة والواقعه , اى تمييز الخبر من طريق تمحيصة تمحيصا تاما . فيعرف مصدرالخبر وموقع وقوع الواقعه والحادثه , وزمانها , والوضع الذى حصلت فيه , والقصد من وجودها , او من سوق الخبر عنها , ومدى ايجاز الخبر والاسهاب فيه , وصدقة ام كذبة , الى غير ذلك مما يتناوله التمحيص . لان هذا التمحيص هو الذى يوجد التمييز , وبقدر ما يكون شاملا وعميقا بقدر ما يوجد تمييز له . وبدون التمييز لا يمكن ان يأخذ هذه الحادثة او الواقعه , لانه يصبح فريسة للتضليل او الخطأ . ولذلك فان التمييز عامل هام في اخذ الخبر , بل مجرد سماعة .

خامسا : ربط الخبر بالمعلومات , ولا سيما ربطه بغيره من الاخبار . وهذا الربط هو الذى يؤدى الى الحكم الاقرب للصواب على الخبر . فالخبر اذا كان متعلقا بالسياسة الدولية . وربط بالسياسة المحلية , او كان متعلقا بالسياسة المحلية , وربط بالسياسة الدولية , او كان خبرا اقتصاديا وربط بالاقتصاد . مع انه من الامور السياسية ولو كان اقتصاديا . او كان خبرا يتعلق بالمانيا وربط بالسياسة الالمانية مع انه من الامور المتعلقة بامريكا . فالخبر اذا ربط بغير ما يجب ان يربط به فان الخطأ يقع حتما , اذا لم يقع التضليل , والخداع , لذلك فان ربط الخبر بما يتعلق به امر بالغ الاهمية . وان يكون هذا الربط على وجهه الصحيح . اى بأن يكون ربطا للفهم والادراك , لا ربطا لمجرد المعرفة . اى ربطا للعمل لا للعلم .

هذه الامور الخمسة لابد من تحقيقعا جميعها حتى يتأتى التفكير بالنصوص السياسية , اى حتى يتأتى التفكير السياسي . ولا يقال ان هذه الامور كثيرة وصعبه , ومن العسير تحقيقها , لا يقال ذلك , لان وجود هذه الامور ليس بالامر الصعب . لان المقصود بها هو مجرد الالمام وليس المعرفة الواسعة. وهي تأتي مع الزمن وليس دفعة واحدة , وتاتي عن طريق التتبع وليس عن طريق الدراسة والبحث العلمي , صحيح ان الدراسة والبحث العلمي , تكون اكثر مساعدة على القدرة , ولكنها لا تلزم في التفكير السياسي , ولا تلزم للسياسي , فهي كمالية وثانوية .
والمهم في كل ذلك هو التتبع , ومتى حصل التتبع وجدت الاربعة الباقية طبيعيا . فالاصل في التفكير السياسي هو التتبع ومتى وجد التتبع وجد التفكيرالسياسي طبيعيا .

وعلى ذلك , فان التفكير السياسي على صعوبته وعلوه فانه في مقدور كل انسان , مهما كان تفكيره , ومهما كان علمه , فالعادى والنابغة والعبقرى , كل منهم في مقدوره ان يفكر تفكيرا سياسيا , وفي مقدوره ان يكون سياسيا , لانه لا يتطلب درجة معينه من العقل , ولا درجة معينه من المعرفة , بل يتطلب تتبع الوقائع والحوادث الجارية , اى تتبع الاخبار , ومتى وجد هذا التتبع وجد التفكير السياسي . الا ان التتبع لا يصح ان يكون منقطعا , بل يجب ان يكون متصلا , لان الحوادث والوقائع الجارية , تشكل حلقة مترابطة الاطراف , فاذا فقدت حلقة منها انقطعت السلسلة , اى انفكت الحلقة . ويصبح في غير مقدور الشخص ان يربط الاخبار وان يفهمها . ولذلك كان بقاء الحلقة حلقة امرا ضروريا في التفكير السياسي , اى ان التتبع المتصل شرط اساسي في التفكير السياسي .

والتفكير السياسي ليس خاصا بالافراد . بل هو كما يكون في الافراد يكون في الجماعات , اى يكون في الشعوب والامم , فهو ليسص كالتفكير الادبي , ولا كالتفكير التشريعي , انما يتحقق بالافراد فحسب ولا يتأتي ان يكون في الجماعات فهو فردى . بل التفكير السياسي تفكير فردى وتفكير جماعي . وكما يكون في الافراد يكون في الجماعات , فيكون في الشعوب والامم , كما يكون في الافراد من حكام وسياسيين , بل انه لا يكفي ان يكون في الافراد , بل يجب ان يكون في الشعوب والامم , وبدون وجوده في الشعوب والامم لا يوجد الحكم الصالح , ولا يتأتى وجود النهضة , ولا تصلح الشعوب والامم لحمل الرسالات , ومن هنا كان لابد ان يوجد التفكير السياسي في الشعب والامة . ذلك ان الحكم انما هو للشعب او الامة . وكامن في الشعب والامة . ولا تستطيع قوة ان تأخذه الا اذا اعطاه الشعب والامة , واذا حصل اغتصابه منها , فانه انما يغتصب لفترة , فاما ان تعطيه فيستمر , او تصر على استرجاعه , فيطاح بالحكم , وما دام الحكم هو للشعب والامة , او كامن فيها , فانه لابد لهذا الشعب وهذه الامة من ان يكون لدية او لديها التفكير السياسي , ولذلك فان التفكير السياسي هو ضرورى للامة قبل الحكام , وضرورى لاستقامة الحكم اكثر من ضرورته لايجاد الحكم . ومن هنا كان لابد ان تثقف الامة او الشعب ثقافة سياسية , وان يكون لديها التفكير السياسي . اى لابد ان تزودالامة بالمعلومات السياسية والاخبار السياسية . وان ينمي لديها سماع الاخبار السياسية , ولكن بشكل طبيعي لا بشكل مصطنع , وباعطائها الصحيح من الثقافة السياسية , والصادق من الاخبار وحتى لا تقع فريسة للتضليل , ومن هنا كانت السياسية والتفكير السياسي , هي التي توجد في الشعب او الامة الحياة , اى كانت السياسة هي التي تحيا بها الامة , وبدون ذلك تكون جثة هامدة , لا حركة فيها ولا نمو .

الاان الخطأ في فهم السياسية , والضلال الذى يحصل من فهم السياسة انما يأتي من التفكير بالنصوص السياسية على غرار التفكير بالنصوص الاخرى من ادبية وفكرية وتشريعية . فيفكر بالالفاظ والتراكيب مثلا وتفهم هذه الالفاظ والتراكيب كما هي , او يفكر بالمعاني التي تحويها هذه الالفاظ والتراكيب فتفهم هذه المعاني كما هي , او يفكر في دلالات هذه الالفاظ والتراكيب فتفهم هذه الدلالات , وهنا يقع الخطأ او الضلال .‎لان التفكير بالنصوص السياسية يختلف كل الاختلاف عن التفكير بأى نص اخر . لان الخطأ والخطر في التفكير السياسي انما يأتي من عدم التمييز بين النصوص السياسية ,وبين غيرها من النصوص . فالنصوص السياسية , قد تكون معانيها موجودة في النصوص , وقد تكون موجودة في غير النصوص , وقد تكون موجودة في صياغة الالفاظ والتراكيب كالمعاهدات مثلا , والتصريحات المسؤولة , وقد يكون في المعاني لا بالصياغة وقد يكون بالدلالات لا بالمعاني ولا بالالفاظ , وقد يكون ما وراء هذه المعاني والالفاظ والدلالات , بل قد يكون مخالفا لها او مغايرا للنصوص مغايرة كلية . فاذا لم يدرك ما يعنيه النص السياسي مما هو متضمن للنص , او خارجا عنه فأنه لا يدرك النص ولا بحال من الاحوال فيقع الخطأ او الضلال في التفكير بالنص السياسي.

ثم انه من اخطر الامور على التفكير السياسي , تجريده وتعميمه ودخول القياس الشمولي فيه . فان النص السياسي لا يفصل عن ظروفه ولا بحال من الاحوال فهي جزء منه , ولا يصح ان يعمم ولا بوجه , ولا يدخله القياس الشمولي , حتى ولا القياس , فانه علاوة على ان الظروف جزء من النص , فانه نص في حادثه معينه , فيؤخذ لتلك الحادثة ليس غير , فلا يعمم على غيرها , ولا يقاس عليها , لا قياسا شموليا ولا قياسا حقيقيا , بل يجب ان يؤخذ لتلك الحادثة وحدها , لذلك كان التجريد والتعميم والقياس مطلقا شموليا كان او حقيقا , تشكل خطر الخطأ وخطر الضلال على التفكير السياسي فقد يعطي مسؤول تصريحا فيفهم منه شيء , ثم يعطي نفس التصريح او تصريحا اخر فيفهم منه شيء قد يكون مخالفا له بل قد يكون مناقضا له , ويعطي مسؤول تصريحا من امر حقيقي , اى تصريحا صادقا , فيفهم منه انه تصريح كاذب يراد منه التضليل , وقد يعطي تصريحا كاذبا, فيفهم منه انه تصريح صادق , وان المقصود منه هو ما عناه, والكذب فيه هو انه اعطي للاخفاء بالكذب . وقد يقام بعمل حسب التصريح وقد يقام بعمل على خلاف التصريح , وهكذا . فالظروف والملابسات هي التي تلقي الضوء على التصريح فتكشف ما يراد منه , وليس نفس النص السياسي , ولذلك فان التفكير السياسي لا يتأتي ان يكون قريبا من الصواب الا على هذا الوجه , اى الا اذا جعلت الضروف جزءا لا يتجزأ من النص او العمل. والا اذا اخذت كل حادثة بمفردها , وابعد عنها التعميم والقياس .